وصف الشارع السوري الاتفاق الأول بين النظام السوري وقوات سوريا الديمقراطية ("قسد"، ذات الغالبية الكردية) بـ"المثمر"، إذ سمح بإنشاء ثلاث نقاط مشتركة بين قواتهما في منطقة عين عيسى ومحيطها تتبع إدارياً إلى تل أبيض في ريف الرقة، شمال شرقي البلاد، هدفها وقف التقدم التركي.
الخيارات العاجلة في التوقيت الصعب
ولم ينَل هذا التفاهم قبولاً ورضا واسعَين من الشارع الكردي، إذ رأى أصحاب فكرة الحكم الذاتي بالشمال الشرقي للبلاد في ذلك تنازلاً لا يرتاحون له. إلا أنه بعد التعرض لقصف مدفعي وصاروخي مستمر من قبل الجيش التركي والفصائل السورية التابعة له، حظيت فكرة وجود الجيش النظامي وتسيير دوريات روسية على الطريق السريع، ببعض القبول بهدف وقف المدّ التركي، بخاصة بعد إنشاء نقطتين عسكريتين تركيتين في محيط منطقة عين عيسى الاستراتيجية.
وكان لا بد من ترجيح كفة خيار التفاهم مع النظام، تحسباً لاحتمال فقدان السيطرة على عين عيسى إلى الأبد، لا سيما أنها القرية التي تشكّل بوابة التقدم نحو مراكز قوة "قسد"، كما حدث سابقاً في مناطق ذات غالبية كردية في ريف حلب، مثل عفرين وغيرها من مناطق شرق الفرات.
حشود تركية وقصف متواصل
وتنبئ المعلومات الواردة من مصادر ميدانية في مجلس منبج العسكري عن كثافة القصف المستمر من قبل مدفعية الفصائل المدعومة من تركيا خلال الشهرين الماضي والحالي على طول مناطق سيطرة التنظيمات الكردية.
واستهدف القصف قرى منطقة عين عيسى والجاموسية بعشر قذائف، في حين تعرّضت قرى الدندنية وحسن الكبير وحسن الصغير، شمال غربي مدينة منبج، إلى قصف عشوائي.
في غضون ذلك، تتابع القوات السورية النظامية استقدام تعزيزات بحسب الاتفاق، في ظل تواصل القصف التركي وورود معلومات مؤكدة عن حشود عسكرية تركية من جهة عين عيسى. وأكد "مجلس تل أبيض العسكري" تلك المعلومات في بيان تحدث فيه عن سقوط حوالى مئة قذيفة مدفعية وصاروخية منذ يومين على بلدة عين عيسى وريفها.
وتحتفظ المنطقة بمكانة مهمة، إذ يمر عبرها الطريق الدولي السريع بين الحسكة وحلب المسمّى بطريق "أم 4"، إضافة إلى أنها مركز قيادة للتنظيمات الكردية المقاتلة على الخط الدفاعي الأول المقابل للمناطق التي تسيطر عليها أنقرة.
ويرى مراقبون في الاتفاق بين طرفين سوريين وعرابته موسكو، "حصان طروادة روسي" سوّغ دخول قوات النظام إلى عقر دار القيادة الكردية من جهة، وسمح ببسط الجيش الروسي ذراعه على ضفاف الفرات كمنطقة نفوذ جديدة من جهة أخرى، مع منع أي توغل محتمل من تركيا، بخاصة أن حشودها تتجهز للانقضاض على المعقل الكردي الذي تصفه بـ"الخطير والإرهابي".
كما لفت قائد مجلس تل أبيض العسكري، رياض خلف الانتباه إلى مسوّغات الاتفاق، الذي يأتي بعد الانتهاكات التركية المتواصلة وازديادها في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
في غضون ذلك، تصاعدت حدة العمليات العسكرية يوم الجمعة 11 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، بين قوات موالية للجيش التركي و"قسد" على تخوم عين عيسى وعلى الطريق الدولي، أدّت بحسب معلومات أولية إلى إصابات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
انسحاب التركي من ريف حلب
في سياق متصل، واصل الجيش التركي سحب المزيد من نقاط المراقبة من مناطق تقع تحت سيطرة الجيش النظامي السوري، وآخرها نقطة الراشدين في ريف حلب الغربي. ويشي هذا الانسحاب بقراءات عدة، منها تأهب القوات لعملية عسكرية تلوح في الأفق تتعدد اتجاهاتها من جانب إدلب، ومن طرف سيطرة الأكراد. ويقرأ عضو لجنة المصالحة السابق عمر رحون هذا التحرك من قبل أنقرة، بكونها "تريد السيطرة الدائمة على الشمال السوري، أملاً منها في الحدّ من هاجس يراودها على الدوام، هو حزب العمال الكردستاني الذي يحارب تركيا منذ عشرات السنين". ويردف "دخلت أنقرة بناءً على اتفاق مع روسيا، ووجودها هناك له ضوابط وتفاهمات والتزامات وليس تدخلاً منفلتاً، بل مرتبط بصمود الدولة السورية وبقائها".
العمليات الميدانية المتواصلة
من جهة أخرى، أعلن "المرصد السوري لحقوق الإنسان" نزوح أكثر من 7 آلاف مدني من منطقة عين عيسى خلال الشهر الماضي، متخوّفين من عملية عسكرية وشيكة. وذكر المرصد في بيان "يُقدّر تعداد سكان عين عيسى بنحو 11 ألف نسمة، نزح منهم 4500 شخص خلال الشهر الماضي، غالبيتهم نحو مدينة الرقة، بينما يُقدّر تعداد سكان القرى التي تتعرّض للقصف، بنحو 5000 نسمة، أُجبر 2500 منهم على النزوح خلال الفترة ذاتها".
وبلغت المعارك ذروتها بين "قسد" والفصائل المدعومة من تركيا منذ 23 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وتحدثت الأولى في بيان أصدرته حينها عن تسيير طائرات من دون طيار تابعة للجيش التركي، تحلق باستمرار فوق المنطقة وقت الهجوم.
كما أفادت "قسد" بأن أربعة من مقاتليها أُصيبوا في الاشتباكات، بينما حاولت الفصائل اقتحام قرية المالكي التابعة لعين عيسى، ففشلت وقتل 18 من مسلحيها، إلا أنها ألحقت أضراراً بممتلكات المدنيين وبشبكة الكهرباء.