لم تتجاوز جماعة الإخوان المسلمين بعد حقيقة تراجعها الكبير في انتخابات مجلس النواب الأردني بحصولها على 10 مقاعد فقط، حتى منيت بنكسة أخرى تمثلت في انسحابات متتالية من صفوف كتلتها البرلمانية، "كتلة الإصلاح"، التي تقلص عدد مقاعدها إلى ثمانية. مما أجهض فرص الجماعة في تشكيل تحالف ذي تأثير وازن في مواجهة الحكومة.
وكانت النائبتان مروة الصعوب وهبة الغرابلي قد أعلنتا انسحابهما من عضوية "كتلة الإصلاح" الإخوانية، بعد فوزهما بمقعدين عن مدينتي العقبة والكرك جنوب المملكة.
وأثار ذلك استياء قادة إخوانيين طالبوا بمراجعة خريطة التحالفات المستقبلية للجماعة، بعد ما اتسم المشهد الانتخابي الإخواني بالإرباك وعدم التنظيم والتسرع في التشبيك مع مرشحين انسحبوا لاحقاً من قوائم الجماعة، من بينهم نائبان عن المقعد المسيحي.
وتتوقع مصادر داخل الجماعة أن تشهد الأيام المقبلة ابتعاد نواب كانوا قريبين منها، وترشحوا ضمن قوائمها في سنوات ماضية، إلى جانب آخرين يلتقون مع الإخوان فكرياً وسياسياً. وذلك على قاعدة النأي بالنفس.
أزمة إخوانية داخلية
وكانت جماعة الإخوان المسلمين تعول كثيراً على تعزيز حضورها في البرلمان استباقاً منها لأي إجراءات حكومية بحقها، خصوصاً بعد قرار قضائي لمحكمة التمييز بحل الجماعة واعتبارها غير قانونية في يونيو (حزيران) الماضي.
لكن الرياح لم تأت بما تشتهي سفن الجماعة، فمنيت بخسارة كبيرة في الانتخابات النيابية الأردنية التي أجريت في العاشر من نوفمبر (تشرين الثاني)، بعد ما فقدت نحو نصف عدد مقاعدها التي حصلت عليها في البرلمان السابق عام 2016.
ويرى مراقبون أن الجماعة باتت في أزمة حقيقية، إذ لم تعد قادرة على إقناع منتسبيها ومناصريها. وهو ما يفسر التحول في المزاج من قرار المقاطعة إلى المشاركة في الانتخابات الماضية خلافاً لرغبة القواعد الإخوانية، وبعد تباين وسجال داخليين.
ووفقاً للوزير السابق سميح المعايطة، فإن الجماعة تمر بظرف محلي صعب، فهي تفقد شرعيتها القانونية وتعمل سياسياً تحت لافتة الحزب، وتواجه معركة إقليمية تهدد وجودها، لذلك فهي حريصة على ألا تفرط بأي وسيلة للبقاء.
وتعاني الجماعة منذ سنوات انشقاقات عدة أفرزت أحزاباً وجماعات جديدة باتت تنافسها على أحقية تمثيل "الإسلام السياسي".
مجلس مختلف
ويبدو أن المجلس النيابي التاسع عشر سيكون مختلفاً عن المجالس السابقة، إذ تنظر المحاكم الأردنية المختصة في أكثر من 60 طعناً في صحة نيابة عدد من أعضاء المجلس تحوم حولهم اتهامات بشراء الأصوات واستغلال المال الفاسد يوم الاقتراع، لكن ذلك لم يمنع هؤلاء النواب من أداء القسم الدستوري وممارسة مهماتهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويعد المجلس النيابي الحالي الأكثر تلقياً للطعون بصحة أعضائه في تاريخ المجالس النيابية الأردنية. مما دفع مراقبين إلى التشكيك في استمراريته لأكثر من عام.
وأظهر افتتاح المجلس من جانب العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، في الحادي عشر من ديسمبر (كانون الأول) الحالي، عدم التجانس الواضح بين أعضائه الذين يغلب على معظمهم حداثة تجاربهم السياسية وعدم اطلاعهم على القوانين والتشريعات.
ضغوط
من جانبه، أكد النائب ينال فريحات الناطق الإعلامي باسم "كتلة الإصلاح" الممثلة للجماعة داخل مجلس النواب أن محاولات هندسة النتائج والتدخل فيها كان قبل الانتخابات بفترة طويلة.
ويضيف، "ثمة ضغوط هائلة مورست على أفراد كتلتنا للانسحاب، مرة بالتهديد وأخرى بالترغيب، في محاولة لتقليص عدد الناجحين".
ويقول فريحات إن "لدى الكتلة خيارين بعد فقدان عدد من أعضائها، الأول انضمام خمسة من النواب إليها، أو الاستمرار داخل المجلس بثمانية أعضاء فقط كنواب مستقلين، على الرغم من بعض الامتيازات المعنوية التي ستفقدها الكتلة.
ويعوّل فريحات على أن يكون أداء المجلس النيابي مفاجئاً للجميع، على الرغم مما يُقال عنه، وأن يغير الصورة النمطية التي أخذت عنه، لوقف التغول الحكومي على السلطة التشريعية والقضائية.
منزوع السياسة
بدوره، يشير خالد الجهني المتخصص في الشؤون البرلمانية إلى وجود 98 نائباً من أصل 130 نائباً في المجلس الجديد الذي يعول عليه باستعادة ثقة الشارع.
ويلفت الجهني إلى خلو المكتب الدائم لمجلس النواب من الأعضاء ذوي الخلفية السياسية، خلافاً لسنوات سابقة. ما قد ينعكس تغييراً في الأداء.
لكنه، في الوقت نفسه، يبدي تفاؤلاً بأن يكون المجلس الحالي مختلفاً وأن يسجل سابقة في تاريخ المجالس النيابية.
ويُتوقع أن يسهل مجلس النواب الجديد إقرار قوانين اقتصادية صعبة ومؤلمة، تتحضر الحكومة الأردنية لاتخاذها، خصوصاً بعد تعهد الحكومة بإجراء إصلاحات هيكلية تساعد على التعافي الاقتصادي وتحفيز النمو، إثر طلب سابق من صندوق النقد الدولي بتكثيف الإصلاحات الاقتصادية اللازمة لمواجهة التبعات المالية والنقدية والتشغيلية لتفشي جائحة كورونا في البلاد.