ظهر تأثير فيروس كورونا وتراجع أسعار النفط العالمية على أرقام الموازنة السعودية، التي أعلنت في 15 ديسمبر (كانون الأول) الحالي. إذ انخفضت الإيرادات النفطية وغير النفطية لعام 2020 إلى 770 مليار ريال (نحو 205 مليارات دولار)، أي في حدود 16 في المئة مقارنة بالعام الماضي، بينما ارتفع العجز بنسبة 12 في المئة أو نحو 298 مليار ريال (نحو 79 مليار دولار) من الناتج المحلي الإجمالي.
وتوقع وزير المالية السعودي محمد الجدعان، في مقابلة مع قناة "العربية"، أن ينخفض العجز عام 2021 ليصل إلى نحو 5.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وسجل الدين العام في السعودية 34 في المئة من الناتج المحلي في عام 2020، بينما حصلت زيادة في الإنفاق بنحو 5 في المئة مقارنة بالتقديرات الأولية. فقد كان 2020 عاماً استثنائياً.
تراجع الإيرادات وزيادة الإنفاق
ويرى اقتصاديون أن كورونا شكل عبئاً على اقتصاديات العالم من دون استثناء، وأن الإجراءات السعودية لمواجهة آثاره أسهمت في إنقاذ اقتصاد البلاد، مشيرين إلى أن غالبية القطاعات بدأت في التعافي، وهو ما يبشر بمؤشرات اقتصادية أفضل عام 2021، وهذا ما أكده الجدعان أيضاً.
وقال المستشار الاقتصادي أحمد الشهري، إن كورونا ترك آثاراً على ميزانية 2020 عبر زيادة المصروفات، خصوصاً بعد إجراءات الإغلاق، حيث تراجع النمو بشكل حاد وسجل القطاع الخاص تراجعاً بنحو -10 في المئة في المتوسط العام. وفي الصناعات التحويلية والخدمات الاجتماعية والتشييد والمطاعم والفنادق وقطاع التجزئة والاتصالات، كان متوسط التراجع 5 في المئة.
ويشير الشهري إلى أثر تعطل عمل قطاع الطيران، الذي أدى إلى تراجع الإيرادات بشكل واضح. ويضيف أن هذه الآثار تم التعامل معها بميزانية ذات لياقة أعلى، إضافة إلى تقديم الدعم للقطاع الخاص والإعفاءات الضريبية وبرامج الدعم.
ويوضح أن "الإغلاق الكلي والجزئي للاقتصاد أثر بشكل مباشر وقوي على جميع القطاعات بلا استثناء، وأن فتح الاقتصاد مجدداً أسهم في تخفيف حدة التراجعات التي أصابت قطاع التجزئة"، مشيراً إلى عودة الطلب المكبوت خلال الفترة الماضية لكن من دون أن يصل حتى الآن إلى المستويات المطلوبة. ويؤكد أن الحكومة كانت سخية جداً في الوفاء بجميع استحقاقاتها.
وذكر وزير المالية السعودي أن الاستحقاقات كانت تصل إلى القطاع الخاص خلال أربعة إلى خمسة أسابيع. وهذه السيولة منحت الاقتصاد المحلي زخماً أكبر، وكانت إحدى الإستراتيجيات المستخدمة لاستبقاء نقد نشط لدى القطاع.
ويرى رئيس أبحاث الأسهم في "الأهلي كابيتال" إياد غلام أن للجائحة أثراً غير مسبوق على الاقتصاد العالمي، بما في ذلك السعودية. ويقول "انعكس ذلك على الميزانية المتوقعة لعامي 2020 و2021، عبر انخفاض الإيرادات بشكل عام بنحو 16.9 في المئة على أساس سنوي إلى 770 مليار ريال".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة أسهمت في تخفيض حدة الجائحة، وشملت تقديم حزم دعم متنوعة (تجاوزت 200 مليار ريال أي نحو 53 مليار دولار) ودعم الإيرادات غير النفطية وتخفيض الإنفاق التشغيلي، إضافة إلى تأخير أو إلغاء بعض المشاريع.
وتوقع غلام أن "تنمو الإيرادات بـ10.3 في المئة على أساس سنوي، مع تحسن العائدات النفطية والأثر السنوي الكامل لرفع ضريبة القيمة المضافة. كما أن خفض المصاريف بـ7.3 في المئة على أساس سنوي سيسهم في انخفاض عجز الميزانية إلى 141 مليار ريال (37.58 مليار دولار)".
ويضيف "عام 2021، تتوقع الميزانية انخفاض الإنفاق الرأسمالي بـ26.3 في المئة إلى 101 مليار ريال (26.93 مليار دولار)، وذلك لإتاحة مجال أكبر للقطاع الخاص للاستثمار"، مشيراً إلى أن فتح الاقتصاد وعودة الحياة إلى طبيعتها سيسهمان في تحقيق نمو اقتصادي يصل إلى 3.2 في المئة.
أثر الضريبة على الميزانية
وحول إسهام زيادة الضريبة المضافة (15 في المئة) في معالجة الأزمة، يقول الشهري إنها "تعتبر أداة تعويضية للنقص الحاد في أسعار النفط، وأدت دوراً في تعديل موازين المالية العامة بشكل كبير وواضح".
ويضيف أن أثرها قد يكون واضحاً على قطاع المستهلكين، ومؤثراً على نحو جزئي، لكن الأسواق امتصته بحالة من المرونة السعرية.
ويوضح أن ضريبة القيمة المضافة لا تشكل عبئاً كبيراً على اقتصاد يعتمد على فاتورة واردات عالية، لأن هذه الاستقطاعات من الناحية الاقتصادية تُسجل على المدى الطويل، "وإذا رجعنا إلى هيكل الصادرات والواردات السعودية، نجد أن الأخيرة في معظمها استهلاكية وليست تصنيعية. وهذا ما حفز الحكومة على فرض الضريبة، خصوصاً أن معظم المستهلكين هم من العاملين لديها، حيث النسبة الأكبر من الأجور، بما في ذلك الأعلى دخلاً".
ويشير إلى أن الحكومة حافظت، من خلال البنك المركزي، على أمرين مهمين سيحفزان النمو الاقتصادي في عام 2021، هما سيولة عالية جداً لدى المصارف التجارية والبنك المركزي وأسعار فائدة منخفضة.
وبلغت إيرادات الضرائب لعام 2020 نحو 196 مليار ريال (52251 مليار دولار)، وذلك بانخفاض نسبته 10 في المئة مقارنة بعام 2019، وفق بيان وزارة المالية السعودية.
وقال الجدعان، في مؤتمر صحافي عقب إعلان الميزانية، "لو لم نرفع ضريبة القيمة المضافة خلال جائحة كورونا لما استطعنا دفع الرواتب وبعض المزايا المادية"، مؤكداً أنه لن يعاد النظر فيها في المدى القريب والمتوسط.
وفي التقديرات الأولية لموازنة 2021، قدر الإنفاق المعتمد بـ990 مليار ريال (263.89 مليار دولار)، والإيرادات بـ849 مليار ريال (226.31 مليار دولار)، والعجز بـ141 مليار ريال (37.58 مليار دولار).
وقال العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، أثناء إعلان ميزانية 2021، إن السعودية تأثرت سلباً بكورونا على مستوى نشاط الاقتصاد المحلي، إلى جانب تأثرها سلباً بالركود الاقتصادي العالمي وانخفاض الطلب في أسواق النفط، الذي أدى إلى انخفاض حاد في الأسعار.
وقال الملك سلمان، إن "هذا العام كان صعباً في تاريخ العالم وقد أدت التدابير الصحية والمبادرات المالية والاقتصادية التي اتخذناها والإصلاحات التي أتت مع إقرار رؤية المملكة (2030) إلى الحد من الآثار السلبية على المواطنين والمقيمين في المملكة وعلى اقتصادنا".