Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"عشان الصورة تطلع حلوة" ومضات من المؤتمر الصحافي السنوي لبوتين

صحافية ترفع لافتة مكتوب عليها "أنا حامل" والرئيس الروسي يخرج عن المألوف بحديثه عن قضايا خاصة

استعرت عنوان هذا التقرير من اسم الفيلم الروائي المصري "اضحك عشان الصورة تطلع حلوة" لصاحبيه الكاتب وحيد حامد، والفنان أحمد زكي الذي عُرِضَ في تسعينيات القرن الماضي وحظي بنجاح كبير على المستويين المحلي والعالمي، ففيه خير تفسير للكثير من المفردات المستخدَمة في فعاليات مثل المؤتمرات الصحافية الرئاسية، وما يتعلق بأهدافها الحقيقية الرامية إلى تحسين صورة الرئيس وتوضيح أبعاد سياساته، وما يرتبط ضمناً بالرد على اتهامات مناوئيه وانتقاداتهم. من هذا المنظور، يمكن تفسير مدى حرص الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على دورية عقد مؤتمراته الصحافية السنوية منذ توليه مقاليد القيادة في الكرملين مطلع القرن الحالي مع نهاية كل عام، وأحياناً في منتصف العام، وما يعلّقه الكرملين من آمال على مردود مثل هذه المؤتمرات والفعاليات.


تقليد لتحسين الصورة
على الرغم من أن هذه المؤتمرات كانت في بدايتها، امتداداً لتقليد سَنّهُ سلفه بوريس يلتسين، إلا أن بوتين سرعان ما تجاوزها شكلاً ومضموناً، لتغدو أفضل وسيلة لمخاطبة شعبه في الداخل، والرأي العام العالمي ومَن يريد من نظرائه في الخارج، لفترات غير تقليدية، تمتد إلى حوالى 4 أو 5 ساعات.
لم يكن مؤتمر هذا العام، وهو السادس عشر منذ بدء ولايته الأولى عام 2000، خروجاً على هذه القاعدة، وإن تغيّر من حيث الشكل، إلا أنه بقي كما عهدناه خلال سابقيه من المؤتمرات من حيث المضمون. صحيح أن القائمين على شؤون "تحسين صورة الرئيس ورفع مستوى شعبيته وجماهيريته"، يحاولون مع كل مؤتمر، إضفاء لمسات وإضافات مغايرة يمكن أن تجعل اللقاء السنوي أكثر بهاء وبريقاً مما سبقه من لقاءات وفعاليات يلتقي خلالها الرئيس مع ممثلي مختلف أطياف المجتمع الروسي ومنهم طلاب الجامعات والمؤسسات التعليمية والموهوبين من الشباب والرياضيين، وقدامى المحاربين والنقابيين ممَن يشكلون أساس ما يسمى "الجبهة الشعبية" التي أسسها الرئيس عام 2012، لتكون له ولنظامه دعماً أشمل يتجاوز نطاق التنظيمات الحزبية، منها حزب "الوحدة الروسية" الحاكم. تلك كلها حلقات في سلسلة السياسات الإعلامية الجديدة التي أقرها الكرملين لإحكام قبضته على كل وسائل الإعلام من صحف ومجلات وقنوات تلفزيونية وإذاعية، بعد نجاحه مع مطلع القرن الحالي في التخلص من سيطرة رجال الأعمال وممثلي الأوليغارشيا ممَن كانوا يملكون معظم وسائلها منذ انهيار الاتحاد السوفياتي السابق، واستعادتها، عدا النذر اليسير غير المؤثر في حقيقة الأمر. في هذا الصدد يتوقف المراقبون للساحة الإعلامية الروسية، عند ما لجأ إليه القائمون على شؤون "الدعاية والتحريض"، في السنوات الأخيرة من إضافات يحتدم حولها الجدل اليوم، منها البرامج الحوارية والسياسية، التي يشارك فيها منشقون سابقون من ذوي الأصول الروسية ممَن يعيشون اليوم في إسرائيل وأوكرانيا وبولندا والولايات المتحدة، مقابل أجور شهرية وغير شهرية، فضحت صحيفة "كومسومولسكايا برافدا" الكثير من تفاصيلها.
حذا بوتين في بداية عهده في الكرملين، حذو سلفه بوريس يلتسين، بعقد مؤتمراته الصحافية السنوية خلال فترة ولايته الأولى داخل الكرملين، في المقر السابق للسوفيات الأعلى، التابع للاتحاد السوفياتي (البرلمان). ولم يكن يحظى بحق المشاركة في تلك المؤتمرات سوى عدد محدود من الصحافيين وفي معظمهم من الأجانب المعتمدين في العاصمة الروسية، إلى جانب عدد من زملائهم من ممثلي الصحف الفيدرالية المركزية، وانضم إليهم في ما بعد ممثلون عن صحافة الأقاليم والجمهوريات الروسية. وأذكر أن هذه المؤتمرات كانت تتسم بقدر كبير من الوقار والجدية، ربما لمحدودية العدد الذي كانت تتسع له القاعة، وربما لأنها كانت تكفل الاتصال المباشر بين الجهاز الصحافي للرئيس، والصحافيين ممَن كانوا يرتبطون بعلاقات مباشرة مع المتحدث الرسمي ونوابه ومساعديه.


تغييرات وتحسينات
ما إن تزايد الاهتمام بهذا التقليد "الحميد" شكلاً ومضموناً، حتى تحول منظمو المؤتمر والمسؤولون عن شؤون الكرملين وديوان الرئاسة، إلى محاولة استقطاب أكبر عدد من الصحافيين ممَن كانوا يتوافدون خصوصاً من مختلف أرجاء الدولة الروسية المترامية الأطراف المتعددة القوميات والأعراق، حاملين معهم مشاكل مواطنيهم وهمومهم. كان ذلك سبباً على ما يبدو في نقل المؤتمر السنوي إلى قاعات أكثر اتساعاً ورحابة تُجهّز خصوصاً لاستيعاب ما يزيد على 2000 من الصحافيين المعتمدين وغير المعتمدين، إضافة الى مَن يصل من ممثلي الصحافة الأجنبية، لتغطية هذا الحدث الذي ينشدون الارتقاء به إلى مستوى العالمية. مع انتقال مقر المؤتمر الصحافي السنوي وما يصاحبه من تغييرات ومتغيرات، ظهرت الحاجة إلى الجديد في الشكل مع الإبقاء على المضمون، من هنا ظهر ما بات أقرب إلى الكرنفال وعروض الأزياء والمبتكرات التي لجأ إليها عدد من الصحافيين لجذب انتباه الرئيس ومساعده دميتري بيسكوف، الناطق الرسمي باسم الكرملين، للفوز بفرصة طرح ما يعنّ على بالهم من أسئلة وتساؤلات. في هذا الصدد، لم يكتفِ الصحافيون بتجهيز اللافتات التي يسجلون عليها ما يرونه سبيلاً إلى الكشف عن هويتهم، سواء موضوع السؤال أو مقر الإقامة أو اسم المطبوعة أو الجمهورية التي يمثلونها. وراح كثيرون منهم يتسابقون في ابتكار الجديد، كارتداء الأزياء الوطنية، أو ما شابه، إلى حد جعل بعضهم أشبه بمهرجي السيرك، وأفقد القاعة وقارها، وما كانت تتسم به من رصانة تليق باسم الكرملين.

"أنا حامل"
على الرغم من غياب هذه الظاهرة هذا العام، بسبب قيود كورونا، وجد البعض ما يعوضهم عن ذلك خلال الجلسة التي جرت عن بُعد عبر تقنية الفيديو، فتفتقت أذهانهم عن تعبيرات ووسائل رأوها مناسبة لجذب انتباه الرئيس. وبلغ "الشطط" حداً رفعت معه إحدى الصحافيات الروسيات لافتة مكتوب عليها "أنا حامل"، ما استرعى انتباه الرئيس ودفع إلى الاستفسار عن مدى ارتباط ذلك بمضمون ما كشفت عنه من قضايا وتجاوزات، ليتضح لاحقاً أن ذلك لم يكن سوى خديعة لجذب الانتباه.
مؤتمر هذا العام كما أشرنا سابقاً، جرى في ظروف استثنائية كانت سبباً في اعتماد "الفيديوكونفرنس" سبيلاً للتواصل مع مئات الصحافيين المحليين والأجانب، الذين انضم إليهم كثيرون من المواطنين الروس كانوا بعثوا مسبقاً بتساؤلاتهم وما يريدون طرحه من مشاكل أو شكاوى في رسائل صوتية ومصورة ومكتوبة، إلى "مركز اتصالات الكرملين". وثمة ما يشبه الإجماع في أوساط الصحافيين والمراقبين، حول ما حققه القائمون على تنظيم المؤتمر من نجاح في تجاوز الكثير مما فرضته ظروف كورونا من قيود، من خلال الالتزام بتباعد المشاركين، وتوفير كل وسائل الوقاية الصحية، وتحديد الحضور في قاعة تواجد الرئيس بوتين في مقر إقامته في "نوفواوجاريوفو" في ضواحي العاصمة، بعدد من صحافيي الكرملين، وتجهيز قاعات خاصة لبقية المشاركين، انتشرت في موسكو وغيرها من كبريات المدن والأقاليم الروسية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


التطرق إلى "الممنوعات"
أما بشأن ما تناوله المؤتمر الصحافي السنوي من قضايا، فتجاوز حدود المألوف، وتحول في بعض جوانبه إلى ما نعلم أنه طالما كان من "ممنوعات الكرملين"، وهو ما يتعلق بأسرة الرئيس وحياته الشخصية وابنتَيه، وإن ظلت الأسئلة التي تتعلق بالشأن العام دون الخاص، في صدارة ما أجاب عنه وفي معظمها القضايا المحلية والدولية كافة.
تباينت الأسئلة بمقدار اختلاف مواقع أصحابها وانتماءاتهم، وتطرقت إلى قضايا الشان العام وفي مقدمها العلاقات الدولية وتقديرات الرئيس الروسي سياسات نظرائه وأبعاد رؤيته إلى ما يحتدم في العالم من أزمات وقضايا. وكما يحدث كل عام، حرص بوتين على تفادي الإجابة المباشرة عن أي أسئلة تتعلق بعائلته أو ابنتيه. واكتفى بالرد على سؤال مراسل قناة لايفLIFE، حول ما يُقال في روسيا إنه زوج ابنته يكاتيرينا، من رجل الأعمال كيريل شامالوف، الابن الأصغر لصديقه الملياردير نيكولاي شامالوف، فاستعرض ما نشرته بعض الصحف والمجلات الغربية والقنوات التلفزيونية الأميركية والمواقع الإلكترونية حول شراء شامالوف أسهم إحدى أكبر شركات النفط لقاء ثمن رمزي يُقدَّر بمئة دولار للسهم، مؤكداً أن "عملية الشراء جرت بموجب برنامج تشجيعي تنطبق بنوده على شامالوف، وليس في ذلك أي غضاضة لأنها تنطبق وتسري على آخرين". ولدى ذكر أن مثل هذا الأمر محظور بموجب القانون الروسي، قال بوتين إن "ذلك غير صحيح لأن الحظر ينطبق فقط على رجال الدولة والشخصيات الرسمية، ولا علاقة له بالقطاع الخاص". ومضى قائلاً، إنه لم يهتم كثيراً بقراءة التقرير الذي نشر هذه المعلومات، بل تصفحه فقط ليجد أن اسم شامالوف ورد بوصفه "صهر الرئيس" في مواقع عدة، لينتهي إلى أنه "الصهر السابق للرئيس"، من دون أن يؤكد بوتين صلته الرسمية بشامالوف، وما إذا كان بالفعل تزوج ابنته، التي لا أحد في روسيا أيضاً يقر بذلك من دون أن يشير إلى ما قد يعتري ذلك من شكوك، يطرحها مقرونة بالكثير من الصور والأدلة والقرائن.

وضعية خاصة
الغريب أيضاً في هذا الصدد، هو أن كل المواقع الإلكترونية الروسية التي تتحدث عن ابنة الرئيس، تكشف عن الكثير من جوانب سيرتها ونشاطها كإحدى الدارسات في جامعة موسكو الحكومية ممَن يتمتّعن بوضعية خاصة، كمديرة لعدد من البرامج العلمية فيها ومشاريع تبلغ قيمة تمويلها حوالى ملياري دولار، فضلاً عن كونها راقصة أكروباتية محترفة لا سيما على إيقاع موسيقى "روك أند رول" وترأس اللجنة الوطنية لهذا النوع من الرياضات.


قضية نافالني
بالعودة إلى المؤتمر الصحافي، تطرّق الرئيس بوتين أيضاً إلى قضية تسميم المعارض الروسي ألكسي نافالني الذي يحرص دائماً على عدم تسميته، في معرض رده على سؤال في شأن حقيقة ما يُقال حول المسؤولين عن "تسميمه"، ليقول إنه طالب أجهزة التحقيق الغربية بتقديم ما لديها أو التعاون مع الأجهزة الروسية في البحث عن حقيقة الجريمة وملابساتها في حال وقوعها، من دون جدوى. كما تكلم عن العلاقات الروسية - الأميركية وقضايا نزع السلاح، معرباً عن أمله في أن ينفذ الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن ما وعد به في هذا الشأن، إلى جانب التعاون لوضع حلول مناسبة لما تشهده الساحة السياسية الدولية من قضايا وأزمات. وإذ استعرض ما توصلت إليه بلاده من أسلحة حديثة تتفوق بها على مثيلاتها لدى الولايات المتحدة، قال إن ميزانية الدفاع الروسية لا تتجاوز 46 مليار دولار، ما يضعها خلف الولايات المتحدة التي تبلغ ميزانيتها للدفاع ما يزيد على 15 ضعف مثيلتها في روسيا. وأوضح أن ميزانية التسلح في الولايات المتحدة تبلغ 776 مليار دولار، مشيراً إلى مئات القواعد العسكرية التي تملكها في مختلف بلدان العالم، والتي تقول موسكو إن معظمها يتركز على مقربة مباشرة من الحدود الروسية. ومن اللافت في هذا الصدد أن إجابات بوتين حول هذه القضايا تظل في إطار تبرير ما تتخذه موسكو من قرارات ومواقف رداً على ما تنتهجه واشنطن وحلفاؤها من سياسات، ما يؤكد عملياً صحة ما صار يتردد حول استمرار الحرب الباردة بين القطبين الكبيرين، روسيا، والولايات المتحدة ومعها حلفاؤها الغربيون. اللافت أن الرئيس يصبح أكثر انفتاحاً وأريحية في إجاباته وتعليقاته على شؤون الداخل وما تبذله الحكومة من جهود لتطوير البنية التحتية وقضايا الصحة والتعليم والإسكان. في هذا الصدد فاجأ بوتين مواطنيه بمنحة تُقدَر بخمسة آلاف روبل (حوالى 70 أو 75 دولاراً أميركياً) عن كل طفل حتى السابعة من العمر، دعماً وتعويضاً عما لحق بهم من متاعب وأزمات بسبب تفاقم مشكلة "كورونا"، فضلاً عن إجراءات اتخذتها الحكومة للتخفيف من أعباء الحجر الصحي، منها تجميد أسعار بعض السلع الرئيسة وخفضها، وتشديد الرقابة على الأسواق والإعلان عن رفع محدود للمرتبات والمعاشات التقاعدية اعتباراً من مطلع العام المقبل.

المزيد من تقارير