تعيش قوات سوريا الديمقراطية (غالبيتها من المكون الكردي) أزمة مواجهة عسكرية، وتتجهز لأسوأ سيناريو بعدما شهد أكبر معاقلها "عين عيسى" بريف تل أبيض، الواقع في الريف الشمالي لمحافظة الرقة، قصفاً صاروخياً ومدفعياً انتهى بتقدم فصائل سورية موالية لتركيا باتجاه محيطها، ووصلت للطريق الدولي.
الرهان على عين عيسى
وإن كانت القرية الاستراتيجية تلك تحمل هذا البعد كونها تمتد على طول الطريق (أم - 4) الواصل بين الحسكة وحلب، إلا أن أنقرة تعي جيداً أن فقدان "قسد" لمعقلها ذاك ليس خسارة لقواتها فحسب، بل إجهاض لحلم الأكراد السوريين الذين طالما راهنوا على تشكيل دولة مستقلة لهم بدأت نواتها بتشكيل إدارة ذاتية على الأرض السورية في الشمال الشرقي.
وإزاء هذا، فإن سقوط عين عيسى يعني في المنطق الحربي تفكيك القرى والبلدات التي تتبع لـ"قسد" وللإدارة الذاتية، وجعلها منعزلة عن بعضها بعضاً وتقطيع أوصال بلدات لها ثقلها مثل عين العرب (كوباني) ومنبج، وغيرهما، ما يسهل على أنقرة اجتياحها.
وبحسب المعلومات الواردة من عين عيسى، فإن خريطة العمليات لم تتبدل إلى الآن على الرغم من تقدم فصائل المعارضة السورية المدعومة تركياً، مع تقدم وتراجع الفصائل المهاجمة على النقاط الأمامية، في حين أعلنت وسائل تتبع للمعارضة السورية عن سيطرتها على قريتين (جهبل ومشيرفة) في محيط عين عيسى. كما تشي المعلومات بأنه وسط القصف الصاروخي التمهيدي المكثف وعمليات التقدم البري الطفيفة، تغيب حتى اللحظة الزج بفرق للمشاة، وسيطرة الفصائل المهاجمة نارياً على حدود المنطقة ووسطها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبعد قصف محيطها ليلة أمس، تنبئ المعلومات بإصابات في صفوف المدنيين المدنيين، كما تعرضت نقطة مشتركة بين "قسد" وروسيا والنظام السوري للقصف، وأنباء عن مصرع عسكريين ومدنيين على حد سواء، وذلك على الرغم من اتفاق تم موسكو ودمشق و"قسد" قبل أيام.
وكانت "قسد" قد وافقت على الاتفاق الذي يتيح إشراك الجيش النظامي السوري في عدد من نقاط التماس في مواجهة النقاط التركية، في حين تبقى السيطرة لها، في خطوة تشبه اتفاقاً في منطقتي (تل رفعت ومنبج)، وأعلن قائد المجلس العسكري لمدينة تل أبيض رياض الخلف، في التاسع من ديسمبر (كانون الأول) الحالي عن إنشاء ثلاث نقاط مراقبة مشتركة، بحسب الاتفاق.
التثبيت العسكري أو الانسحاب
وفي غضون ذلك، لم تتوقف الإمدادات العسكرية وتتقاطر مع فرق المتطوعين لمساندة قوات "قسد" على الخطوط الأمامية للقرية، في ظل معلومات عن استقدام تعزيزات تركية وسماع طيران استطلاع وحربي يحوم في أجواء المنطقة.
ويتوقع مراقبون أن تشهد المنطقة في الأيام المقبلة أعنف عملية عسكرية، شبيهة لمعارك عملية "نبع السلام" في أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي، ويعتقد الحقوقي والمختص في الشأن الكردي، جوان اليوسف، أن تركيا تحاول التقدم، لكنه حتى هذه اللحظة ليس هناك من تقدم استراتيجي، وهو مجرد ضغط على "قسد". ويقول "من الناحية السياسية هذه العملية الجديدة هي امتداد لما حصل في إدلب بعد انسحاب الجيش التركي من نقاط المراقبة، فمن الطبيعي أن تقوم هذه الفصائل بفتح النار بساحات أخرى، خصوصاً لما لاقى انسحابها من امتعاض فصائل المعارضة السورية، وتوجيه الأنظار نحو الساحة الأضعف شمال شرقي سوريا".
روسيا وأميركا والأكراد
وفي وقت يلف فيه الصمت الروسي حيال ما تتعرض له عين عيسى من تحشيدات تركية من دون التعليق على هذه التطورات، انتقدت الرئيسة المشتركة لمجلس سوريا الديمقراطية، أمينة عمر، الضغط الروسي على قوات سوريا الديمقراطية، لتسليم مدينة عين عيسى للحكومة السورية، وذكرت في تصريحات صحافية "تقع على عاتق روسيا حماية مدينة عين عيسى من التهديدات والهجمات التركية والفصائل المسلحة الموالية".
مقابل ذلك، تحدثت المستشارة الخاصة في الرئاسة السورية بثينة شعبان، عن تطابق في وجهات النظر بين سوريا وروسيا "حدث الاتفاق على بعض النقاط مع (قسد) في شأن علم البلاد ووحدتها وسلامة أراضيها، لكنهم لم يوقعوا الاتفاق".
صد الهجوم
وفي جانب متصل، ليست المسألة ثلاثة كيلو مترات من عين عيسى، أو الوصول إلى طريق (أم - 4) بقدر ما يصفه الباحث بالشأن الكردي والسياسي اليوسف بـ"الابتزاز" الروسي لقوات "قسد"، وتلويح موسكو على الدوام بـ"البعبع" التركي "موسكو تهدد (قسد) لتسليم هذه المناطق أو تسمح للقوات التركية باحتلالها، والتجارب تقول إن المنطقة ستتحول إلى ركام".
كما يرجح الباحث أنه ومع استمرار هذه الفصائل بالهجوم "ستستميت (قسد) في الدفاع، وحين تعجز ستسلمها لدمشق لوجود جانب رمزي لعين عيسى بلا شك". وتابع "تستفيد تركيا من الفراغ الموجود في انتقال الإدارة الأميركية عبر تنشيط الفصائل، خصوصاً لكون لم يعد لديها عمل بعد حرب أذربيجان، وليس لديها خيار غير إلهائها بهذه العملية وبساحات عسكرية". واستبعد "اجتياحاً تركياً"، وأغلب الظن أنها "رسالة مشتركة لـ(قسد) لتسليم هذه المنطقة لدمشق".
والواضح أن القوات الأميركية بحالة جمود، وبالأساس موقف واشنطن هو أحد الأسباب المشجعة لتركيا للقيام بهذا الهجوم، وهي لم تنفذه بقواتها بعد، بل الفصائل السورية، بحسب ما تشير الوقائع الميدانية على الأرض.