سيلاحظ معظم البريطانيين للمرة الأولى تأثير انتقال المملكة المتحدة إلى خارج الاتحاد الأوروبي حين سيذهبون إلى محال السوبر ماركت للتمون بالمأكولات والمشروبات بعد إجازة الأعياد.
فمع اتفاق تجاري بريطاني أوروبي أو من دونه، من المرجح أن تعني مغادرة المملكة المتحدة السوق المشتركة والاتحاد الجمركي الأوروبيين أن المتاجر ستضطر إلى رفع الأسعار وقد تعاني نواقص في البضائع المعروضة على الأرفف مع تراجع إمدادات بعض المواد الغذائية.
إذ تستورد المملكة المتحدة نحو 45 في المئة من موادها الغذائية، ويأتي 26 في المئة من الاتحاد الأوروبي، والبقية من سائر أنحاء العالم. وتأتي الواردات من أوروبا في شكل رئيس من هولندا (14 في المئة من إجمالي قيمة الواردات من الاتحاد الأوروبي)، وألمانيا (11 في المئة)، وإيرلندا (10 في المئة)، وفرنسا (10 في المئة).
وهذا يجعل بريطانيا عرضة للتعطل في التدفق التجاري من القارة، وتقر الحكومة بأنه أمر محتمل بسبب إجراءات بيروقراطية إضافية ستترتب على بريكست، بما في ذلك ما يفوق 200 مليون تصريح جمركي سنوياً.
وفي حال عدم الحصول على اتفاق للتجارة الحرة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي والتصديق عليه مع حلول 31 ديسمبر (كانون الأول)، ستُفرض رسوم جمركية يصل متوسطها إلى 18 في المئة على المأكولات والمشروبات المستوردة من القارة، ومن المتوقع أن يحمِّل المستوردون المستهلكين بعضاً من هذه التكلفة الإضافية، إن لم يكن كلها.
ومن شأن زيادة بـ18 في المئة على المنتجات التي تشكل نحو ربع سلة التسوق النموذجية، أن ترفع بنحو جنيهين إسترلينيين متوسط الإنفاق الأسبوعي للفرد البريطاني على الطعام والشراب الذي يصل حاضراً إلى 45 جنيهاً إسترلينياً (نحو 60 دولاراً).
وفي الوقت نفسه، سيعني غياب الاتفاق التجاري تكاليف إضافية يبلغ متوسطها 23 في المئة ستصيب المبيعات إلى الاتحاد الأوروبي، ما يجعل مصدري الطعام والشراب البريطانيين أقل تنافسية ويخفض أرباحهم.
ووصف رئيس قسم التجارة الدولية في "اتحاد الطعام والشراب"، دومينيك غاودي، بريكست من دون اتفاق بـ"الكارثي" بالنسبة إلى سلاسل الإمداد الخاصة بالمملكة المتحدة، وقال إنه "من المرجح جداً" تحميل المستهلكين الأعباء المالية الإضافية.
في المقابل، حتى لو حصل بوريس جونسون على اتفاق مع بروكسل، سيبقى على عاتق المستوردين والمصدرين عبء مالي كبير بسبب الإجراءات البيروقراطية الإضافية، بما في ذلك التصاريح الجمركية، والشهادات الصحية، وقواعد التدقيق في المنشأ. ولو حُمِّل المستهلكون هذه الأعباء وحدها، قد ترتفع الأسعار ثلاثة في المئة.
وسيصيب أي ارتفاع في أسعار المواد الغذائية الناس الأفقر أكثر من غيرهم، فمشتريات الطعام تستحوذ على أكبر حصة من إنفاقهم.
ومع اتفاق أو من دونه، من المتوقع حصول تأخيرات في موانئ رئيسة كـ"دوفر" و"فولكستون". وكذلك يشير سيناريو الحكومة الخاص بالتخطيط لأسوأ الاحتمالات، إلى أن الحركة عبر المضائق قد تتقلص بـ60 إلى 80 في المئة من المستويات الطبيعية، وقد تصل فترات الانتظار إلى يومين.
واستطراداً، أجلت السلطات البريطانية التطبيق الكامل للمعاملات الجديدة إلى يوليو (تموز) 2021، ومن الممكن أيضاً توقع أن تُجيز تلك السلطات صادرات المواد الغذائية في شكل فوري كلما أمكانها ذلك.
لذلك من المرجح أكثر، في البداية على الأقل، أن تُرَى صفوف الشاحنات في الجانب البريطاني وليس الفرنسي، من القناة الإنجليزية.
في منحىً متصل، إنّ كل تأخير سيُعرّض للخطر شحنات البضائع القابلة للتلف كالمأكولات البحرية ولوازم صنع السَلَطات.
وثمة مخاوف أيضاً من نفور مجموعة من شركات النقل البري المستقرة في الاتحاد الأوروبي، من العرقلة الإضافية ما قد يوقف تماماً رحلاتها إلى المملكة المتحدة، ويخفض أيضاً الكمية الإجمالية للمنتجات الزراعية التي تصل من أوروبا.
وفي حين لا يتوقع أحد نقصاً عاماً في المواد الغذائية، من الممكن أن يصبح العثور على منتجات معينة أكثر صعوبة. إذ تعتمد بريطانيا على التجارة مع أوروبا للحصول على معظم ما تستهلكه من بصل وفطر وطماطم ولوازم السَلَطات، وعلى جزء مهمّ من فواكه وخضروات أخرى كثيرة.
وفي هذه الأثناء، قد يعني الفشل في حل مسائل تتعلق بالمنتجات الزراعية العضوية، إخراج الموردين البريطانيين لتلك المنتجات من أسواق الاتحاد الأوروبي وإيرلندا الشمالية.
وفي ذلك الصدد، ذكر السيد غاودي أن التأخيرات "حتمية" وحذر من أن مخزونات المنتجات الزراعية في المملكة المتحدة منخفضة حالياً نتيجة تفشي فيروس كورونا.
وأضاف، "في حين أن قطاعنا برهن عن مرونة لافتة خلال جائحة "كوفيد-19"، استهلكت شركات كثيرة المخزونات التي كُوِّنت تحسباً لبريكست من دون اتفاق ومواكبة الزيادة في الطلب. وكذلك أُعِيد نشر الموظفين ضمن الاستجابة لأزمة "كوفيد- 19"، ونتيجة لذلك لا تتوفر لشركات كثيرة إلا موارد قليلة تخصصها للإعداد لنهاية المرحلة الانتقالية (قبل بريكست).
وكذلك أوضح أنه "في حين أننا نعمل في شكل وثيق مع الحكومة البريطانية كي نبرز المسائل الموضوعة على المحك في مجال الطعام والشراب، نشعر بقلق عميق من ألا يتيح اتفاق، حتى لو جاء ضمن الحد الأدنى، سوى مُهَل مستحيلة بالنسبة إلى المصنعين البريطانيين الذين يعتمدون على سلاسل الإمداد المتكاملة جداً الموجودة حاضراً بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، ولا تتمتع بسوى مهل قصيرة جداً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي سياق متصل، يدعو "اتحاد الطعام والشراب" إلى فترة سماح تلي الانتقال الرسمي إلى ترتيبات ما بعد بريكست يوم 31 ديسمبر، بهدف إعطاء الشركات الوقت اللازم كي تُجري تغييرات في مجالات كوَسْم المواد الغذائية والمتطلبات الحدودية الجديدة.
ووفق السيد غاودي، "سيؤدي عدم فعل ذلك إلى زعزعة الخيارات والقيم المتاحة للمتسوقين البريطانيين. ونتوقع تأثيرات في الأسعار ومدى توفر المنتجات. في المقابل، من الصعب أن نحدد مسبقاً كيف سيبدو الأمر. إذ يُرجّح أن تؤدي العرقلة التجارية الإضافية إلى مزيج من الإمداد الفائض والناقص، مما سيؤدي في شكل مماثل إلى إلحاق الضرر بالمصنعين".
وضمن السياق نفسه، يكتنف الغموض الأكبر الوضع مع إيرلندا الشمالية، فالبضائع المنتقلة من البر البريطاني ستخضع لرسوم جمركية وضوابط صحية جديدة فور وصولها.
ووفق بنود بروتوكول إيرلندا الشمالية، الذي وقعه السيد جونسون في 2019، ستكون هذه الإجراءات مطلوبة بالنسبة إلى كثير من البضائع التي تستطيع دخول الاتحاد الأوروبي، حينما تعبر الحدود إلى جمهورية إيرلندا.
وتزعم حكومة المملكة المتحدة أن الاتحاد الأوروبي قد يستخدم البروتوكول لفرض حظر عملي على إمدادات المواد الغذائية إلى إيرلندا الشمالية، وتهدد بخرق القانون الدولي لمنع حصول ذلك الحظر.
© The Independent