في مفاجأة جديدة ضمن سلسلة التقلبات المتسارعة وغير المفهومة في المشهد الليبي، وصل وفد مصري رسمي إلى العاصمة طرابلس، الأحد 27 ديسمبر (كانون الأول)، في زيارة هي الأولى من نوعها منذ سنوات عدة، بقيادة اللواء أيمن بديع، نائب رئيس جهاز الاستخبارات المصرية، ورئيس اللجنة الوطنية المصرية المكلفة ملف الجارة الغربية للقاهرة.
اللافت في الزيارة، أنها تلت بيوم واحد، زيارة مثيرة للجدل لوفد عسكري تركي، إلى العاصمة الليبية، كانت حافلة بالشحن والتصريحات الحادة، التي هاجم فيها وفد أنقرة وحلفاؤه في طرابلس الجيش الوطني الليبي، بقيادة المشير خليفة حفتر، مهددين بعودة الحرب ضده، ومن يقف خلفه من القوى الإقليمية، في إشارة واضحة إلى مصر، أبرز حلفائه في المنطقة والداعمين له.
التنسيق لعودة العلاقات
التقى الوفد المصري بعدد من المسؤولين البارزين في حكومة الوفاق، في طرابلس، وبحث مع نائب رئيس المجلس الرئاسي أحمد معيتيق في تفعيل عدد من الاتفاقيات المبرمة بين البلدين، والتي تعطلت سنوات، بحسب بيان صادر عن المكتب الإعلامي التابع لحكومة الوفاق، وتم خلال اللقاء، التأكيد على "عمق العلاقات بين البلدين الشقيقين، وتطويرها بما يخدم المصلحة المشتركة ، كما تمت دراسة التنسيق المشترك لتفعيل عدد من الاتفاقيات المبرمة بينهما، في المجالين الاقتصادي والأمني، واستئناف عمل السفارة المصرية بطرابلس، في أقرب الآجال، ودراسة عودة الرحلات الجوية بين البلدين.
تغليب قوة المنطق
عقدت اللجنة المصرية بعدها اجتماعاً، مع الرجل الذي فتح الباب لعودة العلاقات بين القاهرة وطرابلس، بزيارة قام بها سراً إلى العاصمة المصرية، قبل أسابيع عدة، وهو وزير الداخلية المفوض بحكومة الوفاق فتحي باشا آغا.
وفي إيجاز صحافي، كشفت وزارة الداخلية في حكومة الوفاق فحوى اللقاء قائلة إنه "عقد بحضور رئيس جهاز الاستخبارات التابع لها عماد الطرابلسي، ونوقشت فيه سبل دعم اتفاق وقف إطلاق النار، والجهود الأممية بشأن الحوار السياسي، والخروج من الأزمة الراهنة بالطرق السياسية والسلمية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووصف فتحي باشا آغا المناقشات التي أجراها مع الوفد المصري، بأنها "مثمرة وبناءة، وقال في تغريدة عبر حسابه على "تويتر"، "استعرض خلالها مع الوفد المصري سبل تعزيز التعاون الأمني والاستخباراتي المشترك، بما يحفظ مصالح الدولتين والمنطقة من خطر الإرهاب والجريمة المنظم "، وأضاف، "علاقاتنا مع القاهرة مهمة للغاية، وليبيا ستكون نقطة توافق وتلاق، لا ساحة تنافر وصراع، ولا سبيل لإنهاء الأزمة الليبية إلا بتغليب قوة المنطق على منطق القوة".
هل تعود المياه إلى مجاريها؟
شهدت العلاقات بين العاصمتين الليبية والمصرية، توتراً كبيراً، وصل حدّ القطيعة التي استمرت سنوات، بسبب اتهام حكومة الوفاق القاهرة بدعم قائد الجيش الوطني في شرق ليبيا خليفة حفتر، في حربه ضدها، خصوصاً أثناء حملته العسكرية على طرابلس، ورفض مصر التقارب بين حكومة الوفاق وتركيا، والوجود العسكري للأخيرة في الغرب الليبي.
وتفاقم التوتر وزادت القطيعة بين الطرفين، بعد الاتفاقية التي وقعها رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج مع الرئيس التركي رجب أردوغان، والتي تمت من خلالها إعادة ترسيم الحدود البحرية بين الجانبين، الليبي والتركي، والتي اعتبرتها مصر مضرة بمصالحها، وتمسّ مياهها الإقليمية، وردت عليها بتوقيع اتفاقية مماثلة مع اليونان، لقطع الطريق على الخطوة التي اتخذتها طرابلس وأنقرة.
وبدأت العلاقات تتحسن بين الطرفين بعد زيارة أثارت العديد من الأسئلة في ليبيا، قام بها وزير الداخلية في حكومة الوفاق فتحي باشا آغا إلى القاهرة ناقش خلالها، بحسب التسريبات التي انتشرت بعد الزيارة، مع المسؤولين المصريين، سبل خفض التوتر مع حكومته، تمهيداً لعودة العلاقات بينهما، ودعماً للمسار التفاوضي والحلول السلمية لأزمة ليبيا.
رد الفعل التركي
في الوقت الذي لم يصدر حتى الأن ردّ فعل رسمي تركي على زيارة الوفد المصري إلى طرابلس، إلا أن مراقبين للمشهد الليبي، توقعوا ألا تكون مختلفة عن تلك التي صدرت منها رداً على زيارة باشا آغا إلى القاهرة، والتي أغضبت أنقرة، ودفعت بالسفير التركي في ليبيا، بحسب مصادر ليبية متطابقة، إلى توبيخ وزير الداخلية لقيامه بهذه الزيارة، ونقل احتجاج الرئيس التركي عليها، وهو الأمر الذي لم ينفه باشا آغا وقتها.
وتزيد احتمالية إثارة هذه الزيارة غضب السلطات التركية، إذا صحت التسريبات، التي انتشرت بعد زيارة الوفد المصري إلى طرابلس، والتي أفادت بأن القاهرة اشترطت على حكومة الوفاق شرطين، لا تنازل عنهما، هما حل الميليشيات غير النظامية وإنهاء الوجود العسكري التركي في ليبيا، لعودة العلاقات وطي صفحة الخلافات بينهما.
علاقة محتملة بزيارة الوفد التركي
في سياق متصل، ربطت مصادر ليبية، بين زيارتَي الوفدين المصري والتركي إلى العاصمة الليبية، في يومين متتالين، مثيرة أسئلة كثيرة حول التقارب الزمني بينهما، واحتمال عقد لقاء سري بين الوفدين، لتقريب وجهات النظر بين أبرز الفرقاء الإقليميين في الملف الليبي، دعماً للحل السياسي للأزمة في البلاد.
واعتبر رئيس مؤسسة الإعلام في حكومة الوفاق محمد بعيو، أن "وصول الوفد المصري إلى طرابلس بعد ساعات من زيارة وزير الدفاع التركي، خلوصي آكار، ليس مصادفة"، مخاطباً من وصفهم بـ "الساعين إلى جعل حياتنا مستحيلة"، أن "السياسة فن الممكن، والسلام آتٍ، والحرب لم تعد قدر هذا الوطن".
في المقابل، نفى الناطق باسم وزارة الخارجية بحكومة الوفاق محمد القبلاوي وجود أي رابط بين زيارتي الوفدين، إلى العاصمة طرابلس، وشدد على أنه "لا توجد أي علاقة بينهما، سوى أننا نعمل على إعادة بناء الثقة مع القاهرة، بعد فترة دعمها خليفة حفتر"، كما نفى القبلاوي، أن تكون هناك أي شروط من الوفد المصري تم فرضها على حكومة الوفاق، قائلاً، "ننفي نفياً قاطعاً، ما يروّج من قبل وسائل الإعلام، بأن هناك شروطاً من الوفد المصري ووثيقة، طالب الطرف الليبي بالقبول بها".
دلالات الزيارة المصرية
اعتبر أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية جمال الشطشاط أن دلالات الزيارة المصرية كبيرة، وأعمق من الكثير من القراءات السطحية التي علقت عليها، مضيفاً، "الدبلوماسية المصرية تحقق انتصاراً جديداً في الملف الليبي، على حساب الخصم الرئيسي واللدود لها تركيا، بإرسالها هذا الوفد إلى طرابلس، في خطوة تهدف إلى سحب البساط من تحت أقدامها، في غرب ليبيا"، وتابع، "فتح القاهرة قنوات للتواصل الدبلوماسي مع حكومة الوفاق، لا يعني أبداً تخليها عن حلفائها في شرق ليبيا، بل خطوة لضرب عدوهم الأول، وعدوها أيضاً، المتمثل في أنقرة، والتحرك السياسي المحسوب والذكي، لإخراجها من المشهد الليبي، وللتأكد من هذه الحقيقة، على الجميع ترقب ومتابعة رد الفعل التركي، على هذه الزيارة، في الأيام المقبلة".