قول واحد، كان السبق لهم. سبقوا إشهار مجلة "تايم" الأميركية عام 2020 الأسوأ على الإطلاق. ولم يكتفوا بذلك، بل جودوا واجتهدوا وابتكروا. من المصريين من أعلن أنها الأسوأ لكن "عادي لا مشاكل". ومنهم من صرح بأن الأسوأ لم يأت بعد. وهناك من اعتبرها غريبة، لكن ليست بالضرورة الأسوأ أو الأصعب. وهناك من "فش غله" فيها فحول حنقه عليها إلى سخرية منها وصدمته لما جرى خلالها إلى إخضاع كل كبيرة وصغيرة في أيامها الـ365 للتنكيت، تارة بالـ"ميمز" وأخرى بالتدوينات الساخرة وثالثة بالتغريدات، التي تنضح بغيظ كامن مشوب بتنكيت واضح.
لو كان كورونا رجلاً
"لو كانت 2020 رجلاً أو حتى امرأة لأطبقت على رقبته أو رقبتها وأجهزت عليه أو عليها ودفعته أو دفعتها إما للانتحار أو الانقشاع بعيداً عن هذا الكوكب". الفكرة التي طرأت على بال أحمد شوقي (28 عاماً) (نادل) بقدر غرابتها لم تكن مفاجئة أو صادمة، لأنها ببساطة شديدة جالت في مخيلات كثيرين وربما ملايين.
الملايين ينتابهم الفكر التخيلي نفسه، منهم من يتحدث عنه ويطلق له العنان، ومنهم من يترجمه بطريقته الخاصة. خصوصية قلب الخطط رأساً على عقب تجعل وراء كل باب تم إقفاله طيلة أشهر الإغلاق حكاية.
رانيا (19 عاماً) تصب جم الغضب طيلة ساعات اليوم على سنة 2020 التي قضت على حلمها بالعمل في مركز اتصالات براتب مجز طيلة أشهر الدراسة، لتسافر في جولة أوروبية في أشهر الصيف. تقول، "لن أسامحها طيلة حياتي، لا سيما أنها على ما يبدو قررت أن تكمل معنا بعض الوقت. لو لم يهيمن كورونا على العام لعملت وسافرت واستمتعت، لكن ما حدث هو أنني حبست انفرادياً، واكتسبت ثمانية كيلو غرامات إضافية، وأصبحت أميل إلى العدوانية تارة والكآبة تارة أخرى".
وبين عدوانية العزل الذي يلوح في الأفق بين الحين والآخر وكآبة التفكير في المستقبل الذي لا تبدو له أي ملامح واضحة، يتحدث كثيرون عن الامتنان لـ2020 الذي كشف لهم أسوأ ما فيهم، وكذلك أفضله.
ياسمين المراغي (42 عاماً) تقول إنها اكتشفت قدرتها على تحمل ما لم تكن تتخيل أنها قادرة عليه. صبر، وجلد، وسعة أفق، وقدرة على التغاضي عن أخطاء فادحة وقائمة طويلة من الصفات تقرأها من ورقة تثبتها على ثلاجة المطبخ لتضيف إليها كلما اكتشفت صفة جديدة ولدت من رحم الوباء. وربما هذا ما يدعوها إلى القول بأنه "لولا كورونا، لبقيت غير مدركة لكم الصفات الجيدة التي أتمتع بها".
إعادة الاكتشاف
يشار إلى أن المراغي أعادت اكتشاف صفاتها بفعل أشهر الإغلاق وبقائها وجهاً لوجه مع أبنائها الثلاثة في مراحل التعليم المختلفة، وما يعنيه ذلك من لعبة القط والفأر اليومية حيث الدروس "أون لاين" بينما يغطون في النوم، وساعات المذاكرة ضائعة بين شاشات التلفزيون والآي باد واللابتوب والهواتف المحمولة، ومحاولات الخروج على الرغم من أنف الوباء، للقاء الأصدقاء وغيرها كثير من أنشطة الحظر والإغلاق التي دفعتها إلى إعادة اكتشاف نفسها.
وتتوالى الاكتشافات والانكشافات، ولكن كلاً بحسب ظروفه وأوضاعه. سيف محمد (30 عاماً) مازال يتمنى لو تغاضى الزمن عن 2020 برمتها. "أحياناً أتمنى لو انتهى عام 2019 ليبدأ عام 2021. ما جرى لي ولأسرتي في هذا العام جراء كورونا لم يكن على البال أو الخاطر. فقدت عملي كمندوب مبيعات، وحتى أتمكن من إطعام أسرتي، عملت أثناء فترة الحظر والإغلاق في مهن لم أفكر فيها، من عامل نظافة في سوبرماركت إلى عامل دليفري في محل لبيع البذور (التسالي) إلى فرد أمن. اكتشفت وليتني ما اكتشفت أن عملي كمندوب مبيعات ليس إلا عملاً في مهب الريح، اليوم هنا وغداً لا أثر له".
تأجيل الخلاف
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أثر الخلافات الرهيبة التي تعصف بحياة الزوجين نادية وتامر توقف بسبب الوباء. كان الزوجان قد اتفقا في نهاية عام 2019 على أن يمهلا نفسيهما شهرين قبل اتخاذ خطوة الطلاق. لكن انتشار الوباء والإغلاق وتخفيض ساعات العمل وما نجم من ذلك من تدهور دخل الزوجين جعلهما يؤجلان قرار الانفصال لأسباب تتعلق بصعوبة إيجاد شقة سكنية أخرى والاتفاق على الأمور المادية الخاصة بطفلهما.
وإذا كان 2020 هو الأسوأ على الإطلاق، فهو أيضاً عام التأجيلات بلا منازع. كل من خطط لهذا العام للسفر أو تغيير العمل أو استئناف الدراسة أو تعلم الرقص أو العزف أو ما شابه. لكن بالنسبة إلى خالد مصطفى (54 عاماً) فقد كان عام تأجيل قرار تنفيذ كل المؤجلات. يقول ضاحكاً، "اكتشفت بعد بلوغي سن الخمسين أنني احترفت التأجيل. ظللت لسنوات أؤجل ممارسة الرياضة والسفر ومصارحة أصدقائي بما يضايقني في تعاملاتهم وتعلم العزف على الطبلة وأشياء أخرى كثيرة. وفي أوائل عام 2020 قررت أن يكون هذا هو عام إغلاق ملف المؤجلات وممارسة كل ما يمكنني ممارسته، فكانت النتيجة أن 2020 أصبح عام التأجيل العالمي".
شكراً كورونا
لكن حتى التأجيل في ظل كورونا له جوانب إيجابية ومشرقة. تقول فرح عامر (26 عاماً) إنها تشكر كورونا من قلبها، "فلولا الوباء والإغلاق وتقليص النفقات في كثير من أماكن العمل لظلت تعمل في الشركة نفسها منذ تخرجها قبل عامين وتمقتها بكل تفاصيلها. أهلي وأصدقائي وكل المحيطين بي ظلوا يثنوني عن عزمي ترك العمل لأنه مرموق وراتبه ممتاز. لكن ظروف كورونا أدت إلى تقليص عمل الشركة في مصر، واقتصار تمثيلها على شخص واحد هو المدير، الذي يعمل من البيت أون لاين. لذلك، لو لم يحدث الوباء، لكنت الآن ضمن آلاف التعساء المعلقين أعلى جسر أكتوبر في انتظار العبور العظيم من حي مصر الجديدة إلى حي الزمالك صباحاً، ثم العبور المضاد مساءً والاستسلام للنوم في يوم الجمعة من كل أسبوع. لو كان الأمر بيدي لصنعت نصباً تذكارياً يمجد كورونا. شكراً كورونا".
كثيرون يشكرون كورونا، وكثيرون أيضاً يصبون غضبهم عليها. قليلون هم من يضعونها في حجمها الحقيقي من دون تهويل أو تهوين. ربما كان الوباء سبباً لاكتشاف ما هو كامن لدى البعض من مساوئ أو محاسن. وربما أعطى البعض الفرصة لعمل ما كانوا يتمنون عمله، أو عجل بقرارات كانوا ينوون اتخاذها أو أجهض خططاً أو أحلاماً، لكنه يظل وباءً ساعد البعض في إعادة اكتشاف نفسه، لكنه لم يصنع أحداً أو يقضي على أحد باستثناء من قضى عليهم بفعل المرض. أما الخوف كل الخوف فهو أن يكون عام 2021 الجزء الثاني من 2020.