لا شك في أن اتفاق بريكست التاريخي بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي من شأنه أن يفتح المجال لعديد من الأسئلة أمام المستثمرين الأجانب، وهل لهذا التطور أثر في ممتلكاتهم الحالية أو خططهم المستقبلية في شراء مزيد من المساكن؟ وهل يعني الاتفاق مزيداً من الضرائب على المستثمرين أو الملاك؟
من المؤكد أن القطاع العقاري في إنجلترا يمر بمرحلة صعبة على الرغم من الانتعاش الذي طرأ عليه خلال الفترة الماضية، لا سيما أن البلاد مرت بمرحلة جديدة بعد اتفاق الخروج من الاتحاد الأوروبي.
ويعد القطاع العقاري أحد أبرز المجالات الاقتصادية، بخاصة في ما يتعلق بجاذبيته للمستثمرين المحليين أو الأجانب، خصوصاً إذا عرفنا أن لندن كانت ولا زالت مركزاً دولياً جاذباً لرؤوس الأموال الأجنبية، حيث شهد حجم تدفق الأموال من الخارج ما يقارب نحو 1.4 ترليون دولار، خصوصاً من دول خليجية وآسيوية حيث انتعش الإقبال على المساكن الفاخرة وسط لندن وخارجها.
حالة جمود منذ 2016
خلال الأعوام الماضية، وبعد استفتاء عام 2016، الذي اختار فيه البريطانيون مغادرة الاتحاد الأوروبي، شهدت العقارات حالة من الصعود الخافت والهبوط الواضح، بسبب الضبابية التي هيمنت على المشهد العام لعلاقة بريطانيا المستقبلية بالاتحاد، ووضع ملايين من الأوروبيين المقيمين في المملكة المتحدة عند خروجها.
وعلى الرغم من الاتفاق الأخير الذي تم التوقيع عليه، وإجماع الأوروبيين عليه إلا أن المستقبل يحمل معه أكثر من سؤال من ملاك العقارات الأجانب، حيث تلوح في الأفق زيادات ضريبية جديدة قد تقدم عليها السلطات البريطانية لتعويض الخسائر في القطاع، مع ترجيح زيادات متوقعة في الأعوام المقبلة، ما يثير الجدل من جديد حول المخاوف من إجراءات قد تمس ثروة الأصول ومختلف الممتلكات.
ويشير متخصّصون إلى أن لندن قد شهدت رحيل عدد من الشركات الأوروبية منذ الاستفتاء على "بريكست" عام 2016 من حي المال في العاصمة البريطانية وسط مخاوف من عدم التوصل إلى اتفاق بشأن الخروج، ما أثر سلباً في استقرار الثروات وخدماتها.
لا تغيير
في هذا الشأن، قال نديم عادل المتخصّص في شؤون العقار البريطاني والمقيم في لندن "ليس هناك تغيير في ضريبة السكن حتى الآن بعد الاتفاق ما دام لم يتم إعلان عن أي قوانين جديدة، موضحاً أن ضريبة الشراء بقيت على حالها في حدود 3 في المئة بينما ضريبة الاستثمار لازالت بمعدل 28 في المئة، وهي نسبة مرتفعة أدت إلى تراجع السوق في الفترات الأخيرة".
ولفت إلى أن المستهدف من الضريبة هي الشركات بالدرجة الأولى، مضيفاً: "أن السياسة الضريبية ستبقى عالقة حتى يتم التوضيح".
ورأى أن سوق العقار يتعرض لضغوط أبرزها أزمة كورونا وتداعياتها من البطالة، إذ يمثل الموظفون في الشركات من الطبقة الوسطى عصب الشراء، كما أن تشدد البنوك في الإقراض، أثر سلباً في انتعاش العقار الذي بات تحت رحمة غياب السيولة والمشترين.
وأفاد بأن المشترين غابوا عن السوق للأسباب اللاحقة إلا أن المتخصص العقاري توقع أن تشهد لندن عودة للانتعاش العقاري مع زيادة الطلب من مستثمرين من آسيا خصوصاً هونغ كونغ ما سيوفر سيولة جديدة قد تنقذ السوق من الجمود، وسط أجواء إيجابية اقتصادية مرتقبة تعيد التوازن.
ضريبة الميراث
من جانب آخر يشير متخصّصون في سوق العقار البريطاني إلى أن ضريبة الميراث على العقار واحدة من أعقد القضايا التي مرت على الملاك الأجانب خصوصاً ممن يعيشون خارج بريطانيا، وبالنظر إلى تغير القوانين أو عدم فهمها بشكل قانوني صحيح، قد ينتهي الأمر بمعظم الأفراد ممن رحلوا عن الحياة، وهم يمتلكون عقارات إلى خسارة أملاكهم في غياب "الوصية" القانونية ما يعرض الورثة لخسائر متعددة.
تقليل الضرر
إلى ذلك قال وضاح الطه، المحلل المالي، عضو المجلس الاستشاري الوطني في معهد "تشارترد للأوراق المالية والاستثمار"، إن توقيع "بريكست" قلل بشكل كبير من حجم الضرر الذي قد يلحق بالاقتصاد البريطاني.
وأضاف "أن تداعيات الخروج، على القطاع العقاري، ستكون منخفضة لأن ملاك العقارات في بريطانيا من الأجانب والذين يستثمرون لأجل طويل لا يلتفتون للتذبذبات التي قد تحصل على المدى القصير".
ويرى الطه أن التأثيرات السلبية جراء "بريكست" حتى مع وجود اتفاق ستحفز الحكومة البريطانية على سد الفجوات القائمة من خلال عقد اتفاقيات تجارية ثنائية مع دول رئيسية تمتلك ثقلاً تجارياً مهماً معها مثل دول الخليج العربي، والولايات المتحدة الأميركية ودول في جنوب شرقي آسيا، متوقعاً أن تكون تداعيات بريكست على شراء الخليجيين للعقارات محدودة للغاية.
تنافسية بريطانيا
وحول احتمالات مغادرة الاستثمارات الأوروبية من القطاع العقاري البريطاني، ما قد يدفع الحكومة لفرض ضرائب على العقارات من غير المقيمين، أجاب الطه، إن حدث ذلك السيناريو سيكون سلوكاً خاطئاً جداً وطارداً للمستثمرين، وقد يُفقدها إحدى أهم مزاياها، ما يوقع ضغطاً هائلاً على المستثمر الذي سيتأثر جراء الخروج من الاتحاد مع تمسكه بالعقار.
وتابع "النقطة الأساسية من ناحية التوقيت، حتى وإن كانت نية الحكومة فرض ضرائب على العقارات، من شأنها أن تؤثر في التنافسية مع أوروبا".
وأفاد بأنه "على مدار العام الماضي تركز الحديث على وجود مراكز مالية بديلة من لندن، وأسواق في ألمانيا وإيطاليا وفرنسا وإسبانيا ودول أوروبية أخرى.. وبالتأكيد فإن لندن لا ترغب في خسارة مركزها المالي العالمي كونها أحد أكثر الوجهات جذباً لمشتري العقارات".
سيناريو مشابه
يرى عمرو عبدو المحلل في الشأن الاقتصادي وأسواق المال، أن ما سيحصل في القطاع العقاري في بريطانيا بعد "بريكست"، سيكون مشابهاً إلى حد كبير لما بعد استفتاء عام 2016 عندما صوت البريطانيون لصالح الانسحاب من الوحدة الأوروبية وما تبعه من ضعف طال الجنيه الإسترليني.
وذكر عبدو، أن قطاع العقار في بريطانيا شهد تحولات متعددة منذ انتعاشه وحتى فترات تراجعه، وكان المستثمرون من الخليج، وآسيا، قد ضخوا أموالاً ضخمة، وما ينتظر المشترون الجدد أو الملاك القدامى بعد بريكست فرهن التطورات.
ويرى المحلل الاقتصادي المقيم في دبي "إن تراجع الجنيه الاسترليني سيشكل سبباً إضافياً لجذب المشترين إلى السوق اللندني، وأن بريكست، قد يعوض التراجع في قطاع العقار بتجدد الأموال من دول غير أوروبية، والتي قد ترحل مع خروج إنجلترا من الوحدة، منوهاً إلى أن لندن ستبقى عصباً اقتصادياً متميزاً للمستثمرين على المدى الطويل".
عوائد كبيرة
وأشار إلى أن السيولة الضخمة الموجودة في البنوك الخليجية ومع العزوف عن الإنفاق الرأسمالي "CAPEX"، يصبح الاهتمام أكبر بإنفاقها على شراء العقارات، في ظل وجود سيولة كبيرة في البنوك أو من خلال ودائع لا يستفاد منها في توليد مزيد منها ما يسبب مصدر قلق للمستثمرين.
وتابع عبده: "يفضل هؤلاء استثمار تلك الأموال من أجل توليد مزيد من الأرباح، وبالتالي نراهم اليوم يبحثون عن فرص مجزية في أسواق العالم توفر لهم ربحية أكبر وهو ما سيجدونه في القطاع العقاري في بريطانيا".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واستبعد عبده فرض الحكومة البريطانية ضرائب على عقارات الملاك من غير المقيمين في البلاد بشكل عام، ويرى أن من شأن الضريبة أن تؤذي تنافسيتها مع أنها أحوج إلى تعزيزها مع خروجها من الاتحاد.
حقوق الأجانب
أكد بيتر روبنسون، الرئيس التنفيذي لهيئة تجارة العقارات الدولية، ورابطة محترفي الملكية الدوليين (AIPP)، أهمية إدراج حقوق مالكي العقار وحمايتهم في بريطانيا من الأجانب من غير المقيمين في الاتفاقية الموقعة بخاصة أن العقارات الأجنبية فيها تقدر بأكثر من مليون عقار.
وقال روبنسون في تصريحات إلى موقع "هيلو فايننشال"، إنه على المدى القصير أثّرت تحركات العملة التي أثارها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سلباً في قدرة المشترين البريطانيين على شراء ممتلكات أجنبية في وجهات شهيرة في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية.
وتابع: "يبدو أن هذا يؤثر في المشترين التقديريين لمنازل العطلات أكثر من الأكبر سناً الذين يبحثون عن عقارات التقاعد".
طفرة المبيعات
في الوقت نفسه، عكس تقرير حديث لشركة المبيعات العقارية "رايت موف"، توقعاً آخر يؤكد أن طفرة سوق العقارات التي ظهرت بشكل غير متوقع في أنحاء بريطانيا هذا العام خلال جائحة فيروس "كورونا"، ستمتد حتى عام 2021، حيث يواصل المشترون الرغبة في منازل جديدة ويسعون إلى الاستفادة من المدخرات.
وتوقع، أن تنمو أسعارها بنسبة 4 في المئة على صعيد المملكة المتحدة العام المقبل.
وقال مدير بيانات العقارات في "رايت موف"، تيم بانيستر: "نحن على ثقة من أن سوق الإسكان سوف يستمر في تجاوز التوقعات العامة في العام المقبل كما هذا العام، إن توقعاتنا لعام 2021 بارتفاع الأسعار بنسبة 4 في المئة هي أكثر تحفظاً من المتوسط المحلي غير المستدام البالغ 6.6 في المئة الذي شهدناه هذا العام".