بعد مرور أكثر من تسع سنوات على تنظيم أول انتخابات ديمقراطية شفافة وحرة في تونس، في الثالث والعشرين من أكتوبر (تشرين الأول) 2011، لانتخاب أعضاء المجلس الوطني التأسيسي (2011 ـ 2014)، الذي تولى إعداد دستور تونس الحالي، يقر مختلف المتدخلين في العملية الانتخابية، من هيئات مستقلة وأحزاب سياسية ومجتمع مدني، بقصور القانون الانتخابي الحالي، ويدعون إلى "ضرورة تعديله"، من أجل أن يضمن فرزاً سياسياً متوازناً، وبأغلبية واضحة قادرة على تحمل أعباء الحكم وبالإمكان مساءلتها.
فما مشروعية المطالبة بتغيير القانون الانتخابي؟ وهل يضمن قانون العتبة الانتخابية مشهداً برلمانياً مغايراً لما تعيشه تونس اليوم؟ الإجابة في التقرير التالي.
تشتت برلماني
أفرزت الانتخابات التشريعية في 2019 مشهداً برلمانياً مشتتاً حال دون تكوين أغلبية قوية قادرة على الحكم، وهو ما أذكى التنازع على السلطة بين الرئاسات الثلاث (برلمان، وحكومة، ورئاسة الجمهورية)، بسبب عدم الاستقرار الحكومي. وهو ما دعا عدداً من منظمات المجتمع المدني إلى المطالبة بضرورة مراجعة القانون الانتخابي، الذي وضع في سياق مختلف عما تعيشه تونس اليوم.
ويرى المدير التنفيذي لمرصد "شاهد" لمراقبة الانتخابات ودعم التحولات الديمقراطية (مجتمع مدني)، الناصر الهرابي، أهمية مراجعة القانون الانتخابي، موضحاً أنه جاء في سياق التحولات التي رافقت 2011، وكان يهدف إلى إشراك أكبر عدد ممكن من الأحزاب السياسية الوليدة، وهو أمر مفهوم وقتها، لكن الوضع اليوم مغاير.
وقال الهرابي "إن اعتماد نظام القائمات مع الأخذ بأكبر البقايا أفرز مشهداً برلمانياً مشتتاً، حيث يضم المجلس اليوم أكثر من واحد وثلاثين لوناً سياسياً، وهو وضع غير طبيعي أسهم في تعطيل عمله، وتأجيل النظر في عدد من مشاريع القوانين المهمة على غرار المحكمة الدستورية"، مشدداً على ضرورة إجراء التعديل خلال 2021، لأن المعايير الدولية تؤكد أهمية إدخال التنقيحات "قبل مدة من موعد الانتخابات".
تعديل شروط الترشح
وأضاف "طالب المرصد كذلك بتعديل شروط الترشح للانتخابات التشريعية، لأن القانون الحالي سمح لكل من هب ودب بأن يترشح"، داعياً إلى ضرورة "ترشيد الترشحات" عبر وضع شروط موضوعية، تضمن "الحد الأدنى من المستوى التعليمي، ونظافة اليد، وخلو السجل العدلي من أي عقوبات قضائية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من جهة أخرى، طالب الهرابي بضمان رقابة الحملات الانتخابية من أجل سد الثغرات، والحيلولة دون مصادرة إرادة الناخب بالرشى الانتخابية، أو باستخدام المال أو المساعدات الاجتماعية. كما دعا إلى توسيع آجال الطعون الانتخابية من أجل منح أكثر وقت للقائمات، حتى تقدم الإجابة للمحكمة الإدارية، مشدداً على ضرورة إحداث قاض انتخابي استعجالي، يختص بالنظر في نزاعات الحملة الانتخابية، خصوصاً ما يطرح من إشكاليات حول مدى شرعية بعض قرارات هيئة الانتخابات.
تعزيز الائتلافات الحزبية
وفي إجابته عن سؤال، ما مدى إمكانية أن تضمن هذه التعديلات مشهداً برلمانياً مختلفاً؟ أكد المدير التنفيذي لمرصد "شاهد"، أن نظام العتبة الانتخابية (بين 3 و5 في المئة) "سيعزز الائتلافات الحزبية، ويقطع التشتت الحزبي الراهن".
وأوضح أن "الأحزاب أصبحت مقتنعة بأهمية اعتماد العتبة، وذلك من خلال ترشيد الترشحات، والتوجه نحو تكوين ائتلافات حزبية أو قوائم ائتلافية"، مشيراً إلى أن الديمقراطيات اليوم تعتمد على حزبين أو حزب واحد في الحكم، وحزب أو اثنين في المعارضة، والخريطة الحزبية في تونس متعددة ومتنوعة.
إصلاح النظام الانتخابي
وتلتقي وجهة نظر المحلل السياسي هشام الحاجي مع مقاربة مرصد "شاهد" في أهمية "العتبة الانتخابية" لقطع التشتت الحزبي الحالي، حيث يرى أن ضرورة إجراء إصلاحات عاجلة للقوانين المنظمة للحياة السياسية، ومن بينها القانون الانتخابي، الذي أسهم إلى حد كبير في تكريس ظاهرة تشتت الأصوات الذي انعكس في مجلس نواب الشعب، وهو ما يمثل عائقاً أمام عمل المؤسسة التشريعية.
ويرى الحاجي أن اعتماد العتبة الانتخابية يمثل "مدخلاً لإصلاح النظام الانتخابي من خلال ضمان الحد الأدنى من التمثيلية الحقيقية"، موضحاً أن الأحزاب الصغرى لها أن تخوض الانتخابات في شكل تحالفات وائتلافات، أو أن تتحرك من خارج البرلمان، لأن كل الأنظمة الديمقراطية فيها أحزاب صغيرة غير موجودة في البرلمان، لكنها فاعلة ومؤثرة في الساحة السياسية.
تجريم التمويلات المشبوهة
من جهة أخرى، شدد على ضرورة تجريم التمويلات المشبوهة ومجهولة المصدر للأحزاب خلال العملية الانتخابية، وتخطي سقف الإنفاق، إلى جانب تجريم الخطاب السياسي الذي يروج للكراهية والتباغض بين التونسيين.
ودعا إلى ضرورة فرض رقابة صارمة على الجمعيات التي تحولت إلى أداة توظفها الأحزاب في الحملات الانتخابية، وفي الممارسات غير القانونية، كشراء الذمم، مشيراً إلى أهمية تقنين عمليات سبر الآراء وتنظيم الفضاء الإعلامي والاتصالي، لأن الممارسة الانتخابية شاملة، ولا يمكن أن تكون شفافة إلا في مناخ سياسي خاضع لسلطة القانون دون سواها.