في الرابع عشر من ديسمبر (كانون الأول)، باتت ممرضة في نيويورك أول شخص في الولايات المتحدة يتلقى جرعة من لقاح "كوفيد- 19"، خارج إطار التجارب العيادية.
وشكل وصول لقاح يتوفر على نطاق واسع، إضافة إلى تردد وعود محتملة بنجاحه، بمثابة نقطة تحول في الأزمة التي يرزح تحتها قطاع الصحة العامة، وبصيص أمل للحد من وطأة الموت العارمة والمعاناة. [وقد حدث ذلك] فيما تعمل حكومة تقودها إدارة دونالد ترمب ويسيطر عليها الاستقطاب سياسياً ولم تفعل سوى تجاهل ارتفاع عدد الإصابات والوفيات في الأسابيع الأخيرة من ولايته، إلى مواصلة الإعراب عن سعيها من أجل مكافحة المرض.
وبعد ثلاثة أيام، أفاد مسؤولو الصحة في البلاد عن تسجيل رقم قياسي في عدد الوفيات الناجمة عن فيروس كورونا في الولايات المتحدة في يوم واحد، ما يناهز 3400 شخص، أي أكثر من أرواح الأميركيين التي أزهقت في الحادي عشر من سبتمبر (أيلول). وكذلك سجلت البلاد أيضاً في ذلك اليوم، عدداً قياسياً من المرضى. وحاضراً، يجري علاج ما يزيد على 113 ألف شخص في المستشفيات بسبب العدوى، بعد 10 أشهر من تفشي المرض الذي لم يعطِ أي علامات تشير إلى تباطؤ في انتشاره. وكذلك كسِر هذا الرقم القياسي مرات عدة في الأيام التي تلت.
وقد شكل مرض "كوفيد- 19" في الأسابيع الأخيرة من العام 2020، السبب الرئيسي للوفيات في الولايات المتحدة. إذ قضى أكثر من 330 ألف أميركي، ما يعادل فرداً من كل ألف أميركي، وهي حصيلة قد تصل إلى 400 ألف وفاة في مطلع السنة المقبلة، ما يتجاوز عدد الخسائر في أرواح الأميركيين خلال الحرب العالمية الثانية، بناءً على توقعات صدرت من "معهد القياسات الصحية والتقييم" Health Metrics and Evaluation في جامعة واشنطن، أو ما يعادل حدوث خسائر الحادي عشر من سبتمبر، في كل يوم تقريباً على مدار أكثر من 100 يوم.
وبالنسبة إلى البعض، لقد فات الأوان بالنسبة إلى من يتعلق بوصول اللقاح، ما يثير مفارقة قاتمة. ذلك أنه في الوقت الذي يتلقى كثير من الأميركيين جرعاتهم الأولى، سيقضي آلاف من الأشخاص المصابين بالعدوى نحبهم.
كيف تعبّر أميركا عن حزنها على المستوى الذي بلغته الوفيات غير المسبوقة في التاريخ الحديث للولايات المتحدة؟
يجري توزيع الجرعات الأولى من لقاح شركة "فايزر" على العاملين في مجال الصحة الذين يواجهون مخاطر عالية، والمقيمين والعاملين في مراكز الرعاية مدة طويلة. ولقد تحدد أن أكثر من 3 ملايين جرعة ستسلم في الأسبوع الأول من توفرها. وكذلك حجِز حوالى 3 ملايين جرعة أخرى للتوزيع بغية استكمال المرحلة الثانية، لأن اللقاح يتطلب حقنتين، بفاصل بضعة أسابيع.
في 17 ديسمبر، منحت "إدارة الغذاء والدواء الأميركية" لقاح "موديرنا" تفويضاً للاستخدام في حالات الطوارئ، ما ساهم في جلب آلاف الجرعات الإضافية [من اللقاح] إلى الولايات المتحدة.
وفيما تجهز اللقاحات كي تعطى إلى المقيمين والموظفين في مراكز الرعاية لأمد طويل، فإن الحالات في تلك المرافق آخذة في التزايد على مستوى البلاد. وبالنسبة إلى كثير من المرضى، ستصل الجرعة الإضافية من اللقاح إليهم بعد فوات الأوان.
إضافة إلى ذلك، شهدت الأسابيع الأخيرة من 2020 أعلى معدلات الإصابة بالفيروس والوفيات بسببه، في مراكز الرعاية الطويلة الأجل كدور رعاية المسنين، منذ أن بدأ "مشروع تعقب انتشار فيروس "كوفيد" COVID Tracking Project (منظمة تطوعية تنشر معلومات عن اختبارات العدوى في الولايات المتحدة) بإصدار بيانات تتعلق بالرعاية الطويلة الأجل في مايو (أيار).
كذلك يشار إلى أنه قد توفي أكثر من 5 آلاف شخص في مراكز الرعاية الطويلة الأجل خلال الأسبوع الثاني من ديسمبر (كانون الأول)، بزيادة 26 في المئة عن الأسبوع السابق. ولفت آرتيس كوريسكيس من "مشروع تعقب انتشار "كوفيد- 19" إلى أن هذا الأسبوع شكل "أسوأ ما رأيناه".
واستطراداً، أوضحت المنظمة أن "اللقاح يعِد بوضع حد نهائي للخسائر المؤلمة التي شهدناها في دور رعاية المسنين والمرافق الأخرى". وأضافت، "إلا أن التحصين الكامل لكل مقيم وموظف معرض للإصابة بالفيروس، قد يستغرق شهوراً كي يتحقق. ونحن على يقين من أننا سنشهد في الفترة الفاصلة بين [إعطاء] اللقاحات الأولية والتفشي المتزايد للمرض، وفاة عشرات الآلاف من الأميركيين في (مراكز الرعاية الطويلة الأمد).
في ذلك الصدد، أبلِغ في 2020 عن حوالى 20 مليون إصابة مؤكدة بالعدوى، فبقي متوسط عدد الحالات الجديدة اليومية ما فوق عتبة الـ200 ألف حالة خلال الأيام الأخيرة من السنة، استناداً إلى "جامعة جونز هوبكنز"، أي أكثر بثلاثة أضعاف أثناء ذروة تفشي المرض خلال موسم الصيف، وتحديداً في يوليو (تموز).
في ذلك المنحى، كرّر المشرعون ومسؤولو الصحة والأطباء الأميركيون وعلماء الأوبئة ومنتقدو الإدارة الأميركية العبارة نفسها [التي تعني إنه] لم يكن من الضروري أن يكون الأمر بهذا السوء. وبدا ملفتاً أن ما من بلد آخر شهد حجم وفيات بسبب فيروس كورونا الذي سجلته الولايات المتحدة. وكذلك أبرز التأثير المدمر للوباء في الأميركيين السود واللاتينيين، إلى العلن الإهمال المزمن والتفاوتات العميقة داخل الأنظمة الصحية في البلاد.
في موازاة ذلك، فقد ما يزيد على 22 مليون أميركي وظائفهم في أول ذروة للوباء في فصل الربيع. وفيما عاد كثيرون إلى مزاولة أعمالهم في الأشهر التي تلت، لم يتحقق التعافي الذي وعد به الرئيس السابق دونالد ترمب. وتوقعت وكالة "موديز آناليتكس" Moody’s Analytics (تعنى بتحليل المعلومات المتعلقة بالمخاطر المالية والاقتصادية) أن يعود اقتصاد البلاد إلى المستويات التي عهدها في فترة ما قبل الوباء في نهاية السنة 2023. وفي المقابل، خسر ملايين الأشخاص تأمينهم الصحي الذي دأبت جهات العمل على تقديمه لهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وإثر التداعيات الاقتصادية للوباء، أبدى الجمهوريون في الكونغرس تردداً في التوقيع على رزمة مساعدات اقتصادية مجدية، تشمل تمديد الإعانات الاتحادية للبطالة، ووقف عمليات الإخلاء ومواصلة دفع القروض للطلاب.
وقد أفاد "مكتب التحليل الاقتصادي" Bureau of Economic Analysis (وهو جزء من وزارة التجارة في الولايات المتحدة ويعتبر من الوكالات الرئيسية في النظام الإحصائي الاتحادي الأميركي) أنه بعد انتهاء هذه المزايا الموسعة، انخفضت المداخيل الشخصية في كل ولاية مقارنة بالربع الثاني من السنة. ووصل الانخفاض إلى حوالى 30 في المئة في ولاية ويست فرجينيا، وقرابة 25 في المئة في ولاية كنتاكي.
في المنحى نفسه، بعد المدفوعات الأولية التي قُدّمت بموجب قانون "كيرز" CARES (قانون اتحادي يهدف إلى التخفيف من آثار فيروس كورونا في الأميركيين)، توقف الكونغرس عن العمل أشهراً عدة، ولم يتمكن من التوصل إلى اتفاق في شأن حزمة تشريعية ثانية. واستطراداً، واصلت ولايات السماح بفتح الشركات التجارية في ظل غياب توافق المشرعين على خطة بشأن "الدفع للناس كي يبقوا في منازلهم".
© The Independent