حتى بالنسبة إلى إيلون ماسك، قطب الأعمال العازم على إحداث ثورة في عالم النقل البري على الأرض وتحقيق الريادة في قطاع الفضاء، جاءت سنة 2020 حافلة بالحوادث.
وأثناء هذه السنة، تصدرت شركة "تيسلا" Tesla قائمة أكبر شركات السيارات من حيث القيمة السوقية في العالم، وأرسلت شركة "سبييس إكس" SpaceX ستة رواد فضاء إلى "محطة الفضاء الدولية" وأصبح رجل الأعمال المتمرد (ماسك) ثاني أغنى شخص على الأرض.
واللافت أن السيد ماسك حقق كل هذا قبل أن يبلغ سن الخمسين، العام القادم.
إذ جاءت سنته ناجحة فعلاً. وبفضل هذا النجاح، استحق مقارنته بمؤسس شركة "آبل" Apple الراحل ستيف جوبز. وفاقت قيمة شركته "تيسلا" الرائدة في صناعة السيارات الكهربائية قيمة تسع شركات سيارات أخرى مجتمعةً.
وبحسب مقدم البرامج جيم كرايمر في "سي أن بي سي"، "هذا الرجل يبيع التكنولوجيا ويتحدث عن سيارات مزودة بأنظمة مساعدة كاملة وأخرى ذاتية القيادة. وتفوق أفكاره وطموحاته ما قد نتصوره بأشواط".
وأضاف كرايمر، "إنه مفكر عظيم، وأمامه نحن مجرد أقزام. ولأجل ذلك، يرغب جيل الشباب في إعطائه المال. إذ يقولون في ما بينهم، "انظروا، إنه ستيف جوبز جديد. مَن يدري بما يُمكن أن يأتي به من أفكار في المرحلة القادمة، أريد أن يكون لي حصة فيها".
وجاءت انطلاقة 2020 جيدة وسريعة بالنسبة إلى السيد ماسك، مع تجاوز القيمة السوقية لشركته "تيسلا" الـ100 مليار دولار أميركي للمرة الأولى منذ بدء سعر سهمها في الارتفاع أواخر 2019.
وفي مارس (آذار)، أُجبرت "تيسلا" على وقف الإنتاج في مصنعها في منطقة خليج "سان فرانسيسكو" الذي ظلت أبوابه مفتوحة عدة أيام بالضد من القيود المفروضة محلياً بهدف منع تفشي فيروس كورونا.
وآنذاك، تعرضت الشركة لانتقادات لاذعة، جراء استمرارها في الإنتاج وعدم اكتراثها بأمر البقاء في المنزل الصادر عن سلطات مقاطعة "ألاميدا" في سياق محاولة التصدي للجائحة.
وبصورة متكررة، قلل السيد ماسك من شأن مخاطر كورونا، إما بوصفه الهلع من الفيروس على "تويتر" بـ"السخيف"، أو بتوقعه في وقت مبكر من الأزمة بألا تكون العدوى المستجدة "أسوأ من الزكام الشائع".
وبعدما أعلنت "تيسلا" نيتها إقفال مصنعها في مدينة "فريمونت" في كاليفورنيا، غرد السيد ماسك متنبئاً "بانحسار" الإصابات الجديدة، التي يسببها كورونا مع حلول نهاية أبريل (نيسان) 2020. وقد بنى تنبؤاته "على أساس الاتجاهات الحالية".
وفي وقت لاحق من الشهر، أحدث السيد ماسك صخباً حول أوامر البقاء في المنزل على "تويتر"، مسمياً إياها بـ"السجن القسري للناس في منازلهم ضد جميع حقوقهم الدستورية".
وتابع، "لو أراد أحدهم البقاء في منزله، هذا رائع. ولا بد أن يُسمح له بالبقاء في منزله وعدم إجباره على المغادرة. أما أن يقال للناس إنه لا يمكنهم مغادرة منازلهم وإنه سيُصار إلى اعتقالهم لو تجرأوا على ذلك، فهذا تصرف فاشي ولا يمتُ للديمقراطية بصلة. وهذه ليست حرية حقاً".
وفي مايو (أيار)، تسبب السيد ماسك بهبوط أسهم "تيسلا" بنسبة 10.3 في المئة، عقب تصريحه إلكترونياً أن قيمة هذه الأخيرة "عالية جداً".
وقد جاء كلامه هذا على خلفية تفوق قيمة "تيسلا" على القيمة المجمعة لشركات "فورد موتور" Ford Motor و"جنرال موتورز" General Motors و"فيات كرايسلر" Fiat Chrysler التي تُنتج سنوياً ملايين السيارات، أي أكثر بكثير من "تيسلا" صانعة السيارات الكهربائية.
وبعد ذلك، أعلن السيد ماسك بغرابة شديدة أنه "بصدد بيع كل ممتلكاته المادية"، بما في ذلك عقاراته في كاليفورنيا البالغة قيمتها 100 مليون دولار. وقد أشار إلى أنه لا يحتاج إلى مال أو منزل لأنه "يكرس" نفسه من أجل الأرض والمريخ.
وفي تصريح إلى صيحفة "نيويورك تايمز"، أوضح السيد ماسك، "أعتقد أننا سنستأجر بيتاً في مكان ما؟ ونعم، الممتكلات تُثقل الكاهل بطريقة أو بأخرى. كما أنني أملك كل هذه المنازل ولا أحد يستفيد منها. وعن نفسي، أنا قلما أتردد إليها".
وفي شهر مايو أيضاً، أنجبت صديقة السيد ماسك الحميمة، المغنية غريمز، أول مولود لذلك الثنائي.
وجاءت تسمية الطفل بمثابة مغامرة جديدة للسيد ماسك، الذي لم يتأخر في زف الخبر السعيد عبر "تويتر"، كاشفاً عن الاسم غير الاعتيادي، الذي اختاره وغريمز لصغيرهما "إكس إيإي إيه-12 ماسك" X Æ A-12 Musk.
ولما علت التكهنات عن إمكانية أن يكون الاسم المختار خرقاً لقانون كاليفورنيا، الذي يحصر أسماء العلم بأحرف الأبجدية الإنجليزية الستة والعشرين، أكدت غريمز المولودة في كندا واسمها الأصلي كلير بوشيه، أن الثنائي غير اسم الطفل إلى "إكس إيإي إيه إكس آي آي" X Æ A-Xii.
ويذكر أن السيد ماسك لديه خمسة أطفال آخرين من زواج سابق، هم التوأم غريفين وكزافيه والتوأم الثلاثي داميان وساكسون وكاي.
وفي مايو، ألمح السيد ماسك إلى رغبته في مغادرة كاليفورنيا بعدما اصطدم مع المسؤولين في الولاية حول توقيت إعادة فتح مصنع "تيسلا" وسط المخاوف من تفشي فيروس كورونا.
وخلال سلسلة من التغريدات، كشف السيد ماسك أنه سينقل مقر "تيسلا" الرئيس إلى خارج كاليفورنيا باتجاه تكساس أو نيفادا.
وقد أتت تلك التغريدات بعدما طلب مسؤولو الصحة من "تيسلا" التريث قبل إعادة فتح مصنع فريمونت، في الوقت الذي سُمح فيه لمصانع أخرى في أنحاء الولاية باستئناف نشاطها الطبيعي.
"بصريح العبارة، إنها القشة التي قصمت ظهر البعير"، كتب السيد ماسك.
وأضاف، "ستُباشر "تيسلا" الآن بنقل مقرها الرئيس وبرامجها المستقبلية إلى تكساس أو نيفادا. ولو أردنا الحفاظ على أي نشاط في مصنع فريمونت، فسيعتمد ذلك على المعاملة التي ستتلقاها "تيسلا" مستقبلاً".
ومع مشارفة ذلك الشهر على نهايته، حث السيد ماسك متابعيه على "تويتر"، وعددهم 34 مليون متابع، على "تناول الحبة الحمراء" الأمر الذي أثار امتعاض قاعدته الجماهيرية الليبرالية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فقد اعتُبر التعليق حينها مؤيداً للجمهوريين، وقد لاقى ترحيباً كبيراً من قبل الابنة الأولى للرئيس ترمب، إيفانكا ترمب، التي ردت عليه بالقول إنه سبق لها أن أخذت الحبة.
ومع هذا كله، انتهى شهر مايو على مستوى عال من الأداء، مع إطلاق "سبايس أكس" طاقماً لـ"ناسا" من الأراضي الأميركية إلى "المحطة الفضائية الدولية"، وهو الأول منذ إيقاف رحلات مكوكات الفضاء إليها في 2011.
وفي يوليو (تموز)، اتهم السيد ماسك أمام محكمة عليا في لندن بإقامة علاقة حميمة مع الممثلة آمبر هيرد، فيما كانت لا تزال زوجة الممثل جوني ديب.
وقد وردت الاتهامات في رسائل نصية أرسلها السيد ديب إلى وكيل أعماله وقُرئت على الملأ أثناء دعوى التشهير المرفوعة منه ضد مجموعة "نيوز غروب نيوز بايبرز" News Group Newspapers.
وفي وقت لاحق، صرح السيد ماسك لصحيفة "نيويورك تايمز"، "بالطبع لم أُقم علاقة غرامية مع آمبر فيما كانت متزوجة من جوني. إنه قول عار من الصحة تماماً"،
وفي يوليو أيضاً، اخترقت مجموعة من قراصنة الإنترنت بعض أبرز حسابات "تويتر" كجزء من عملية احتيال تتصل بعملة "بيتكوين". ونذكر من بين هذه الحسابات، حساب كل من السيد ماسك وجو بايدن وباراك أوباما وكايني ويست وبيل غايتس.
وعلى الأثر، أفصح السيد ماسك أنه قد اتصل شخصياً بجاك دورسي، المدير التنفيذي لـ"تويتر" وأن الأمر "لم يستغرق أكثر من خمس دقائق لإغلاق الحساب". وبعد ذلك، بمناسبة "يوم البطارية" الذي أُقيم في كاليفورنيا في سبتمبر (أيلول)، أذهل السيد ماسك الحضور بإطلاقه وعداً من "تيسلا" بإنتاج 25 ألف سيارة كهربائية في غضون ثلاثة أعوام.
ومع حلول نوفمبر (تشرين الثاني) ومواصلة سعر سهم "تيسلا" ارتفاعه، احتل السيد ماسك المركز الثاني في ترتيب أغنى الأغنياء، متفوقاً على مؤسس شركة "مايكروسوفت" بيل غايتس، بثروة تبلغ 155 مليار دولار أميركي.
وبعد شهر، تصدى السيد ماسك لشائعة طال أمدها، وأقر أنه غادر كاليفورنيا وانتقل إلى تكساس. "لو استمر فريق ما بالفوز لفترة طويلة، سيُمسي متقاعساً ولن يقدر على الفوز بأي بطولة. وأعتقد أن كاليفورنيا ربحت لفترة طويلة جداً"، وفق السيد ماسك.
وفي الوقت الحاضر، تبني "تيسلا" مصنع "غيغا فاكتوري" Gigafactory للسيارات قرب مدينة "أوستن" في تكساس، حيث ستنتج "تيسلا واي" والشاحنة الكهربائية الصغيرة "سايبر تراك".
في سياق مواز، تُجري "سبايس أكس" اختبارات على مركبتها الفضائية التي يأمل السيد ماسك في أنها ستتيح إمكانية نقل البشر إلى المريخ، وذلك داخل موقع إنتاج الصواريخ في "بوكاشيكا" في تكساس وموقع آخر متخصص في إجراء تجارب على المحركات في "ماكغريغور".
ومن الممكن لهذه الخطوة أن توفر على السيد ماسك مليارت الدولارات، بما أن تكساس لا تفرض ضريبة على دخل الفرد.
وأنهى السيد ماسك العام بحظر (فُرِض على نقل رواد فضاء إلى المحطة الدولية، ضمن إجراءات الوقاية من كورونا)، بعدما أجرت "سبايس أكس" اختبارات على المركبة الفضائية "ستارشيب" Starship التي يأمل ماسك في أن تصل بالإنسان إلى المريخ.
وقد حظيت تلك الاختبارات بإشادة من الشركة التي اعتبرتها نجاحاً "ساحقاً" على الرغم من انتهائها بانفجار الصاروخ العملاق وتحطمه بعد 6 دقائق و40 ثانية من إقلاعه.
وتعليقاً على ذلك الحادث الكبير، غرد السيد ماسك، "أيها المريخ، نحن قادمون".
في الخلاصة، مهما كانت الخطوات التي سيتخذها السيد ماسك وشركاته في 2021، فسيكون من الصعب جداً على رجل الأعمال أن يشهد عاماً أكثر ازدحاماً بالحوادث من سنة 2020.
© The Independent