جائحة تجتاح العالم جاعلة الحاضر والمستقبل ضبابيين. ركود وخوف من كساد اقتصادي، طائرات مهجورة لأشهر، وتعليم مختلف وبعيد، وإغلاق وترقب، ولقاح يزعم بأنه سيعيد الحياة إلى طبيعتها.
خلق كورونا حالة من الفوضى والقلق في العالم. وتحدث البعض عن مؤامرات وحرب بيولوجية، وأنه مجرد كذبة ضخمتها وسائل الإعلام، في حين أكد ساسة أنها لعبة صينية.
الملل والاكتئاب، اللذان زاملا البشر في منازلهم لا يزالان قائمين. ولا يكاد المرء يتنفس الصعداء بقليل من الأمل بعد إيجاد اللقاح، حتى تظهر سلالة جديدة متحورة، تتفشى من جديد لتعود الإجراءات مرة أخرى ولكن بشكل مختلف ومغاير. لكن حتى الآن ومنذ اندلاع الأزمة، قضى الفيروس على أكثر من مليون ونصف المليون شخص حول العالم.
كانت الحياة طبيعية إلى أن جاء فيروس كورونا، الذي غيّر الموازين والمعادلات. ويأمل كثيرون في عودة الحياة إلى طبيعتها بعد اعتماد اللقاح، متسائلين ما إذا كانت سترجع حقاً، أم أن الفيروس أحدث شرخاً لا يمكن معالجته، وأن العالم قد تغير بالفعل.
تعليم مختلف
يتعلم الأفراد من خلال المدرسة، ولا يستطيع أحد أن يقلل من دورها، لكن بعد الجائحة اختلفت الموازين. إذ تقول منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) إن نحو 1.6 مليار طفل تأثر بإغلاق المدارس، ما تسبب في أكبر اضطراب جماعي للتعليم في التاريخ الحديث.
الاستيقاظ المبكر، وتناول وجبة الإفطار، والتوجه إلى المدرسة، ثلاث "واجبات" يفتقدها معظم الطلاب والطالبات حول العالم هذه الأيام. وهي إن كانت مزعجة لهم في كثير من الأوقات، صارت مطلباً بعد أن طال الغياب.
هكذا، أصبح التعليم "إلكترونياً" للمرة الأولى في التاريخ، وأصبحت الأجهزة اللوحية حاجة تعليمية، فتحولت المنازل إلى مدارس وصار المعلم يقدم شرحه عبر مسافات بعيدة.
وتشير الإحصاءات بحسب "اليونيسكو" إلى أن أكثر من 90 في المئة من وزارات التعليم في العالم اعتمدت نوعاً من سياسة التعلم عن بعد، وسعى أصحاب المصلحة إلى تسخير التكنولوجيا.
بعد هذا الفراق الصعب، يقول أحد أولياء الأمور إن "المدرسة مهمة جداً لأبنائنا وبناتنا. أخذ وزن ابني يزداد يوماً بعد يوم بسبب قلة الحركة، وصاحبه اكتئاب نتيجة قلة الخروج من المنزل وعدم رؤية أصدقائه واللعب معهم".
ويقول محمد (17 عاماً)، "لم أتوقع أنني في يوم من الأيام سأفتقد المدرسة، أشعر بشيء ناقص وكأنني لا أتعلم كالمعتاد".
لكن الأهم هو أن تكون نتيجة التعليم الإلكتروني موازية للمدرسة، إذ تشير الأرقام بحسب "اليونيسكو" إلى أنه قبل إغلاق المدارس فشل 617 مليون طفل ومراهق في جميع أنحاء العالم في الوصول إلى الحد الأدنى من الكفاءة في القراءة والرياضيات. وهنا تكمن المشكلة، التي تقود إلى التفكير حول ما إذا كانت مخرجات التعليم الإلكتروني أفضل نسبياً من التعليم المنتظم.
الاقتصاد العالمي ومدى التأثير
عانى الاقتصاد العالمي، العام الماضي، أسوأ ركود له منذ الحرب العالمية الثانية، بعد تضرر قطاع الأعمال بشكل كبير. وأدت الإجراءات التقييدية إلى إغلاق الأعمال والتجارة والسفر، فأصبح الاستثمار مؤجلاً، وخطط الادخار حلماً.
تقول البروفيسورة نورة اليوسف، رئيسة جمعية الاقتصاد السعودية، "أتوقع ارتفاع إجمالي الناتج المحلي العالمي بنحو 4.2 في المئة في عام 2021 وبنسبة 3.7 في المئة عام 2022، بمساعدة إطلاق اللقاح والسياسات المالية والنقدية التيسيرية".
أكثر الدول ضرراً بلا شك هي الصين، بعد ما شنت عليها أبشع الحملات كونها مصدر الفيروس الرئيس. لكن وفق اليوسف، "ستقود الصين الانتعاش الذي من المتوقع أن ينمو بنسبة 8 في المئة العام المقبل، وهو ما يمثل أكثر من ثلث النمو الاقتصادي العالمي".
وأشارت إلى أنه "من المرجح أن البلدان التي تبنت إجراءات تقييدية شديدة ولديها القدرة على نشر اللقاحات بسرعة، ستشهد نمواً اقتصادياً بمعدل مرتفع. أما الدول الأخرى، فمن المتوقع أن يظل الناتج في العديد منها أقل بنحو 5 في المئة من توقعات ما قبل الأزمة".
بطاقة الصعود إلى الطائرة
منذ بدء الجائحة، تقلصت حركة السفر بين الدول وصارت المطارات شبه فارغة، وهو أمر لم نشهده أبداً في عصرنا الحديث.
واليوم، الجميع يترقب فتح الصالات وعودة الرحلات، والسفر من وإلى العالم. ويقول الطيار السعودي وسام النجار، أحد أشهر الطيارين العرب، "أدى نقص عدد الركاب بسبب الإغلاقات إلى إلغاء كثير من الرحلات، ما ألزم شركات الطيران بتعديل وتغيير سياساتها المستقبلية لمحاولة التقليل من تكلفة التشغيل. واضطرت أيضاً للتخلص من كثير من الكوادر البشرية المحركة لهذا القطاع".
وأضاف النجار "جائحة كورونا كانت تهديداً خطيراً للقطاع بأكمله"، مشيراً إلى أنه "بعد هذه الخسائر الكبيرة والمفاجئة في الإيرادات، امتنعت بعض الشركات عن إعادة رسوم الرحلات الملغاة للحفاظ على أموالها، على الرغم من وجود لوائح حكومية تمنع ذلك".
وإذا كان عدم إقلاع الطائرات لفترات طويلة، قد أشاع بين الناس أخباراً عن احتمال تعطلها وسقوطها، فإن النجار يؤكد أن "الطيران من أأمن وسائل النقل على الإطلاق، ولا يمكن أن تتأثر الطائرات بذلك أبداً"، موضحاً أن "من إيجابيات هذه الجائحة أنها أعطت الطائرات حقها من قبل الشركات، عبر صيانتها وإعادة هيكلتها واتخاذ كل السبل للمحافظة عليها أكثر، إضافة إلى تسريح بعضها المقبل أصلاً على التقاعد".