هل سحر الأفلام القديمة يكتمل بكونها تعرض بفخامة اللونين الأبيض والأسود مع درجات الرمادي؟ أم أننا فقط اعتدنا مشاهدتها على هذا النحو فارتبطت جماليتها بصورتها الخالية من الألوان، خصوصاً أن هناك إقبالاً كبيراً على رؤية أي ملمح من عمل فني قديم يعرض ملوناً، سواء في نسخة تجريبية نادرة أم يجري تلوينه باستخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة.
ومعروف أن محاولات إنتاج أفلام ملونة في السينما المصرية بدأت مطلع خمسينيات القرن الماضي بفيلم "بابا عريس" لنعيمة عاكف، ثم قدمت أيضاً شادية بصحبة عبد الحليم حافظ "دليلة" عام 1956، وكانت نسخته ضعيفة وصورته غير واضحة في أغلب المشاهد. لكنه، يبقى تأريخاً لبدايات تجريب تلك التقنية في الأفلام العربية. ومع ذلك كان الأبيض والأسود هو السائد في الأفلام حتى أوائل السبعينيات تقريباً، قبل التحول الكبير في السينما العربية، لتكون في ما بعد بالألوان.
أبيض وأسود بالألوان
بخلاف نسخ الأعمال الفنية وصور الأفلام القديمة المرمّمة من هيئات ومؤسسات رسمية، انتشرت مؤخراً بعض المبادرات الفردية التي أنتجت مئات المواد الفنية التي تلوّن باستخدام برامج حديثة، لتكون نسختها الجديدة أقرب إلى الألوان الأصلية، وهو أمر بدا أكثر سهولة بتقنيات ذكية، ومن بينها مبادرة محمد الديب، أستاذ تكنولوجيا المعلومات والذكاء الصناعي، الذي دشن موقعاً لعرض مواد فنية هائلة بالأبيض والأسود بعد تلوينها، تتنوع بين المسرحيات والأفلام والمسلسلات والأغنيات واللقاءات البرامجية أيضاً، متخذاً شعار "أبيض وأسود بالألوان".
يقول الديب، في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، إن فكرة تلوين الأعمال الفنية القديمة ليست جديدة، مستشهداً بأفلام هوليوودية كثيرة تلوّن بتقنيات تقليدية، وأخرى باستخدام الكمبيوتر. لافتاً إلى أن الأمر في البداية كان يستغرق شهوراً طويلة، حيث تُستخدم كل صورة منفردة، علماً أن الفيلم الواحد يتضمن من 150000 إلى 250000 صورة.
محمد الديب مؤسس المبادرة هو حفيد الفنانة المصرية جمالات زايد (16 فبراير "شباط" 1919 - 12 سبتمبر "أيلول" 1980)، وجدّه الفنان محمد الديب (4 أكتوبر "تشرين أول" 1908 ـ 21 أكتوبر 1979) إلى جانب أقرباء آخرين، بينهم الفنانتان الراحلتان أيضاً معالي زايد ووالدتها الفنانة آمال زايد. كما أنه متخصص في معالجة الصور والذكاء الصناعي، ويعمل حالياً مهندساً للبرمجيات وباحثاً في شركة أميركية تطوّر تكنولوجيا الذكاء الصناعي لشركات السيارات العملاقة. ويتلقى صاحب المشروع تعليقات دوماً عبر صفحة المبادرة على "فيسبوك"، واقتراحات بتلوين أعمال جديدة، إذ يجد ما يقدمه رواجاً، ويحقق مشاهدات عالية دوماً. بحسب حديثه إلينا.
ويضيف، إنه كان يتابع في البداية اهتمام الجمهور وفضوله بالاطلاع على أي صور لنجوم الأبيض والأسود ملونة، وهو ما جعله يفكر في الذهاب إلى أبعاد أخرى هي تلوين فيديوهات التراث القديم من مقاطع غنائية وأفلام ومسرحيات بدقة عالية.
التراث القديم في ثوب جديد
يرى الديب أن الهدف ليس تفريغ الأعمال من قيمتها وسحرها كما يتصور البعض، "أردنا أن نحيي مرة أخرة اﻷفلام القديمة، خصوصاً بعد تقدم علوم الكمبيوتر بشكل كبير في آخر عشر سنوات وقدرتها على معالجات البيانات بالذكاء الصناعي، نحن نحاول أن نجلب لها اهتمام المشاهد مرة أخرى بشكل جديد، هدفنا أن نعيد رونق التراث القديم ونجلبه بثوب جديد للجمهور، وهناك كثير منها، نشاهدها عشرات المرات، ولا نمل، بل تكاد تكون محفوظة عن ظهر قلب".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يتابع، "الجيل الجديد قد لا يبدي اهتماماً ليرى تلك الأفلام، نظراً إلى قدمها وعدم حداثة ألوانها المنحصرة في اﻷبيض واﻷسود فحسب، وهنا يأتي دورنا لكي نعيد بناءها، ونضفي عليها طابع الحداثة بألوان قريبة جداً من الواقع الحقيقي باستخدام أحدث وسائل علوم الحاسوب والبرمجة، والمؤكد أن اﻷفلام والمسرحيات القديمة ستظل دائماً ساحرة وعتيقة بما تحمله من ذكريات لجميع اﻷجيال، وهي الحقبة الأرقى في تاريخ السينما العربية".
وعلى الرغم من المجهود الذاتي الذي يُبذل للخروج بأفضل مستوى، فإن هناك بعض الملاحظات المتعلقة بمدى دقة الألوان، بينها مثلاً أن الطربوش الشهير يظهر في بعض الأوقات أزرق اللون، وليس أحمر كما هو معروف، ويعلق الديب "نحن بالطبع نحاول تحسين اﻷلوان في المشاهد التي تتضمن كثيراً من اﻷشخاص، ونزيد من تنوعها بدرجة أكبر، مثل تلوين الديكورات والملابس، وإجمالاً وصلنا إلى دقة جيدة، ونعمل على مزيد من التطوير".
ويوضح، "الفكرة كلها مبنية على تعليم الكمبيوتر بالذكاء الصناعي، أن يرى المشاهد صور الأبيض والأسود وما يقابلها بالألوان باستخدام إحدى الخوارزميات المطورة من غوغل وفيسبوك لتعليم الكمبيوتر. وبعد فترة ستكون من دون تدخل شخصي، والأمر يعود أيضاً إلى مدى جودة نموذج الذكاء الصناعي لترميم الصورة، وتحديد معالم الوجه، إذ يستغرق تلوين الفيلم الواحد ما بين أسبوعين إلى ثلاثة".
عقبة الملكية الفكرية
يحاول الديب مع بقية زملائه في المبادرة التواصل مع القنوات الفضائية لعرض الأفلام، ليصل المحتوى إلى جمهور أكبر، ويتمنّى رؤية الكلاسيكيات بألوانها الأقرب إلى الحقيقة. لافتاً إلى أن هناك تواصلاً بخصوص هذا الشأن، "لكن المعضلة الكبرى تتعلق بحقوق الملكية الفكرية، إذ هناك كثير من الأعمال مملوكة لشركات بعينها، ومن ثم تحذف المنتج النهائي بعد تلوينه وعرضه على يوتيوب، وهذا حقها، وهنا نكتفي بعرض أجزاء صغيرة منه، ومشاركتها عبر فيسبوك وبقية المنصات إن أمكن".
ويختتم، "لكن، أيضاً هناك أعمال متاحة على يوتيوب من بعض القنوات، وفي أوقات كثيرة لا يمانعون استخدام النسخة لتلوينها ورفعها مجدداً، بالتالي نحن في مرحلة التواصل مع شركات الإنتاج المالكة للحقوق لتأخذ المبادرة شكلاً أوسع وتعرض عبر محطات تلفزيونية مستقبلاً".