ذات يوم دخل الإمبراطور الروماني كاليغولا إلى البرلمان أو مجلس الشيوخ ممتطياً جواده "تانتوس"، الذي كان يقدره من بين جميع أحصنته. ثارت ثائرة النواب وعمت الجلبة في المكان، وأبدوا اعتراضهم على المس بحرمة مجلس الشعب. فأسكتهم كاليغولا بالقول، إن حصانه أهم من أي عضو فيهم، بل وقام بتعيين حصانه نائباً في المجلس، الأمر الذي وجدت فيه حاشيته التي تتبعه قراراً فائق الحكمة.
البرلمانات في عين العواصف
إنها البرلمانات التي تتعرض غالباً للمهانة أو الهجوم أو الاقتحام، أو على الأقل التظاهر العنيف بقربها. فمنذ إرساء الأنظمة الديمقراطية، حيث ينتخب أعضاء البرلمان من الشعب، صار هؤلاء مسؤولون في مواجهة المواطنين، الذين يمثلونهم من جهة، ومسؤولون تجاه السلطات الأخرى، التي يختارونها بصفتهم ممثلي الشعب، أي مجلس الوزراء ورئيس البلاد. لذا يقبع البرلمان وأعضاؤه في المنتصف بين المواطنين والسلطات التنفيذية، فإذا قصروا في محاسبة ومراقبة السلطات الأخرى يقع عليهم غضب الشعب، وفي حال أخطأت السلطات التنفيذية في القيام بدورها يقع الغضب على البرلمان أيضاً. هكذا، سارت الأمور دوماً في معظم دول العالم، لذا كانت البرلمانات ولا تزال، تنقسم إلى فريقين أو فرقاء كل منها يدعي أنه الممثل الحقيقي لمطالب الشعب، بينما الفريق الآخر هو من يعرقل العمل من أجل تحقيق أمانيه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بالطبع، هذه الحال لا تنطبق على الأنظمة الديكتاتورية والأنظمة الفاشلة سياسياً وإدارياً ومؤسساتياً كما هي الحال في معظم دول العالم العربي، حيث يكون البرلمان مجرد سلطة شكلية لا تقدم ولا تؤخر في المنظومة السياسية التي يديرها "الزعيم الأوحد".
"توهين نفسية الأمة"
كما أن البرلمانات تتعرض للهجوم المسلح بصفتها الممثل العام للسلطة، فالهجوم المسلح أو الإرهابي على أي برلمان يهدف إلى الحط من نفسية الدولة التي تتعرض للهجوم، لذا نرى أن أكثر العمليات الإرهابية التي وقعت في أوروبا خلال العقدين الأخيرين كانت على مجالس النواب، كما حصل في بريطانيا وألمانيا وفرنسا. وما الهجوم الأخير على مبنى الكابيتول في واشنطن إلا حلقة من حلقات هذه العمليات. فالهجوم على مبنى السلطة التشريعية هو بمثابة عمل مصغر أو مجازي للهجوم على "شخصية" الدولة بأكملها.
يقول ديفيد ماير، أستاذ العلوم الاجتماعية في جامعة كاليفورنيا، إن "الكابيتول مغناطيس للاحتجاج". فقد تعرض لهجمات كثيرة كانت أولاها حين أشعلت القوات البريطانية النار في مبناه، بينما كان لا يزال قيد الإنشاء عام 1814. أما عام 1915، فقد حاول أحدهم تفجير مجلس الشيوخ بالديناميت ولكن عمليته لم تنجح. وعام 1954، فتحت مجموعة من أربعة مسلحين من القوميين من البورتوريكو النار عشوائياً في قاعة مجلس النواب وأصيب خمسة من أعضاء الكونغرس بجروح.
عام 1971، انفجرت قنبلة زرعتها مجموعة "ويذر أندرغراوند" المتطرفة في إحدى دورات المياه في الشطر الخاص بمجلس الشيوخ من الكابيتول وأحدثت أضراراً. وخلال أحداث سبتمبر (أيلول) 2001 سقطت طائرة يونايتد إيرلاينز في حقل بولاية بنسلفانيا، ورُجح أن الخاطفين كانوا ينوون مهاجمة مبنى الكابيتول بها.
هجوم مجلس السوفيات الأعلى
أحد أهم عمليات الهجوم على مبنى برلمان كانت تلك التي وقعت على مبنى مجلس السوفيات في موسكو عام 1993، في الفترة الفاصلة بين زمنين، أي الاتحاد السوفياتي مرهوب الجانب، وانهياره. كان الهجوم بالقصف بواسطة الدبابات على ذلك المبنى لإخراج النواب المعتصمين فيه احتجاجاً على المرسوم الذي أصدره الرئيس الروسي بوريس يلتسين في 21 سبتمبر 1993، الذي يقضي بحل مجلس السوفيات الأعلى وإجراء انتخابات مبكرة. وكان إنهاء اعتصام النواب بالقوة الوحشية وقصف الدبابات الخطوة الأولى الرسمية نحو انهيار الاتحاد السوفياتي وانتهاء حقبة الحرب الباردة، وبدء حقبة سيطرة القطب الأميركي الواحد على السياسة العالمية.
اقتحامات بالجملة حول العالم
واحدة من أهم التحركات التي كانت تهدف إلى احتلال البرلمان كانت في لبنان عام 2019 أثناء الانتفاضة اللبنانية، وقد أطلق الشباب على تحركهم اسم "ثلاثاء احتلال المجلس" (مجلس النواب). وعلى الرغم من أن مبنى البرلمان كان محصناً بحواجز إسمنتية عالية وسياج حديدي من كل المداخل، إلا أن الشباب المنتفضين حاولوا الوصول إليه بشتى الطرق وحاولوا منع النواب من الوصول إلى المبنى لمنح حكومة حسان دياب الثقة، فوجهوا خراطيم المياه أولاً، ثم رشقات كثيفة من الغازات المسيلة للدموع، ومن ثم طلقات نارية حية من بنادق الخردق وأصيب عدد كبير منهم وأدخلوا إلى المستشفيات. وقد تكررت محاولاتهم هذه على مدى أيام، لكنها لم تتكلل بالنجاح إلا بشكل ضئيل بسبب تحول محيط البرلمان إلى ثكنة عسكرية كاملة التجهيز.
العام الماضي 2020، احتشد آلاف المحتجين على الإجراءات الألمانية لإبطاء انتشار فيروس كورونا، خارج الحواجز التي تطوق البرلمان في برلين، حيث ناقش النواب مشروع قانون يهدف إلى تعزيز قدرة المسؤولين على فرض قيود.
وحُظرت الاحتجاجات خارج مبنى البوندستاغ (البرلمان الألماني) بسبب المخاوف الأمنية، كما وضع سياج حول منطقة واسعة، من ضمنها البوندستاغ والمكاتب البرلمانية القريبة والمستشارية الاتحادية والمكاتب الرئاسية، خوفاً من إقدام المتظاهرين على اقتحام المباني لتعطيل الاجتماعات. وحملت اللافتات شعارات مثل "نريد استعادة حياتنا"، و"ضعوا البنوك تحت المراقبة وليس المواطنين"، وحمل أحد المتظاهرين علماً عليه صورة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بينما حمل آخر لافتة تظهر عالم الفيروسات الألماني البارز كريستيان دروستن في زي السجن مع كلمة "مذنب". وأشيع بأن أعضاء من حركة "كيوأنون" بفرعها الألماني كانوا من بين المحرضين على هذه التظاهرات، مع العلم أن هذه الحركة كانت من أكبر المحرضين على اقتحام مبنى الكابيتول في واشنطن الأربعاء الماضي.
في أواخر 2020، اعتقلت شرطة بلغراد عشرات الأشخاص، بعدما اشتبكت مع مجموعة من المتظاهرين العنيفين أمام البرلمان الصربي، ووقعت الاشتباكات عندما قامت مجموعة من الشباب، وهم يهتفون بشعارات وطنية، بتجاوز المتظاهرين الذين يعارضون العنف، وأبعدوا الحواجز المعدنية وعبروا الباب الأمامي غير المحمي لمبنى البرلمان في بلغراد. وحمل بعض المتظاهرين ألواحاً كبيرة من الخرسانة من أماكن أخرى وألقوها على الشرطة.
في 10 نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، أثار وقف إطلاق نار بين أرمينيا وأذربيجان، خلال صراعهما على إقليم ناغورنو قره باغ، احتجاجات صاخبة في العاصمة الأرمينية، فاقتحم المعترضون مبنى البرلمان وقاموا بإلقاء الأثاث وتعرضوا لرئيس البرلمان بالضرب.
في 8 ديسمبر (كانون الأول) 2020، حاولت محتجات من منظمات نسوية اقتحام البرلمان التونسي، رفضاً لبعض الأوضاع القائمة وغير المقبولة من قبلهن.
في الشهر الأخير من عام 2019، حاول عدد من المحتجين التونسيين العاطلين من العمل اقتحام مبنى البرلمان، مطالبين رئيسه والأعضاء بالاستماع إلى مطالبهم. وهدد عدد منهم بسكب البنزين على أجسادهم وحرق أنفسهم. ورفع المحتجون شعار "شغل، حرية، كرامة وطنية".
في العام نفسه، قام متظاهرون ضد الحكومة في هونغ كونغ بتحطيم الأبواب الزجاجية لمقر البرلمان المحلي محاولين اقتحام المبنى، فيما ردت الشرطة عليهم مستخدمة الغاز المسيل للدموع. وكانت التظاهرات تطالب بسحب مشروع قانون للحكومة يسمح بتسليم مطلوبين للصين.
في 20 يونيو (حزيران) 2018، أعلن رئيس نقابة عمال المناجم المستقلة الأوكرانية، ميخائيل فولينت، أن الشرطة استخدمت الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين الذين حاولوا اختراق الطوق الأمني والدخول إلى مبنى البرلمان.
في مايو (أيار) 2016، اقتحم المئات من أنصار مقتدى الصدر مبنى البرلمان داخل المنطقة الخضراء في العاصمة العراقية بغداد ونصبوا خياماً بجواره، بعد أن ندد الصدر بإخفاق السياسيين في إصلاح نظام "المحاصصة" السياسية الذي تلقى عليه مسؤولية تفشي الفساد.
في 27 أكتوبر (تشرين الأول) 1999، اقتحمت مجموعة من خمسة مسلحين البرلمان الأرميني، بينما كان في حالة انعقاد، واغتالوا رئيس الوزراء آنذاك فازكين سركيسيان ورئيس البرلمان كارن ديميرجيان والنائبين يوري باخشيان وروبين ميرويان، إضافة إلى ثلاثة نواب ووزراء واحتجز المسلحون بقية أعضاء البرلمان كرهائن حتى استسلموا للسلطات في اليوم التالي.
ووقع هجوم على البرلمان الهندي في 13 ديسمبر 2001 على أيدي مسلحي جيش محمد، حيث تسللوا إلى البرلمان في سيارة تحمل علامات وزارة الداخلية، واقتادوا سيارة نائب الرئيس كريشان كانت، وبدأوا بإطلاق النار. وأصيب 16 شخصاً من بينهم 13 من أفراد الأمن بجروح، وقُتل المهاجمون الخمسة.
عمليات إرهابية
في عام 2014، وجد جنود كنديون أنفسهم في مرمى النيران في محيط البرلمان، حين أطلق مسلح النار على أحد الجنود أثناء حراسته النصب التذكاري لضحايا الحرب في مدينة أوتاوا، وقد لقي الجندي الكندي حتفه.
في عام 2017، قتل ما لا يقل عن 12 شخصاً في هجوم على مجلس الشورى (البرلمان) الإيراني. وقد كان لهذه العملية صدى سياسياً وأمنياً كبيراً في إيران، خصوصاً أنها ترافقت مع الهجوم على ضريح مرشد الجمهورية الراحل روح الله الخميني. وكانت هذه المرة الأولى التي يتعرض فيها المبنيين للهجوم في تاريخهما.
وفي العام نفسه، قتل 4 أشخاص وأصيب أربعون على الأقل عندما دهس مهاجم المارة بسيارته على جسر ويستمنستر في العاصمة البريطانية لندن، ثم طعن شرطياً قبل أن تقتله الشرطة بعد عبوره البوابة الخارجية لباحة البرلمان.