Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بين السياسة والاقتصاد... عام القرارات الغريبة والمدهشة في مصر

من رفع أسعار الوقود إلى جدل الدعم وهبوط الجنيه انتهاء بعودة الكتاتيب وتطوير التعليم وقوائم الإرهاب تنوعت إجراءات الحكومة خلال 2024

شهد عام 2024 في مصر صدور عديد من القرارات كان لها أثرها في حياة المواطن (أ ف ب)

ملخص

حديث الشرائح شغل المصريين طوال العام وشكل جزءاً غير قليل من قرارات الحكومة التي تنزل على رؤوس المصريين أو عداداتهم أو جيوبهم أو كل ما سبق كان عاماً مليئاً بالشرائح الاجتماعية والاقتصادية والكهربائية

يتفق المصريون على أنه كان عاماً مليئاً بالقرارات، حافلاً بالإجراءات، متخماً بالمفاجآت. يختلفون حول تقييمها أو تحليلها، يتفاوتون في قبولها أو رفضها، ويجلسون في نهاية العام، يتسامرون ويضحكون حيناً ويبتئسون حيناً، ويستعرضون عاماً كان مليئاً بالقرارات.

من الوقود إلى الدعم

كان عاماً مليئاً بقرارات رفع سعر الوقود، فعلى مدى 2024 ارتفع سعر الوقود ثلاث مرات. وقف الجميع، بدءاً بالقلة المالكة لـ"الفراري" و"البوغاتي" و"الباغاني"، مروراً بملاك السيارات العادية وركاب المواصلات العامة، انتهاء بالقاعدة العريضة من مستخدمي "التوك توك" و"التروسيكل"، موقف رجل واحد متضرر وامرأة واحدة متضررة، من ثلاث زيادات متواترة في أسعار الوقود بنسبة وصلت إلى 17 في المئة خلال عام واحد فحسب، مع وعد بتجديد اللقاء وزيادة الأسعار بعد ستة أشهر.

تقول الحكومة، ممثلة في وزارة البترول والثروة المعدنية، إن هذه الزيادات أتت "في إطار الحرص على توفير المنتجات البترولية وضبط أداء السوق وتقليل الفجوة بين أسعار بيع المنتجات البترولية وكلفها الإنتاجية والاستيرادية المرتفعة. ويقول المصريون إن الزيادات أنهكتهم، وضبط السوق أرهقهم، وإن مسألة تقليل الفجوة تهدد بتحويل الفجوة إلى أسلوب حياة.

 

أهل العلم وعتاولة الثقافة يقولون إن زيادات الوقود في 2024 عمقت إحساس المصريين بالغلاء. رجل الشارع وعموم المصريين يقولون إن بعضهم "جاب زيت"، في إشارة إلى المعاناة الشديدة من الغلاء والأسعار، وبعض آخر يؤكد أنه في هبوط مستمر نحو قاعدة الهرم الاقتصادي، وإن كان بدرجات متفاوتة وبتفاصيل تبدو متناقضة.

أما تفاصيل الدعمين العيني والنقدي وما أثير حولهما طوال العام فوضعهما في منزلة "بين بين"، فلا مصير العيني محسوم بقرار رسمي، ولا مآل النقدي محدد بجداول وتوقيتات. لقد كان عاماً مليئاً بـ"عزمنا على التحول من الدعم العيني إلى النقدي"، و"التحول من العيني إلى النقدي محل دراسة"، و"وزير التموين يناقش مع أعضاء النواب والشيوخ التحول من العيني إلى النقدي"، و"التحول من العيني إلى النقدي بعد أيام"، و"التحول من الزيت والسكر إلى النقدي يخضع لدراسة متأنية وحوار مجتمعي"، و"الحكومة تؤكد أنها لم تمس الدعم العيني، ولم تحسمه في قانون الضمان الاجتماعي". بدأ العام بـ"هل تتحول مصر من الدعم العيني إلى النقدي في 2024؟"، وينتهي بـ"هل تتحول مصر من الدعم العيني إلى النقدي في 2025؟".

الجنيه يهبط والتضخم يرتفع

وما دام ذُكر النقد فلا بد من ذكر الدولار وإصراره على الفتك بالجنيه المصري للعام الثامن على التوالي. لكمات وقفزات وارتطامات وكبوات ومراوغات بين الدولار الأميركي والجنيه المصري منذ قرار التعويم الدراماتيكي في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2016. في ذلك العام ارتفع سعر الصرف ليسجل زيادة قدرها 131 في المئة. قفز "الأخضر" في مقابل العملة المحلية مسجلاً 18 جنيهاً من 7.80 جنيه بين ليلة تعويم وضحاها.

وانطلق ماراثون الدولار والجنيه منذ ذلك الحين، لتتواتر القرارات وتتلاحق التعويمات، ويشهد عام 2024 الموشك على الرحيل تعويماً في مارس (آذار) الماضي، ليعاود الدولار قفزاته مسجلاً 45.30 جنيه ومنها إلى 49 جنيهاً، وذلك قبل أن يكسر حاجز الـ51 جنيهاً قبل أيام، ثم يعاود الانخفاض بضعة قروش بفعل آخر قرارات البنك المركزي لعام 2024.

قرر البنك الإبقاء على أسعار الفائدة من دون تغيير للمرة السادسة على التوالي، وهو ما يعني موقفاً أقوى في مواجهة التضخم، لكن دعماً أقل للنمو الاقتصادي.

 

أما قرار مواجهة التضخم فيعني قرار محاربة تفاقم الفقر. يقول البنك الدولي إن ارتفاع معدلات التضخم في أي دولة يشكل تحدياً كبيراً. الأسعار المرتفعة تؤدي إلى تآكل قيمة الأجور والمدخرات الحقيقية، مما يجعل الأسر أكثر فقراً، والشعور بهذه الآثار يتفاوت من فئة اقتصادية إلى أخرى، إذ تتحكم في ذلك تركيبة الدخل وحجم الممتلكات وأنواع سلة السلع الاستهلاكية المعتادين عليها.

ويضيف البنك الدولي أن تأثير التضخم في الأسر الأشد فقراً، التي تعيش أسفل خط الفقر العالمي، يكون تأثيراً غير مباشر وعلى نحو أقل! لماذا؟ لأن "إيه ياخد الريح من البلاط"! هذا ما لم يقله البنك الدولي. ما قاله هو إن الأسر الأشد فقراً لديها حد أدنى من الدخل من الأجور أو الممتلكات، وتعتمد عادة على الدخل غير النقدي مثل الزراعة أو الدعم العيني وغيرهما مما يحقق حد الكفاف، فتكون أقل عرضة لأخطار التضخم.

ربما يفسر ذلك أن 2024 كانت متخمة بـ"هل نحن على أبواب انهيار الطبقة المتوسطة في مصر؟"، و"هل ابتلع التعويم والتضخم الطبقة المتوسطة المصرية؟"، و"الأوضاع الاقتصادية تؤدي إلى مزيد من تآكل الطبقة المتوسطة"، و"الطبقة المتوسطة تكافح من أجل البقاء". في المقابل كان عاماً خالياً من القرارات أو الإجراءات أو السياسات الخاصة بالطبقة المتوسطة، تمليحاً أو تفعيلاً.

هذا لا يعني أن العام قد مر من دون إشارة هنا أو هناك إلى هذه الطبقة، طبقة "عزيز قوم ذله الاقتصاد". الإشارات كانت فردية، والتلميحات ظلت اجتهادية. شهد العام لقاءً تلفزيونياً هنا وهناك يستضيف ضيوفاً من أعضاء البرلمان أو كبار المثقفين أو أشهر الكتاب للحديث عن الطبقة المتوسطة. لذلك جاء العام حافلاً بـ"يجب أن تكون الطبقة المتوسطة ضمن أولويات الحكومة"، و"يجب أن يتنبه المسؤولون إلى الخلل الحادث في تركيبة المجتمع نتيجة وهن الطبقة المتوسطة"، و"على الحكومة أن تنقذ الطبقة المتوسطة من الانقراض".

صندوق النقد وحديث الشرائح

في المقابل كان العام متخماً بـ"صندوق النقد الدولي" مبتدأً وخبراً وفاعلاً ولاعباً رئيساً في قرارات الحكومة وردود الفعل الشعبية. بدأ العام بتساؤلات حول احتمال أن يشهد عام 2024 انفراجة في مفاوضات مصر مع صندوق النقد الدولي حول قيمة برنامج التمويل والمراجعات، التي كان من المقرر أن يجريها الصندوق عام 2023، وانتهى بالتوصل إلى اتفاق على مستوى الخبراء (ينتظر موافقة المجلس التنفيذي للبنك) في شأن صرف 1.2 مليار دولار، وهي الشريحة الرابعة من برنامج التمويل.

قبل نهاية 2024 بأيام قال صندوق النقد الدولي، في بيان، إنه "في ضوء الظروف الخارجية الصعبة والبيئة الاقتصادية المحلية الصعبة اتفق خبراء الصندوق والسلطات المصرية على إعادة صياغة مسار ضبط الأوضاع المالية العامة، وذلك بهدف خلق حيز مالي للبرامج الاجتماعية الحيوية التي تفيد الفئات الضعيفة والطبقة المتوسطة، مع ضمان استدامة الدين"، وهو ما تجلى عبر القرار المبدئي بصرف الشريحة الرابعة.

 

حديث الشرائح شغل المصريين طوال العام، وشكل جزءاً غير قليل من قرارات الحكومة التي تنزل على رؤوس المصريين أو عداداتهم أو جيوبهم أو كل ما سبق. كان عاماً مليئاً بالشرائح، أبرزها تلك التي تعلن عنها وتفندها وتشرحها وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة.

أحدث الشرائح جرى إقراره والإعلان عنه في سبتمبر (أيلول) الماضي، إذ زادت شرائح استهلاك الكهرباء بنسب تراوح ما بين 15 و50 في المئة. ومع الزيادات التي وصفتها الوزارة بـ"الضرورية" و"الحتمية"، واعتبرتها الغالبية "قاسية" و"مستعصية"، أعلنت الحكومة أيضاً عن أفضل السبل لتقليل الاستهلاك وأنجع الطرق لكبح جماح الفواتير، مع التحذير من محاولات البعض الفرار من مقصلة الفاتورة أو مذبحة شحن كارت الكهرباء عبر سرقة التيار أو التلاعب في العداد.

المخالفات والصلح خير

المخالفات في مصر كثيرة: بناء وكهرباء وإشغالات وصحة وتعليم ودين، والقائمة تطول. بعض المواطنين يتحجج بضيق ذات اليد والحاجة إلى التفكير خارج الصندوق عبر خرق القانون، وبعضهم نصاب أو محتال.

أبرز وأغرب وأجرأ قرارات العام تجسد في إعلان "خفيف الظل" للوهلة الأولى "أثار قلق" الملتزمين بالصراط المستقيم، وأثلج قلوب هواة خرق القواعد وكسر القوانين. حمل عام 2024 بشرى أسعدت قلوب ملايين المخالفين، لا سيما في قطاع البناء والتشييد، أو بالأحرى البناء في الممنوع والتشييد في غير المسموح. شرفة منفردة تطل عبر واجهة عمارة سكنية لا شرفات فيها، مقهى يزخر بالزبائن ويزهو بحركة لاعبي الزهر ومحتسي الشاي والقهوة من جراج "مرآب" سيارات، مطعم ذائع الصيت في الطابق الأرضي من عمارة سكنية في غفلة من المحليات والبلدية والشرطة والقانون، بيت من خمسة طوابق يتوسط أرضاً زراعية لا علاقة لها بالمباني أو صلة لها بالتشييد، مصنع ملابس له شنة ورنة في عالم الأزياء يعمل على مدى ساعات اليوم الـ24 من دون ترخيص أو إذن أو أوراق، طابق أو طابقين أو أكثر إضافية، عمارة خرجت إلى النور بأربعة طوابق، ثم أصبحت 10 ويزيد في غفلة من الزمن وجدت نفسها موعودة بالانتقال من خانة المخالفة إلى مرتبة التقنين.

أغرب قرارات العام جاء من وزارة التنمية المحلية، وتجسد في قانون التصالح على مخالفات البناء. التقديرات شبه الرسمية تشير إلى نحو 3 ملايين مخالفة بناء من دون ترخيص، أو توسع من دون إذن، أو بناء على أرض زراعية... إلخ.

 

ولأنه قبل أعوام قليلة شنت الحكومة المصرية حرباً ضارية على المخالفين، وضربت بيد من حديد على المتحايلين على القوانين والمتهربين من التراخيص والأذون، لا سيما في البناء، فقد أطل القانون الجديد الذي يُروج ويُسوق له عبر إعلانات تلفزيونية صادماً لكثر. الصدمة إيجاباً لملايين المخالفين وسلباً للبعض من الملتزمين تتلخص في الرسائل المكتوبة التي أعقبت مشاهد طريفة لخصت أبرز مخالفات البناء في مصر وأوسعها انتشاراً من بناء شرفة وتعلية عمارة وتدشين نشاط تجاري في شقة سكنية وغيرها.

وحتى أيام قليلة مضت كانت وزارة التنمية المحلية قد بتَّت في ما يزيد على 1.600 مليون طلب تصالح في مخالفات بناء. الطريف والغريب والمؤسف والمضحك في آن هو أن بعض طلبات التصالح التي تقدم بها مواطنون كانت على مبان وهمية لا وجود لها من الأصل، وهو ما أكد تحول نكتة سادت الشارع إلى حقيقة.

جاذبية فكرة "ابنِ مخالفاً بأقل كلفة ثم تصالح بأسعار رمزية" في مقابل "البناء القانوني المرخص العالي الكلفة" جعلت بعض المصريين يشير ساخراً إلى أن قانون التصالح يشجع على خرق القانون.

من الخرق إلى التقنين

ومن الخرق إلى التقنين وصدور مجموعة من القرارات الخاصة باللاجئين والمقيمين غير المصريين في مصر. بعد عام حفل بالشد والجذب الشعبيين، بين مرحب ومتململ، بسبب إقامة أعداد كبيرة من السوريين ونجاح أنشطتهم التجارية، واستقبال أعداد هائلة من السودانيين بسبب الحرب في السودان، وتردد كثير من الأقاويل عن استقبال أعداد غير معلومة من سكان غزة، إضافة إلى صوماليين وإريتريين وإثيوبيين ويمنيين ومن جنوب السودان يقيمون منذ أعوام، وافق الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي على قانون جديد في هذا الشأن.

 

القانون، الذي يسمى إعلامياً "قانون اللاجئين"، يتكون من 39 مادة فجرت الجدل، وتسببت في إشعال الخلاف بين فريقي المرحبين والمتململين.

بين إنشاء لجنة حكومية لشؤون اللاجئين، تتولى بالتعاون مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مهمة الفصل في طلبات اللجوء لمن دخل البلاد بطريق مشروع خلال ستة أشهر، وبحد أقصى عام لمن دخل البلاد بطريق غير مشروع، وواجبات أبرزها احترام الدستور والقانون وقيم وعادات وتقاليد المجتمع المصري، وحظر القيام بأنشطة تمس الأمن القومي أو النظام العام، أو ارتكاب عمل عدائي ضد دولة اللاجئ الأصلية أو أي دولة أخرى، وحظر ممارسة العمل السياسي أو الحزبي أو النقابي بالتأسيس أو الانضمام أو المشاركة بأي صورة من الصور، وحقوق مثل التقدم للحصول على الجنسية المصرية لمن يحصل على صفة لاجئ، والحصول على وثيقة سفر، وحظر تسليم الشخص إلى الدولة التي يحمل جنسيتها، والحق في التقاضي والتعليم وغيرها، شهد عام 2024 صدور أول تشريع مصري ينظم أمور اللاجئين وطلبات اللجوء.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وللجماعة نصيب

ما اعتبره المصريون غرائب أو عجائب عام 2024 لم يقتصر على القرارات أو الإجراءات المتعلقة بالاقتصاد والسياسة والكهرباء والوقود والمخالفات، بل منه ما امتد إلى ما يتعلق بجماعة الإخوان المسلمين. فبعد ما يزيد على عقد من الإسقاط الشعبي لحكم الجماعة التي اكتسبت نعوت "الإرهابية" و"المجرمة" و"الخائنة" و"عدوة الأوطان" و"فتنة الشعوب"، وتبني الدولة المصرية منهج اعتبار الجماعة كياناً إرهابياً، وأعضائها أفراداً خارجين على القانون، وأفكارها يعاقب عليها القانون، وأنشطتهم تحت بند الممنوع، صدر قرار من محكمة الجنايات في نهاية نوفمبر الماضي برفع أسماء 716 شخصاً من قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين.

نزل القرار نزول الصاعقة على رؤوس كثر. وسواء كانوا من كارهي الجماعة أو محبيها أو المتعاطفين معها أو الرافضين لها، ساوت الصاعقة بين الجميع. القضية التي عرفت بـ"تمويل جماعة الإخوان" ظلت متداولة في القضاء على مدى عقد كامل، وغالب الأسماء الواردة في قوائمها والبالغ عددها 1500 شخص قيادات وأعضاء الجماعة "الإرهابية".

مساجد وكتاتيب

وقبل أيام من نهاية العام احتفلت وزارة الأوقاف المصرية بافتتاح 31 مسجداً في يوم واحد في أنحاء مصر، سواء بنظام الإحلال والتجديد أو الإنشاء أو الصيانة أو التطوير، مع تأكيد التزام الوزارة إعمار بيوت الله مادياً وروحياً وفكرياً، إضافة إلى توفير بيئة إيمانية متميزة للمصلين في جميع أنحاء مصر، بحسب بيان الأوقاف.

لم يكن عاماً مليئاً بافتتاح المساجد فحسب، بل تكلل ذلك بقرار غريب ومدهش بعودة الكتاتيب. قبل أيام من نهاية 2024 قررت وزارة الأوقاف المصرية إطلاق مبادرة "عودة الكتاتيب"، تقول الوزارة إن عودة الكتاب تندرج ضمن المبادرة الرئاسية "بداية جديدة لبناء الإنسان".

وكما هو متوقع، نجم عن القرار فريقان متضادان، الأول سعيد مبتهج مفتخر بمزيد من غرس الدين وصبغ المجتمع والنشء بصبغة دينية من المهد إلى اللحد، والثاني متعجب مدهوش من أن يكون "الكتاب" هو أحد الطرق لبناء الإنسان الجديد، وليس التوسع في الأنشطة الثقافية والفنية والتقنية، والنهضة عبر تقوية أوصال الفكر والتعليم والثقافة.

وداعاً للثقافة العائمة

على صعيد الثقافة، شهد العام زيادة ملحوظة في عدد الفعاليات الثقافية، ومنها ما جال قرى ومناطق نائية. في الوقت نفسه وبينما يلملم عام 2024 متعلقاته مستأذناً في الرحيل صدم بعض المصريين بإعادة طرح اسم "المسرح العائم" ضمن خطط الإزالة.

 

المسرح العائم الذي عرفه المصريون في زمن ما قبل التديين وفرض نسخة التدين السبعينياتية التي طغت على الثقافة وقهرت الفكر وهزمت التعليم، أُسس في الخمسينيات وقت كان ثروت عكاشة وزيراً للثقافة والإرشاد القومي. المسرح العائم القائم في "عوامة" كان يجول مدن مصر المطلة على نهر النيل، ليقدم عروضاً فنية لأهلها، ثم يعود أدراجه إلى مرساه في حي المنيل القاهري العريق.

أنباء الهدم بدافع التطوير تواترت على المسرح الأيقوني. وعلى رغم عدم صدور قرار يؤكد أو ينفي، فإن أقاويل الإزالة تفرض نفسها على أجواء نهاية العام، لا سيما بعد ما قال وزير الثقافة أحمد هنو: "لا يوجد قرار إزالة للمسرح العائم حتى الآن".

بين الاختبار والاختبار اختبار

وحتى الآن يخضع طلاب المدارس في مصر لاختبار بين الاختبار والاختبار، وذلك منذ القرار الصادر عن وزير التربية والتعليم والتعليم الفني محمد عبداللطيف مطلع العام الدراسي الحالي بأن يخضع طلاب صفوف النقل في المدارس لتقييم دوري عبر اختبارات أسبوعية، تحسب درجاتها ضمن المجموع.

 

غروبات "الماميز" المنكفئة على ذاتها والصامتة منذ رحل طارق شوقي عن الوزارة عام 2022، خرجت إلى نور الصخب وأضواء الصياح مجدداً. القرار الوزاري الذي ينص على التقييمات الأسبوعية أنهك الملايين كما تقول "الغروبات". وبين شكاوى من أن الطلاب لا يجدون وقتاً كافياً للمذاكرة بين الاختبار والآخر، ومن أن المعلمين لا يجدون جهداً كافياً لشرح الدروس الجديدة بين اختبار وما يليه، ومن أن الأهل لا يجدون مالاً أو وقتاً أو جهداً لمتابعة هذا الطوفان من الاختبارات، أكد الوزير في الساعات الأخيرة من العام أن نظام التقييمات عالمي يطبق في مدارس العالم، وأنه لا يوجد تعليم من دون تقييمات أسبوعية، وأن الحضور في المدارس جيد والأداء رائع.

روعة الأداء في التعليم خضعت خلال العام لكثير من القيل والقال، وكذلك الخلاف والاختلاف. فبعد حرب ضارية خاضتها وزارة شوقي السابقة، التي شغل فيها "التابلت" "هدية مصر لطلاب الصف الأول الثانوي من كل عام" جزءاً معتبراً من الجهد والمال والوقت، قررت الوزارة في نوفمبر الماضي إلزام الطلاب بإعادة "هدية مصر" إلى مصر بعد انتهائهم من المرحلة الثانوية، وهو ما اعتبره بعض المصريين قراراً غريباً.المؤكد أنه كان عاماً مليئاً بالقرارات الغريبة، وردود الفعل الأكثر غرابة، أو هكذا يراها بعضهم. وتجدر الإشارة إلى أن "الغريب" هو غير المعروف أو غير المألوف أو غير المتوقع، وليس بالضرورة جيداً أو سيئاً.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات