في 15 يناير (كانون الثاني) الجاري، تطوي موسوعة "ويكيبيديا" الإلكترونية المجانية عامها الـ 20، محتلةً المرتبة الـ 13 في لائحة أقوى 500 موقع إلكتروني في العالم، بحسب بيانات شركة "أليكسا" المتخصّصة في تحليل حركة الويب (أي عدد زوار الموقع الإلكتروني). وقد يكون السؤال الأكثر إلحاحاً عندما يتعلّق الأمر بـ"ويكيبيديا"، هل تعدّ هذه الموسوعة مصدر ثقة للمعلومات؟
على الرغم من اعتمادها بنية تنظيمية وتشغيلية مختلفة عن معظم عمالقة الإنترنت، بعيداً من المكاسب المادية وتحقيق الأرباح، وعلى الرغم من الأخطاء والمغالطات التي قد تشوب منشوراتها في الكثير من الأحيان، إلا أن "ويكيبيديا" نجحت في فرض نفسها كمصدر معلومات لملايين الأشخاص حول العالم، وفي تحقيق الهدف الذي أُنشئت من أجله: نشر المعرفة مجاناً.
محتوى هائل معدّ تطوعياً
تقدّم الموسوعة المجانية أكثر من 55 مليون ملف مكتوب بـ 300 لغة من قبل متطوّعين من أنحاء العالم. تُديرها منظمة "ويكيميديا فاونديشن" التي لا تبغي الربح، وتهدف إلى تسهيل مشاركة المعلومات بين الجميع عبر مواقعها المختلفة، ومنها "ويكيبيديا"، و"كومونز" التي توفّر أكثر من 67 مليون صورة وفيديو وملف صوتي يُمكن استخدامها مجاناً، و"ويكيبوكس" التي توفّر كتباً إلكترونية مجانية، وغيرها من المنصات التي تقدّم محتوى مجاناً.
الملفات الموجودة في الموسوعة، والتي تتناول مواضيع في المجالات كافة، من الطبيعة إلى العلوم والرياضة والسياسة والتاريخ، "مكتوبة ومحرّرة بشكل تعاوني من مجموعة من المتطوعين بالاستناد إلى مصادر ثقة"، بحسب موقع "ويكيميديا فاونديشن". أي أن المنظمة لا تكتب بنفسها محتوى الموسوعة، إنما قد يساهم أي شخص في العالم، أنت وأنا وغيرنا، بكتابة الملفات، وحتى في تعديلها أو تصحيحها. وبذلك، تعتمد "ويكيبيديا" على جهود تشاركية لنشر المعرفة.
تحدّي الأخطاء
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
غير أن آلية العمل هذه، وعلى الرغم من النجاح الذي أثبتته، إلا أنها تُنتج كماً من الأخطاء، وكما كتابتها، يعتمد تصحيحها على المبادرات التطوعية للأفراد، الذين يقع عليهم عاتق المبادرة لتعديل أي معلومة. وعلى سبيل المثال، تبيّن في أغسطس (آب) الماضي، أن عدداً من الملفات على النسخة الأسكتلندية من "ويكيبيديا"، كتبها أميركي اعترف بنفسه أنه لا يتكلّم اللغة الأسكتلندية، بحسب ما ذكرت صحيفة "ذي إيكونومست". كما أن جودة ومستوى الملفات يختلف جداً من لغة إلى أخرى ومن ملف إلى آخر.
وعلى الرغم من هذه الأخطاء والهفوات، تبقى "ويكيبيديا" موسوعة مهمة سهّلت نشر المعلومات والمعرفة على نطاق واسع حول العالم. ووسط عالم يزداد جشعاً يوماً بعد يوم لتحقيق المكاسب المادية، قدّمت هذه الموسوعة نموذجاً مميزاً للعمل التطوعي الذي لا يبغي الربح. فالمنظمة التي تعتمد على التبرّعات حصراً، وغير الخاضعة لضغوط المستثمرين والمعلنين المتعطّشين لتحقيق النمو بأي ثمن، تركّز بشكل أساسي على مصالح قرائها والمساهمين في محتواها.
النجاح في الاعتماد على الطاقة البشرية
بحسب تقرير لـ"ذي إيكونومست"، على عمالقة الإنترنت دراسة نجاح "ويكيبيديا". فهي موسوعة تُدار من قبل أشخاص وليس آلات، ولا تعتمد على الخوارزميات التي تحلّل أداء المستخدم فتقدّم له محتوى يناسب اهتماماته، والتي كانت السبب وراء النجاح الهائل لكبار شركات التكنولوجيا. وفيما تواجه مواقع التواصل الاجتماعي مزيداً من التحديات المتعلقة بمسؤوليتها عن المحتوى المنشور على صفحاتها، وتلجأ إلى خدمات المزيد من الوسطاء لمواجهة هذه المشكلات، "تقدّم ويكيبيديا درساً في كيفية تشغيل موقع إلكتروني يعمل بالاعتماد على الطاقة البشرية".
وفيما تعدّ "ويكيبيديا" خياراً ملائماً في المجتمعات الغنية والليبرالية حيث المعلومات متوفّرة بكثرة، قد تكون بحسب "ذي إكونومست"، موسوعة "ثورية" لنشر المعرفة في المجتمعات الأكثر فقراً.