Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة

وجدت بمعابد اليونان أرشيفات للقوانين وقد حفظ الأباطرة الرومان قديماً قراراتهم في قصورهم وفي معابدهم

كانت الوثائق صكوكاً للملكية وضمانات للامتيازات يرجع إليها في كل ما يمس الحقوق القضائية (pexels)

ملخص

-دار الوثائق بلندن وهي زاخرة بالعديد من الوثائق الأصلية الهامة من تقارير وخطابات متبادلة بين الحكومة البريطانية وممثليها في الأقطار التي خضعت لبريطانيا أو ارتبطت بالسياسة البريطانية بشكل أو آخر. وكذلك المكتبة الوطنية في باريس تحتوي على العديد من الوثائق الأصلية الخاصة بالمناطق التي كان لفرنسا دور هام بها.

-في التحليل التاريخي من المستحيل تقريباً تحديد عمر الوثيقة غير المؤرخة ولكن قد تكون هناك أدلة تشير إلى العصر، فإذا كانت قطعة مطبوعة مثل بطاقة تهنئة فقد تكون طريقة الطباعة والعنوان وحتى الطابع مهمة، كما يجب أن تكون المواد والتقنيات متوافقة مع المكان والزمان، ويتم التعرف إلى العديد من عمليات التزوير من خلال وجود مواد لم تكن موجودة في الوقت المزعوم، وسوف يقوم التحليل التفصيلي للورق باكتشاف كل قطعة من الأدلة المادية المخفية في الوثيقة.

لقد برزت الناحية التاريخية والقيمية العلمية للوثائق وأصبحت مادة التاريخ والبحوث، فالكتب التي نكتبها الآن ليست إلا وجهات نظر وتفسيرات للوثائق، أما الوثائق نفسها فهي مادة هذه الكتب، لذلك اعتبرت دُور الوثائق جرن التاريخ Grenier de l,histoire  كما يقول الفرنسيون، فبعض العلماء يرون أن الأرشيف أو دار الوثائق يجب أن تضم إلى الماضي صفحات الحاضر بمعنى أنها يجب أن تجمع وثائق الحاضر، وقد عبر عن هذا الرأي العالم شفيزر Schweizer حين قال إن الأرشيف الحقيقي يجب أن يجمع إلى الناحية العلمية الناحية العملية.

تعريف الوثيقة

حاول بعض العلماء أمثال السير هيلري جنكنسون Sir Hilary Jenkinson  تعريف الوثيقة الأرشيفية وتحديد أركانها فقال، "إن الأرشيفات أو الوثائق الأرشيفية هي الوثائق التي أنشئت أثناء تأدية أي عمل من أي نوع وكانت جزءاً من هذا العمل، لذلك حفظت لدى الأشخاص المسؤولين عن تصريف الأعمال للرجوع إليها، وهي لا تقتصر على الأعمال الحكومية، بل قد تكون وثائق لجمعيات أو لأشخاص أو لهيئات غير حكومية". وطبقاً لهذا التعريف يرى جنكنسون أن الوثائق تتجمع بطريقة طبيعية أثناء تصريف أي عمل من الأعمال، فهي أدلة مادية للعمل نفسه وجزء من هذه الأعمال، وهي تشتمل على لفائف البردى وأدراج الرق والأفلام والأختام وكل ما يحمل خبراً أو أثراً.

ولاحظ العلماء أن هذه الوثائق تتجمع طبيعياً، فهي لا تتجمع لأن أحداً قد أحضرها ليثبت فكرة ما أو نظرية ما، بل قد نمت بطريقة طبيعية فلها تكوينها الخاص وهناك علاقة طبيعية بين أجزائها، تلك العلاقة التي هي لب أهميتها. فوثيقة واحدة بمفردها قد لا تدل على شيء ما كما تدل وهي مع أقرانها ما سبقها وما لحقها، وهذه العلاقة بين الوثائق هي التي تحدد القيمة العلمية لها. ولهذا يوضح علماء التاريخ أنه لا شك أن الوثائق التي تعرض للبيع أو المجموعات التي تقتنيها المكتبات والمتاحف تفتقر إلى هذه الرابطة التي تعتبر من أهم عناصر الأصالة في الوثائق.

أوائل دور الوثائق

ويقول محمد أحمد حسين في كتابه الوثائق التاريخية، "كانت الأرشيفات (دور الوثائق)، أول ما كانت، جزءاً من المكتبات تتصل بها وتحفظ فيها الوثائق المتنوعة، وقد خلّف لنا آشور بانيبال في ما خلف أرشيفات نينوى، كذلك ترك المصريون القدماء أمثال هذه الدور للوثائق أرشيفات تل العمارنة، ووجدت بمعابد اليونان في ديلوس ودلفي أرشيفات أخرى للقوانين، وقديماً حفظ الأباطرة الرومان قراراتهم في قصورهم وفي معابدهم.

أما في العصور الوسطى حيث تعددت السلطات وتنوعت الامتيازات وساد الإقطاع، فكان لكل ناحية ذات سلطان أرشيفها الخاص بها الذي يشير إلى ما لها من حقوق وامتيازات والذي كان منفصلاً عن الأرشيف الذي كان للملك بصورة خاصة. ولعل أهم ما ورثته أوروبا من ذلك عن العصور الوسطى هي الوثائق الكنسية، إذ كانت الكنائس في تلك العصور بعيدة من تقلبات الحروب وبمأمن من النهب والسلب، وفي الجملة فقد كانت الوثائق صكوكاً للملكية وضمانات للامتيازات يرجع إليها في كل ما يمس الحقوق القضائية، فلم تكن بذات قيمة علمية وإن كانت ذات نفع عملي يتخذ منها رجال القانون معتمدهم في إحقاق حقوق الملوك.

وقد عرف للملوك أرشيفات مستقرة في قصورهم وأخرى متنقلة يحملونها معهم، ويحكى أن فيليب أغسطس عام 1194 فقد كثيراً من وثائقه في حربه مع ريتشارد قلب الأسد، وكان ذلك حافزاً لأعوانه أن يستنسخوا كل ما يمكن نسخه من وثائق وعقود.

أساس التاريخ

"التاريخ يصنع من وثائق"، هكذا يقول الدكتور شوقي الجمل في كتابه الوثائق التاريخية دراسة تحليلية، ويتابع "هذه بديهية يجب أن يدركها كل باحث وراء الحقيقة التاريخية، فلا يمكن أن يقوم التاريخ إلا على أساس من الوثائق التي تدعم رأياً وتنفي رأياً آخر، ولهذا فالعثور على الوثائق الخاصة بالموضوع الذي ندرسه، عملية هامة جداً، والغالب أن الباحث لا يقوم بمعالجة موضوع معين إلا بعد التأكد من توافر الوثائق التي تلقي الأضواء على حقيقة الأحداث".

إن البحث عن الوثائق هي الخطوة الأولى في منهج البحث التاريخي، والعثور على الوثائق الأصلية المتعلقة بموضوع البحث يعتبر كسباً هاماً يفتح الباب أمام الباحث ليناقش الآراء المختلفة فيرجح رأياً على رأي آخر معتمداً على الوثائق التي بين يديه.

والبحث يقيم عادة بمدى استناده إلى الأصول التاريخية، فقيمته تتوقف في الواقع على الأصالة، أي على المعلومات الجديدة الأصيلة التي يضيفها إلى معرفتنا عن طريق عملية التوثيق. والمؤرخ الذي يهمل وثائق كان من شأنها أن توضح بعض نقاط البحث يكون بلا شك في موقف أضعف من الذي وصل إلى كل أو معظم الأصول المتاحة المرتبطة بموضوع بحثه.

كيف يستفيد المؤرخ من الوثيقة التاريخية؟

وتطلق الوثائق على المعاهدات والاتفاقات الدولية والخطابات الرسمية الصادرة من الحكام أو الواردة لهم والتعليمات والتنظيمات التي تصدرها هذه الجهات الرسمية.

وتقع على الباحث مسؤولية التحقق من سلامة وصحة الوثائق التي يستند إليها في بحثه حتى لا يفاجأ بعد أن يبذل جهداً مضنياً أن الوثائق التي استند إليها غير صحيحة أو أصابها تحريف، وهكذا تكون النتائج التي توصل إليها خاطئة. ولأن الحقيقة في ذاتها هي الهدف الذي يرمي إليه الباحث، كان لا بد من التأكد من أن الأصول أو الوثائق التي يبني عليها الباحث استنتاجه صحيحة وأنه لم يطرأ عليها تبديل أو تحريف.

ويختلف الأمر بحسب نوع الأصل، هل هو وثيقة رسمية وما مصدرها أم هو مخطوط يرتبط بموضوع البحث، وكذلك الوثائق الصادرة من جهات رسمية قد يكون أمرها سهلاً، فالباحث يمكن بجهد يسير الاطمئنان لسلامتها، ومن ثم يتركز جهده كله في تحليل النص وتفسيره واستخراج الحقائق التي يمكن أن يستدل عليها من النص ذاته من دون تحميله أكثر مما يحتمل.

وقد اتفق المؤرخون على أن النص يجب أن يتعرض قبل أن يعتمد كمصدر للمعلومات، إلى فحص أو ما يمكن أن نطلق عليها اختبار Examination. ويصنف المؤرخون الألمان بالذات عملية الفحص أو النقد إلى نوعين، الأول نقد أو فحص ظاهري External Criticism ويقصد به التأكد من شخصية كاتب النص، ومن صحة نسب النص إليه وذلك بطرق مختلفة، كاختبار نوع الحبر المستخدم والقلم الذي كتب به النص ودراسة اللغة والأسلوب والمصطلحات والصيغ الخاصة التي كتب فيها النص، كما على الباحث أن يعقد مقارنة بين عدد كبير من الوثائق المتشابهة قبل أن يصدر حكماً جازماً على الحالة التي أمامه.

والثاني هو النقد الباطني الداخلي Internal Criticism ، ويعتبر النقد الخارجي عملية تحضيرية فهو مجرد مرحلة أولية تمهد للمراحل التالية في الاستفادة من الوثيقة واستنطاقها للوصول إلى الحقائق والمعلومات التي تحتويها، وهذا الفحص يسمى الأسلوبي، كما تفحص الوثيقة من جانبين آخرين وهما التاريخي والعلمي.

للنشر قواعد أيضاً

ففي التحليل التاريخي من المستحيل تقريباً تحديد عمر الوثيقة غير المؤرخة، ولكن قد تكون هناك أدلة تشير إلى العصر، فإذا كانت قطعة مطبوعة مثل بطاقة تهنئة فقد تكون طريقة الطباعة والعنوان وحتى الطابع مهمة، كما يجب أن تكون المواد والتقنيات متوافقة مع المكان والزمان، ويتم التعرف إلى العديد من عمليات التزوير من خلال وجود مواد لم تكن موجودة في الوقت المزعوم، وسوف يقوم التحليل التفصيلي للورق باكتشاف كل قطعة من الأدلة المادية المخفية في الوثيقة.

وعند النشر كذلك هناك قواعد يجب أن يلتزم بها الناشر للوثائق، كأن يذكر مصدر الوثائق المنشورة وأرقامها في هذا المصدر وغير ذلك من المعلومات التي توضح مكان الوثيقة الأصلية وتيسر رجوع الباحث إلى مصدرها الأصلي.

كما يجب أن تنشر الوثيقة كما هي من دون تعديل أو تحريف أو تغيير، وحتى الأخطاء اللغوية أو المطبعية الموجودة في الأصل، يجب أن تبقى كما هي ويمكن الإشارة في الهامش إلى اللفظ الصحيح ويفضل أن يكون هناك فهرس أو ثبت بالوثائق المنشورة، وإذا كانت الوثائق تتعلق بموضوع واحد.

إضافة إلى ذلك، يجب أن يراعي الناشر التسلسل التاريخي، وإذا كان الناشر قد اختار مجموعة معينة من الوثائق من بين عدد كبير منها، يجب أن يوضح الأساس الذي اختار على أساسه ما نشره من دون غيره من الوثائق الأخرى المرتبطة بنفس الموضوع، ويستحسن أن يعطي الناشر فكرة سريعة عن موضوع الوثيقة التي ينشرها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من أين نحصل على الوثائق؟

أولاً دور المحفوظات (الوثائق). فلا تكاد دولة اليوم تخلو من دار للمحفوظات (الوثائق القومية)، وتختلف دور الوثائق من حيث الاهتمام بعمل فهارس أو كشافات لوثائقها أبجدية بحسب أسماء الأشخاص أو بحسب الموضوعات. فبعضها يكتفي في هذه الفهارس بوضع أرقام للمجلدات وبيان تواريخ الوثائق المحفوظ بها، بينما يعطى البعض الآخر بيانات بموضوع الوثيقة ومحتوياتها، وفي كثير من دور المحفوظات العديد من الوثائق غير المفهرسة أو المنظمة.

وعلى سبيل المثال، دار الوثائق بلندن وهي زاخرة بالعديد من الوثائق الأصلية الهامة من تقارير وخطابات متبادلة بين الحكومة البريطانية وممثليها في الأقطار التي خضعت لبريطانيا أو ارتبطت بالسياسة البريطانية بشكل أو آخر. وكذلك المكتبة الوطنية في باريس تحتوي على العديد من الوثائق الأصلية الخاصة بالمناطق التي كان لفرنسا دور هام بها.

ثانياً وثائق في مكتبات الجامعات والهيئات العلمية الأخرى، وتشتمل مكتبات بعض الجامعات على قسم خاص بالوثائق التي حصلت عليها الجامعات أو الهيئات العلمية من مصادر مختلفة وبعضها مهداة من شخصيات معينة. وثالثاً وثائق في أماكن أخرى، وقد توجد بعض الوثائق في المساجد أو في الكنائس الأثرية أو الأديرة، وقد تكون هناك وثائق من طرف أفراد ارتبطت أسرهم بالأحداث موضوع الدراسة. وبعض هذه الوثائق قد يكون مراسلات خاصة أو يكون بصورة مذكرات أو يوميات، وبعضها قد يكون مدوناً على جلود حيوانات أو رقائق أو على هيئة كراسات.

وفي بعض الأحيان يستطيع الباحث أن يتصل بشخص أو أكثر شارك في الأحداث موضوع البحث للاستفسار عن أمر غامض أو غير ذلك، على أن الباحث يجب أن يكون دائماً على حذر، كما يقول علماء التاريخ، فلا يقبل رأياً على أنه حقيقة لا شك فيها، بل عليه أن يقلب الأمر من جميع وجوهه بهدف الوصول للحقيقة المطلقة، علماً بأن الآراء الشخصية تعبر من وجهة نظر خاصة كما أن الرأي الخاص والمشاهدة الشخصية قد يشوبها بعض القصور، فلا بد لمثل هذه الآراء أن تدعم بوثائق أخرى رسمية تؤكدها أو تنفيها.

ورابعاً الوثائق المنشورة، وتكتسب الوثائق الأصلية التي لم تنشر بعد مكانة خاصة على أساس أنها مادة أولية غالباً لم تستخدم من قبل لتوضيح الحقيقة حول الموضوع مجال البحث، ومع ذلك فإن الوثائق المنشورة لها أهميتها بخاصة إذا كانت نشرت لكن لم تستغل استغلالاً كاملاً أو سليماً لمناقشة القضايا موضوع البحث.

والوثائق المنشورة قد تكون منشورة في كتب خاصة أو ملاحق لبحث معين أو غير ذلك. ففي ألمانيا قامت جمعية دراسة التاريخ الألماني التي بدأت نشاطها منذ عام 1819، بنشر سلسلة من الوثائق تتعلق بالتاريخ الألماني. وفي فرنسا تكونت منذ عام 1834 جمعية دراسة تاريخ فرنسا وقد نشرت عدة مجلدات عن مصادر ووثائق التاريخ الفرنسي. وفي عام 1836 شرعت بلجيكا بنشر العديد من الوثائق التي كانت بدار محفوظات. كذلك إسبانيا منذ عام 1842 والنمسا منذ عام 1841، وفي الولايات المتحدة الأميركية اهتمت الجامعات كجامعة هارفرد وكولومبيا وميتشغان وغيرها بنشر العديد من الوثائق المتعلقة بتاريخ أميركا.

المزيد من منوعات