اكتسبت الدورة الـ41 للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في ظل ما تشهده المنطقة من تطورات سياسية واقتصادية بالغة الأهمية، في مقدمتها تعزيز التضامن الخليجي ومواجهة التحديات الاقتصادية التي سببتها جائحة كورونا، إذ من المتوقع أن تتم استعادة حوالى سبعة مليارات دولار من التجارة البينية بين الدول الخليجية خلال 2021.
واتخذت دول مجلس التعاون التي استضافت اجتماعات قادته مدينة العلا التاريخية في السعودية أخيراً، مصالحة منتظرة، إضافة إلى إجراءات حاسمة لتسريع تعافي المنطقة اقتصادياً بعد الأزمة الطاحنة التي خلفتها الجائحة، وتعافي أسعار النفط من الانخفاض الكبير، وأيضاً تعافي حركة التجارة بين دول المجلس والعالم.
تعزيز التضامن الخليجي
وينتظر القطاع الاقتصادي الخليجي البيني مكاسب كبيرة ستتحقق عبر وقف الخسائر التي استمرت ثلاث سنوات ونصف السنة، خصوصاً السعودية التي فتحت الحدود رسمياً مع قطر وهو المنفذ البري الوحيد، حيث تأثرت التجارة البينية التي ستتحول إلى الربح مع عودة العلاقات. وأظهرت إحصاءات رسمية أن السعودية والإمارات والبحرين تستحوذ على 87 في المئة من حركة التبادل التجاري بين قطر والدول الخليجية، كما بلغت قيمة التبادل التجاري بينها عام 2016 حوالى 37.9 مليار ريال قطري (10.4 مليار دولار). واستوردت قطر عام 2016 ما قيمته 19 مليار ريال قطري (5.2 مليار دولار) من السعودية والإمارات والبحرين، لتشكل صادرات الدول الثلاث إلى قطر 89 في المئة من إجمالي وارداتها من الدول الخليجية.
أما بالنسبة إلى صادرات الدوحة، فتجاوزت 19 مليار ريال (5.2 مليار دولار) عام 2016، ما يمثل تسعة في المئة من مجمل صادراتها. وتستحوذ السعودية والإمارات على 65 في المئة من صادرات قطر إلى الدول العربية. وفي الربع الأول من العام المالي 2017، تصدّرت الرياض الدول المستقبلة للصادرات القطرية غير النفطية بحوالى 41 في المئة من إجمالي هذه الصادرات، تبعتها الإمارات بنسبة 32 في المئة، وفقاً لغرفة قطر. وأوضحت إحصاءات رسمية لمجلس التعاون الخليجي أن الدوحة استقبلت نحو 1.3 مليون من مواطني دول مجلس التعاون خلال 2016.
ويبدي المسؤولون تفاؤلاً مشحوناً بالحماسة من أن القمة استجابت لأهمية تعزيز التضامن الخليجي في مواجهة التحديات المشتركة وإحلال السلام والاستقرار لصالح دول وشعوب مجلس التعاون، وأنها وضعت القضايا والتحديات الاقتصادية والتنموية والسياسية في أولوياتها. وهذا ما أكده الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية نايف الحجرف لجهة أن الملف الاقتصادي عنوان للعقد الخامس من مسيرة مجلس التعاون عبر تعزيز العمل المشترك ودعمه للإسهام في التعافي الاقتصادي واستكمال النمو وعودة الحياة إلى طبيعتها بعد الجائحة وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
العجز في الموازنات
واجهت دول مجلس التعاون خلال عام 2020، آثاراً اقتصادية صعبة ترتبت على إثر وباء كورونا، وانعكس ذلك على موازناتها، مخلّفاً عجزاً كبيراً لم تستطِع تفاديه، وفي أحسن الأحوال نجحت في التقليل منه في ظل تراجع أسعار النفط.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في السعودية أكبر دول الخليج والمنطقة، بلغ الإنفاق المعتمد في موازنة العام الجديد 990 مليار ريال سعودي (264 مليار دولار)، وقدرت الإيرادات بـ849 مليار ريال سعودي (226 مليار دولار)، والعجز بـ141 مليار ريال سعودي (38 مليار دولار). وأكدت الرياض أنها تأثرت سلباً على مستوى نشاط الاقتصاد المحلي بجائحة كورونا إلى جانب تأثرها سلباً بالركود الاقتصادي العالمي وانخفاض الطلب في أسواق النفط، ما أدى إلى تراجع حاد في الأسعار.
وأضافت أن "هذا العام كان صعباً في تاريخ العالم، وقد أسفرت التدابير الصحية والمبادرات المالية والاقتصادية التي اتخذناها والإصلاحات التي أتت مع إقرار رؤية المملكة 2030 عن الحد من الآثار السلبية على المواطنين والمقيمين فيها وعلى الاقتصاد"، بينما فوّضت الحكومة وزير المالية بعملية سد العجز، وذلك عبر إجراءات عدة لعل أبرزها السحب من حساب الاحتياطي العام للدولة، إضافة إلى إعطاء الوزير صلاحية الاقتراض لتمويل المشاريع الرأسمالية المعتمدة تكاليفها في الموازنة، إلى جانب أكثر من عشرة بنود أخرى.
ولم تكن الكويت أحسن حالاً، فقد أشار تقرير "الشال" الأخير إلى أن جملة الإيرادات المحصلة حتى نهاية الشهر الثامن من السنة المالية الحالية 2020/2021 بلغت حوالى 6.16 مليار دينار (20 مليار دولار)، أو ما نسبته نحو 82.2 في المئة من جملة الإيرادات المقدرة للسنة المالية الحالية بكاملها والبالغة 7.50 مليار دينار (24.6 مليار دولار) تقريباً، وفق بيانات وزارة المالية. وبلغت الإيرادات النفطية الفعلية حتى 30 نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، نحو 5.28 مليار دينار (17.4 مليار دولار) أي بما نسبته حوالى 93.8 في المئة من الإيرادات النفطية المقدرة للسنة المالية الحالية بكاملها، والبالغة ما يقرب الـ 5.62 مليار دينار (18.43 مليار دولار)، وبما نسبته 85.7 في المئة تقريباً من جملة الإيرادات المحصلة. وبلغ معدل سعر برميل النفط الكويتي حوالى 36.4 دولار للأشهر الثمانية الأولى من السنة المالية الحالية 2020/2021. وتم تحصيل ما قيمته نحو 882.81 مليون دينار (2.9 مليار دولار) إيرادات غير نفطية خلال الفترة ذاتها وبمعدل شهري بلغ ما يعادل 110.35 ملايين دينار (363 مليون دولار)، بينما كان المقدر في الموازنة للسنة المالية الحالية بكاملها نحو 1.87 مليار دينار (6.2 مليار دولار)، أي أن المحقق إن استمر عند هذا المستوى، سيكون أدنى للسنة المالية الحالية بكاملها بنحو 550.11 مليون دينار (1.8 مليار دولار) عن ذلك المقدر.
موازنة اتحادية
وقال التقرير إن اعتمادات المصروفات للسنة المالية الحالية، كانت قد قدرت بنحو 21.55 مليار دينار (71 مليار دولار)، وصرف فعلياً، طبقاً للنشرة، حتى 30 نوفمبر 2020 حوالى 8.53 مليار دينار (28 مليار دولار)، وتم الالتزام بنحو 2.40 مليار دينار (8 مليارات دولار)، وباتت في حكم المصروف، لتصبح جملة المصروفات الفعلية وما في حكمها، نحو 10.94 مليار دينار (36 مليار دولار)، وبلغ المعدل الشهري للمصروفات ما يقارب الـ 1.36 مليار دينار (4.5 مليار دولار). وذهب التقرير إلى أن الموازنة في نهاية الشهر الثامن من السنة المالية الحالية قد سجلت عجزاً بلغ نحو 4.77 مليار دينار (15.7 مليار دولار).
وفي الإمارات العربية المتحدة، أقرّ مجلس الوزراء في نوفمبر الماضي موازنة اتحادية أصغر حجماً لعام 2021، في مؤشر إلى أن الدولة تخفّض الإنفاق. ووافقت الحكومة على موازنة حجمها 58 مليار درهم (15.8 مليار دولار). وكانت الموازنة الاتحادية 61.35 مليار درهم (16.6 مليار دولار) لعام 2020، وهي الأكبر منذ قيام الدولة.
وتشكّل الموازنة الاتحادية جزءاً ضئيلاً فحسب من إجمالي الإنفاق العام في الإمارات، إذ لكل إمارة موازنتها على حدة. لكنها تعطي مؤشراً بشأن الخطط الرسمية لاقتصاد البلاد. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يشهد اقتصاد الإمارات انكماشاً نسبته 6.6 في المئة، وأن يعود إلى نسبة نمو متواضعة بنحو 1.3 في المئة عام 2021. وتنبّأ أن يصل عجز الموازنة لحكومة الإمارات، شاملاً الماليات المجمعة للحكومة الاتحادية وإمارات أبو ظبي ودبي والشارقة، 9.9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، ارتفاعاً من 0.8 في المئة عام 2019.
تحديات السياسة والاقتصاد
الإجراءات الاقتصادية التي شهدتها الصين والاتحاد الأوروبي في ظل جائحة كورونا تخدم سرعة التعافي من الآثار، التي من بينها مزيد من الانفتاح الاقتصادي على العالم وتقديم الدعم للدول الأكثر تضرراً. إلا أن التغييرات في الإدارة الأميركية سيكون لها تأثير إيجابي كبير في المنطقة بصورة خاصة، بناء على التفاؤل حيال دور الولايات المتحدة في مساندة حلفائها وأصدقائها والحد من تأجيج الصراع الذي تشهده المنطقة، والتوجه نحو إيجاد الحلول السياسية الفاعلة للأزمات، إذ يسود اعتقاد أن نوعاً من الهدوء والاستقرار النسبي أصبح ضرورة لتجاوز الظروف الاقتصادية التي تمر بها المنطقة.
النفط... اللاعب المتذبذب
حاولت دول الخليج منذ عقود أن تقلل من الاعتماد على النفط في موازناتها، إلا أنها لم تستطِع تجاوزه بعد، لذلك كان تأثير انخفاض الأسعار واضحاً في اقتصاديات دول المجلس. وعلى الرغم من أن السعودية حققت ارتفاعاً في الإيرادات غير النفطية، إلا أنها بقيت في دائرة أسعار النفط المتذبذبة، وحققت عجزاً في موازنة 2020 بلغ 298 مليار ريال (79.5 مليار دولار)، سببه الرئيس انخفاض أسعار النفط.
وتعوّل دول المجلس كثيراً على ارتفاع أسعار النفط من خلال زيادة الطلب واتفاق "أوبك+" على رفد موازناتها في 2021 بما تحتاج إليه من إيرادات لتغطية نفقاتها ومعالجة الآثار الاقتصادية التي خلّفها كوفيد-19.
العمل الاقتصادي المشترك
لم تكن الأرقام في 2019 قاتمة كما كانت في 2020، فقد سجلت مؤشرات منظومة العمل الاقتصادي المشترك الخليجي 2019 أرقاماً متفائلة، فبلغ إجمالي الصادرات السلعية البينية الوطنية غير النفطية 32 مليار دولار أميركي، وإجمالي الصادرات النفطية البينية 18.6 مليار دولار أميركي، وإجمالي إعادة التصدير البينية 40.7 مليار دولار أميركي، فيما بلغت قيمة الوفر الاقتصادي للربط الكهربائي البيني 264 مليار دولار، ونسبة الاستفادة المتحققة للدول الأعضاء من الربط الكهربائي بلغت 30 في المئة.
وبلغ إجمالي عدد براءات الاختراع الممنوحة من مكتب براءات الاختراع الخليجي 1.264، بينما وصل عدد المواصفات القياسية واللوائح الفنية الخليجية الموحدة إلى 25.9 ألف. وسجل عدد المتنقلين من المواطنين الخليجيين الذين زاروا دول أعضاء أخرى نحو 27 مليون متنقل، وقفز عدد المشمولين من مواطني دول المجلس في التقاعد الحكومي والتأمينات الاجتماعية بدول أعضاء أخرى إلى 28.7 ألف مواطن خليجي، وعدد المتملكين للعقار من مواطني دول المجلس في دول أعضاء أخرى 335 ألف مواطن.
وفي ما يتعلق برؤوس أموال الشركات المساهمة المسموح تداول أسهمها لمواطني دول المجلس في دول أعضاء أخرى، سجلت 376 مليار دولار، وبلغ عدد التراخيص الاقتصادية والاستثمارية والخدماتية الممنوحة لمواطني دول المجلس، 60.2 ألف ترخيص.
وحول مؤشرات مستقبل الاقتصاد الخليجي في 2021، فإن النمو المتوقع في الناتج الإجمالي بالأسعار الجارية 6.4 في المئة، والنمو في الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة 3.3 في المئة والنمو في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي بالأسعار الثابتة 3.7 في المئة.