مع العام الجديد، دخلت تركيا الأجواء الانتخابية، وفي الأوقات العادية كانت الأحزاب تبدأ استعداداتها قبل عام من موعد الانتخابات، ومع ذلك فإن حكومة حزب العدالة والتنمية التي خسرت أكبر خمس مدن في البلاد، وخصوصاً اسطنبول وأنقرة، في انتخابات البلديات لعام 2019، لا تريد أن تترك الأمر في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية للصدف، خصوصاً وأن استطلاعات الرأي، حتى التي يجريها هو بنفسه، تشير إلى أن أصواته لا تتجاوز عتبة الـ 50 في المئة مع حليفه حزب الحركة القومية.
نعم إن الصورة القاتمة التي أظهرتها استطلاعات الرأي العام تؤرق الرئيس رجب طيب أردوغان، إذ تشير استطلاعات قامت بها شركات مقربة من الحكومة إلى أن معدل أصوات المعارضة يبلغ 56 في المئة، وأن أصوات تحالف حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية تبلغ 44 في المئة، وقد بدأ أردوغان البحث عن تحالفات جديدة حتى مع الأحزاب التي لا تتجاوز نسبة أصواتها واحداً في المئة، وذلك يسلط الضوء على مدى قلقه في شأن خسارة حزبه للأصوات، على الرغم من أنه لا يزال هناك عامان ونصف العام لحلول موعد الانتخابات المقبلة.
خاضت تركيا انتخابات مبكرة تسع مرات في تاريخ الجمهورية البالغ نحو 100 عام، أجريت ثلاثة منها في عهد أردوغان الذي كان يبدو وكأنه يعارضها ويقول إن "الانتخابات المبكرة لا تقوم بها إلا دولة قَبَلية".
والصورة الحالية تخبرنا أن الحكومة ربما تُجري انتخابات مبكرة بعد إقامة تحالفات جديدة ودعايات قوية وتلاعبات مؤثرة في الجمهور.
ففي الوقت الراهن يريد الرئيس أردوغان مواصلة شراكته مع حزب الحركة القومية، ويريد الدخول في الانتخابات من خلال ضم أحزاب صغيرة أخرى إلى هذا التحالف، وقد بدأ العمل من خلال زيارته لحزبه السابق حزب السعادة، الذي كان يتزعمه أستاذه الراحل نجم الدين أربكان.
والمثير للاهتمام أنه بدلاً من زيارة رئيس الحزب تملْ كارامُولا أوغلو، زار رئيس المجلس الاستشاري الأعلى أوغوزهان أصيل تُورك، إدراكاً منه أنه لا يمكن أن يجذب حزب السعادة ككل، فقام بهذه الزيارة بهذه الطريقة عن قصد.
يعيش أردوغان حالاً صعبة للغاية، إذ فقد كثيراً من زملائه وحلفائه السابقين، ولذلك فهو يحتاج إلى حلفاء جدد من أجل توسيع حلفه الحالي، ولربما يقوم في هذا الاتجاه بخطوة نحو تقسيم حزب السعادة أيضاً إذا لم ينجح في إقناع جميع قادة هذا الحزب.
وهناك حزب آخر يتزعمه فاتح أربكان، ابن نجم الدين أربكان، المنشق عن حزب والده، وسماه "حزب الرفاه الجديد"، ربما سينضم هو أيضاً إلى حلف أردوغان، بحسب ما يتم تداوله في الأروقة السياسية التركية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وستكون تحركات أردوغان الأخرى نحو توسيع تحالفه بشكل غير رسمي من خلال التنسيق مع أحزاب صغيرة أخرى تتمتع بنسبة متدنية جداً من الأصوات، من القوميين والمحافظين واليساريين، ولا أعتقد أن أردوغان سيواجه أية صعوبة في تشكيل هذه التحالفات أيضاً.
في الأيام المقبلة، قد تعود الحكومة للقيام بعمليات ضد أكبر حزب كردي، حزب الشعوب الديمقراطي، وذلك بهدف الحفاظ على التقارب بين القوميين والإسلاميين، الذي ربما يصب في مصلحته للفوز في الانتخابات، ولا ننسى أن من بين مخططاته التي يَجري الحديث عنها العمل على إنشاء حزب أو تحالف كردي جديد قريب من السلطة، بهدف تقليص أصوات حزب الشعوب الديمقراطي.
من جانب آخر، إذا لم تكن حكومة حزب العدالة والتنمية واثقة من أنها ستفوز في الانتخابات، فإنها لن تتردد في تنفيذ خيارين آخرين، أولهما تغيير النظام الانتخابي، والثاني المغامرة بالقيام بعملية عسكرية في ليبيا أو سوريا أو شمال العراق، من شأنها أن تحدث ضوضاء كبيرة في البلاد وترص الصفوف في الداخل، وإذا كان الرئيس أردوغان سيقوم بمثل هذه العملية، فمن المؤكد أنه سيفعل ذلك في وقت قريب من الانتخابات، وقد سردتُ إلى الآن الخطوات الرئيسة التي من المحتمل أن يتخذها أردوغان بهدف الفوز في الانتخابات.
بالطبع، قد لا يتخذ كل هذه الخطوات، لكنني أعرف أنها قيد الدرس ويتم الحديث عنها في الكواليس من قبل المقربين منه، وسيتخذ معظمها، لكن هل سيتمكن أردوغان من الفوز في الانتخابات، إذا ما قام بهذه التحركات؟
من الصعب التكهن في شأنها بشكل مؤكد، ولكن ما نعلمه جيداً هو أن الخيارات كانت سهلة ومتاحة أمام أردوغان إلى حين الانتخابات البلدية في العام 2019، فنتائج هذه الانتخابات أظهرت أنه لم تعُدْ لديه تلك الفرص الكبيرة للفوز، إذ إنه للمرة الأولى انكسر الحاجز النفسي لدى المعارضة التي كان تنطلق بنفسية الاستسلام لفكرة أن أردوغان لن يُقهر في الانتخابات.
نعم، لقد تحطّم هذا التصور وانهزم حزب العدالة والتنمية مرتين في الانتخابات المتكررة في إسطنبول، وبدأ الناس يؤمنون بأنه إذا اتخذت المعارضة، التي تتمتع الآن بغالبية الأصوات، الخطوات الصحيحة لتشكيل تحالف قوي، فيمكنها القضاء على نظام أردوغان الإسلامي في الانتخابات المقبلة. الآن كل الرياح تهب لمصلحة المعارضة، وهي تواجه حكومة مفلسة في سياستها الخارجية، كما أن معدلات البطالة وصلت إلى 27 في المئة بسبب فيروس كورونا، وأصبحت تركيا من أقل الدول التي قدمت الدعم المالي لشعبها خلال الجائحة، وعلاوة على ذلك هناك حكومة تخسر أصواتها يوماً بعد يوم بسبب الاختناق الاقتصادي والمشكلات في النظام القانوني، وإذا لم تتمكن المعارضة في هذه الحالة من الفوز في الانتخابات، فعليها أن تغلق أحزابها وتغادر ميدان السياسة،
وخلال الأيام المقبلة سأسلط الضوء على أنشطة المعارضة في تركيا، والتحالفات التي ستشكلها، وخططها ومشاريعها واستراتيجياتها.