بدّل فيروس كورونا السفر في نواحٍ عدة لم يكن يتصوّرها أحد من قبل. وثمة في هذا السياق تدابير واضحة ومباشرة، كمثل وجوب ارتداء الكمامات وأقنعة الوجه خلال الرحلات الجوية، أو وجوب إبراز شهادة بنتائج سلبية لفحص كوفيد-19 قبل الدخول إلى بلد الوجهة.
ومن ثم، هناك تدابير خفية وغير مباشرة، كمثل اتّباع التكنولوجيا والبيانات المعتمدة في بلد الوجهة للمساعدة في التحكم بالتجمعات. ويمكن القول في هذا الإطار إن بعض أكبر التغييرات المحققة هنا جاء في قطاع الفنادق، وذلك على الرغم من اقتصار ملاحظتكم كنزلاء على اختفاء طاولة الفطور الكبيرة، أو "البوفيه"، دون غيرها من أمور.
في المملكة المتحدة، مثلًا، تعتمد الفنادق عمليات تنظيف أعمق من ذي قبل، وبعضها يقوم حتى بترك الغرف "تستريح" قليلاً حين يغادرها النزلاء وقبل أن يحلّ بها نزلاء جدد. وعلى الصعيد الدولي، فقد جرى في السياق تأجيل الالتزام بتعهّد حظر الأدوات البلاستيكية أحادية الاستخدام (المستخدمة لمرة واحدة) بقطاعات عدة.
ومع هذه التحوّلات ذات الأثر العميق في سلوكيات الضيوف، كما في لوجستيات العمليات المطبّقة، فإن المزيد من تلك التحوّلات هو في طريقه إلينا.
تزايد استخدام التقنيات غير التلامسية
منذ زمن باتت التقنيات غير التلامسية سائدة الاستخدام في القطاع الفندقي، بيد أن الفنادق اليوم ونظراً إلى جائحة كوفيد-19، تكثّف استعمال التقنيات المذكورة.
وكان فندق "هيلتون" سنة 2015، مثلاً، أطلق ما يُعرف بتطبيق "المفتاح الرقمي"، الذي يتيح لأعضاء "لائحة ضيوف الشرف في هيلتون" تسجيل نزولهم في الفندق واختيار غرفهم وفتح أبوابها بواسطة هواتفهم.
والتطبيق المذكور ليس متوفراً في جميع المعاملات والنواحي بعد، بيد أن عمليات تعميم هذه التكنولوجيا تسارعت، وفق ما يذكر غوردون كولس، نائب الرئيس الأول في شركة "إيميا للعمارة والتصميم والإنشاء" EMEA Architecture, Design & Construction التابعة لهيلتون، إذ إنها باتت تستخدم الآن في أكثر من 5 آلاف فندق في أنحاء العالم.
إلى هذا، تقدم فنادق "هيلتون" خدمة "الغرف المتصلة" Connected Rooms، حيث يمكن للنزلاء بواسطة أجهزة هواتفهم التحكّم في كل شيء يتصل بغرفتهم، بدءًا من الإضاءة والحرارة وصولاً إلى ما يعرض على التلفزيون. وسلسلة الخدمات هذه ليست وحيدة أبداً في هذا الاطار، إذ ثمة تقنية مماثلة يجري تطبيقها بدرجات مختلفة في "فنادق فيرجين" Virgin Hotels و"فنادق بلوك" Bloc Hotels وفنادق "سيتيزين أم" Citizen M في مختلف أنحاء العالم.
المواد الذكية ستُدرج في تصاميم الحياة اليومية
يرى المصمم الفندقي جون ميشال غاثي، الذي يتعاون مع مجموعة من أفخر الفنادق العالمية، أن المستقبل هو لإدراج المواد الذكية بإحكام ضمن التصاميم الموضوعة والمنفذة.
وقال غاثي لـ"اندبندنت" إن "ذلك يتضمن أشياء مثل الأسطح المضادة للميكروبات في كل الأقسام والمواضع، من مساحات البهو والممرات، إلى الطاولات الجانبية وكواليس المطاعم، وأكشاك تسجيل الدخول الذاتي. كما أن تلك التصاميم ستستخدم في مساعي تقليل عدد الأشخاص الذين يستقلون المصعد في وقت واحد".
"ستكون هناك معادن ذاتية التنظيف (تُنظف نفسها) في الحمامات، ومادة راتنج خاصة (رازين resin) للأرضيات والجدران لا يمكن للفيروس الالتصاق بها والبقاء حيّاً وفاعلاً عليها، مثل أزهار اللوتس Lotus.
وأردف قائلا: "أغشية بلاستيكية شفافة وأخرى سهلة التركيب والانتزاع ستغلّف أجهزة الريموت كونترول والصنابير والحنفيات ودوش الاستحمام ومسكات الأبواب. كما ستجري تنقية أنظمة التهوئة والتغذية المائية وتصفيتها". وتابع غاثي "أتوقع أن تكون كل هذه الأمور قد باتت سائدة ومطبّقة في القطاع الفندقي في غضون خمسة أعوام، خصوصاً في الفنادق الفاخرة".
إضافات في خدمات الغرف
شهدنا سنة 2020 أكثر من أي وقت مضى ظهور شقق تتمتع بجوانب خدمات زائدة، منها خدمات مخصصة لتقليص الاحتكاك بالآخرين (غير المقيمين في الشقة ذاتها) إلى حدّه الأدنى. هذا النمط من الخدمات، بحسب السيد غاثي، سينتقل إلى غرف الفنادق ويُطبّق فيها أيضاً.
وذكر: "الغرف الأساسية ستنحسر، وستحلّ مكانها صيغ أشبه باستوديوهات أو أجنحة لها مطابخ وغرف غسيل، وذلك لتخفيض الاحتكاك المرتبط بعمليات ترتيب وتنظيف الغرف وخدمتها".
طبعاً هذا الأمر الأخير يجري تطبيقه سلفاً عبر بعض الوسائل، لكن بطرق محدودة، إذ إن جميع أجنحة فنادق "ستايبريدج" Staybridge Suites، مثلًا، لها مطابخ.
وفي بعض فنادق "هيلتون"، يمكن للنزلاء أن يحجزوا خدمة "خمسة أقدام لغرف الرياضة" Five Feet to Fitness، التي تقدّم معدات رياضية في غرفة النزيل، تتضمن دراجات هوائية ومعدات تمرين، فلن يكون على الضيف أو النزيل الذهاب إلى غرفة الرياضة العامة والمشتركة في الفندق. وفي "فنادق هارد روك" Hard Rock Hotels دائماً كان بإمكان النزلاء ذات الخلفية الموسيقية استعارة آلات موسيقية والحصول عليها في غرفهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
جعل تدابير الأمان من كوفيد أكثر جاذبية
باتت مرافق ومحطات تعقيم اليدين والفواصل الشفافة بين الأشخاص والأحياز مظاهر نألفها منذ فترة، لكن بالنسبة إلى بعض الفنادق، فإن هناك اليوم مساعي لجعل تلك التدابير أكثر "جاذبية" وتحويلها إلى أمور بديهية في تجربة كل ضيف ونزيل.
وعن ذلك، يتحدث السيد كولس، قائلاً: "خذ مثلاً محطات تعقيم اليدين. في السابق ما كان المرء ليراها في بهو الفنادق. لكنها اليوم غدت من الأمور الأساسية خلال إقامتك". تابع "هذه المحطات (أو المرافق والنقاط) ستبقى معنا لبعض الوقت، لذا فإن فنادق كثيرة تسعى إلى اعتماد منتجات أكثر تناسباً مع تصاميمها العامة وهويتها.
والأمر ذاته يسري على عناصر التدقيق، إذ إننا نشهد انبثاق تصاميم تدخل فيها عناصر صناعية وخشبية ونباتية ضمن الهوية العامة، كما يجري ابتكار أجهزة تدقيق وشاشات تناسب ذلك، وتجعل كل العناصر الموجودة متداخلة ومتناغمة في ما بينها ومع محيطها".
تدابير ووسائل تعقيم أكثر بروزاً
وسائل تعقيم اليدين والفواصل الزجاجية والأشخاص ليست العناصر الوحيدة التي برزت ضمن تدابير الأمان ضد كوفيد. فإلى هذه الإجراءات، بالنسبة إلى فنادق "هيلتون"، يضاف عمال النظافة.
وعن هذا الموضوع، يقول السيد كولس "في السابق، كانت عمليات التنظيف أموراً نحاول القيام بها تزامناً مع وجود ضيوف قلائل. الآن، ومن خلال تحوّل مهم، يجد الضيوف أنه من المطمئن أكثر معاينة فرق الخدمات والتنظيف وهي تقوم بمهماتها في أنحاء الفندق وتطبّق تدابير التنظيف الأكثر صرامة، المعتمدة في برنامجنا "هيلتون كلين ستاي" Hilton CleanStay. واليوم إذ يرغب الضيوف بمزيد من الشفافية، فإن الحدود بين واجهة الفندق وأعماقه ودواخله باتت أكثر اختلاطاً، وذاك أمر يريح الضيوف أكثر".
توسعة الفضاءات الخارجية والتمدد بها
سعى كثرٌ منّا إلى الفضاءات الخارجية باعتبارها نقيض الحجر والانعزال في المنزل. والرغبة تجاه تلك الفضاءات سرّعت جهود تأمينها وكانت الفنادق قد قامت بها سلفاً، بحسب السيد كولس.
والأمر الذي ساعد في تبلور المنحى المذكور، هو المقاربة المتسلسلة التي اعتمدتها إنجلترا في تطبيق تدابير مواجهة كورونا، إذ سُمح عبر تلك المقاربة بالتفاعل الاجتماعي بين سكان البيت الواحد في الفضاءات المفتوحة.
وقام سلفاً عدد من فروع "هيلتون" في لندن بتأمين فضاءات مفتوحة على الأسطح، وتلك فسحات شهدت الإقبال الأكبر في فروع الفندق عندما كان استخدامها مسموحاً السنة الماضية، حتى إن الفروع التي لا تتمتع بفسحات على الأسطح، أجرت بعض التعديلات لتأمين فضاءات خارجية لضيوفها، إذ ابتكر فندق "دابل تري" DoubleTree التابع لفندق "هيلتون هاروغايت ماجيستك هوتيل أند سبا" Hilton Harrogate Majestic Hotel & Spa، شرفة فسيحة خارجه لاستضافة عروض في الهواء الطلق خلال أشهر الصيف. والآن مع حلول الشتاء، عمدوا إلى تركيب خيمة "تي بي" (نمط خيمة سكان أميركا الأصليين المخروطية الشكل) وموقد نار ومقاعد موزعة على أساس التباعد الاجتماعي، وذلك لاستقبال الضيوف بمجرد أن تُرفع تدابير الإغلاق.
نشر الاخضرار والنبات في الخارج
أخيراً، فإننا قد نشهد المزيد من المساحات الخضراء خارج مباني الفنادق. وعن هذا، يشرح السيد كولس: "التصميم الحيوي، الذي يركّز على الطبيعة وعالمها، يشهد اليوم انتعاشاً". ويردف، "الزبائن المميزون ينجذبون اليوم إلى الأمكنة التي تؤمّن محيطاً غنياً بالضوء وحافلاً بالغطاء النباتي، والأهم من ذلك، في الوقت الحالي، الهواء الأنقى والإحساس الأعظم بالرحابة. بالتالي فإن هؤلاء ينجذبون إلى الفنادق التي تتداخل فيها الفضاءات الداخلية والخارجية".
© The Independent