الأطفال ليسوا بمأمن من الإصابة بكورونا، وكذلك الناجون من الفيروس، يبقون عرضة للإصابة من جديد. هذه الفرضية تؤكدها الوقائع في لبنان، بعد أن عجت طوارئ المستشفيات والبيوت بالمصابين، في وقت بدأ الحديث عن سلالة متحورة بنكهة لبنانية، وهو أمر تعوزه الدقة حتى الساعة، وينتظر الأبحاث المعمقة.
وكان بعض الدول قد بدأ في تشديد الإجراءات على العائدين من لبنان بسبب الانتشار المتسارع للفيروس، حيث بدأت ألمانيا اشتراط ألا يتعدى فحص الفيروس السلبي مدة 48ساعة من وقت أخذ العينة للفحص.
الإصابة من جديد
قصة عدنان مع فيروس كورونا تبدأ في يونيو (حزيران) الماضي مع بدء موسم صيف 2020، عندما أصيب للمرة الأولى، وفي ذلك الحين دخل مرحلة الحجر.
يؤكد الشاب العشريني أنه لم يحتج إلى دخول المستشفى، وأن الأعراض كانت خفيفة، وتمكن من تجاوزها بسرعة، وتعافى، لأنه لم يُعانِ جميع الأعراض.
يروي عدنان شاكر أنه خلال الأسبوع المنقضي من شهر يناير 2021 (كانون الثاني) عاودته نفس أعراض كورونا المتعارف عليها، ولكن هذه المرة كانت أشد وطأة. يقول "ليس صحيحاً أن الإصابة الثانية بكورونا قد تكون أقل تأثيراً. بالعكس، كانت شديدة هذه المرة". ويسير عدنان على طريق التعافي من الفيروس، ويقول إنه يستخدم نفس عقاقير الإصابة السابقة، حيث يستعين بفيتامين سي، وفيتامين دي، والزينك، والبنادول، عند ارتفاع الحرارة.
يعتقد محدثنا أن على الناس أخذ الاحتياطات باستمرار، ولذلك تشكل تجربته فرصة لتوعية باقي الناس بأن الإصابة بفيروس كورونا يمكن أن تفتك بالجسم للمرة الثانية إلى حين اكتساب المناعة تجاهه.
كل يوم اكتشاف جديد
مع كل يوم يعاين الأطباء أشكالاً جديدة من الإصابات، ويتعرف العالم أكثر فأكثر على الفيروس. ويؤكد شادي بشارة، المتخصص في الأمراض الوبائية، أن "الإصابة بفيروس كورونا ممكنة للمرة الثانية". ويعزو ذلك إلى عدة أسباب وعوامل، فمن ناحية أولى يمكن أن يصاب الناجي من كورونا للمرة الثانية إذا ما كانت إصابته في المرة الأولى بسيطة وخفيفة، فلا يكون جسمه كوّن المناعة الكافية، ولم ينتج الأجسام المضادة الكافية لمقاومة الفيروس من جديد. ومن ناحية أخرى، فإنه بعد خمسة أو ستة أشهر على الإصابة الأولى، يخف مستوى الأجسام المضادة التي أنتجها الجسم، لذلك نصبح أمام إمكانية الإصابة من جديد.
ويضيف "من أصيب للمرة الأولى بسلالة معينة من سلالات كورونا، يكون عرضة للإصابة بفيروس من سلالة أخرى مجدداً". وفي لبنان يشير إلى أننا أمام "أربع سلالات مؤكدة، وهي ذات المنشأ؛ الصيني، والياباني، والجنوب الأفريقي، وحديثاً البريطاني. أما الحديث عن نسخة جديدة للفيروس بهوية لبنانية، فهو أمر متحفظ عليه لدى الأطباء والباحثين، لأن هذا الأمر يحتاج إلى مختبرات ضخمة وعملاقة، وكذلك قاعدة بيانات كبيرة، والتعمق في سائر الإصابات الحادثة على الأراضي اللبنانية".
اللقاح يحتاج إلى تحديث مستمر
يفتح الحديث عن الإصابة مرة أخرى بفيروس كورونا الباب أمام السؤال عن جدوى اللقاح، ولذلك يؤكد طبيب الأمراض أن هناك تأكيدات من قبل شركة "فايزر" التي ستورد اللقاح إلى لبنان بأنه قادر بصيغته الحالية على مقاومة السلالات المتحورة القائمة. ويتوقع بشارة أن يتم تطوير اللقاح باستمرار على غرار "لقاح الأنفلونزا الموسمية" من أجل مواكبة التحورات المستمرة على الفيروس. وعليه، يحتاج المريض الذي لم يكتسب المناعة إلى أخذ اللقاح الجديد الملائم لكل عام.
يوضح بشارة "لا يصلح لقاح الأنفلونزا 2018، للمريض في الأنفلونزا الموسمية 2021، لأن الفيروس يكون قد تطور، وتقوم الشركات المنتجة بتكييفه مع الواقع المستجد"، إلا أن ذلك كله يتوقف على تطعيم شريحة كبيرة من المجتمع للتحقق من احتمالية انتقال العدوى إلى من تلقى اللقاح. ويشير بشارة إلى أن أفضل الدول اليوم لم تطعم أكثر من 15 في المئة من الكثافة السكانية، ولا بد من انتظار عمليات التطعيم.
ويتوقع الطبيب المتخصص استمرار كورونا إلى حين تطعيم 70 - 80في المئة من المواطنين لكي نصل إلى "مناعة القطيع"، وهذا يتطلب ما لا يقل عن ستة أشهر، لافتاً إلى أن "نحو 20 في المئة من سكان لبنان أصيبوا بكورونا، وقد نحتاج إلى تطعيم نحو 50 في المئة من السكان لبلوغ مناعة القطيع"، وبدء السيطرة على الجائحة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتستمر المخاوف من عدم تغطية اللقاحات المعتمدة للسلالات الجديدة، ولكن ذلك ما زال ضمن دائرة التكهنات، وليس من دليل يثبته. ويتوقع أن تصمد اللقاحات أمام التحديات المستجدة، لأنها تعتمد على "مرنا"، وهو عبارة عن رمز كود يُتيح لخلايا الجسم إنتاج بروتين مقاوم مشابه للبروتين الموجود على غلاف الفيروس، ويطور الجسد أجساماً مضادة لأي عدوى مستقبلية محتملة.
ويشير بعض الأوساط العلمية إلى أن التحورات الفيروسية قد تكون أحياناً سلالات حميدة، وعند سيطرتها يتم القضاء على المرض. وعلى سبيل المثال يحتمل أن اختفاء الحمى الإسبانية جاء بفعل تحور شهده الفيروس الفتاك، على الرغم من عدم وجود رعاية صحية ومعايير عالمية موحدة. ويتوقع إجراء المصانع تطويراً مستمراً للقاحات، عن طريق دراسة التحورات الممكنة ووضع لقاح ملائم لها، من خلال مراقبة التغيرات الطارئة على القسم الجنوبي للكرة الأرضية، وتطبيق المعايير على سكان القسم الشمالي، ولكن هذا الأمر تعوزه أبحاث إضافية، لأن التحورات قد تكون سريعة في حين أن الفترة الممكنة للرصد لا تتعدى الفصل الواحد، أي ثلاثة أشهر.
الأطفال ليسوا بمأمن
مع بدء جائحة "كوفيد– "19 تم التقليل من إمكانية إصابة الأطفال بالفيروس المستجد، لكن الوقائع التي حملتها الأيام الأخيرة تدعو إلى إعادة النظر في هذه المسألة، إذ يؤكد عديد من الأمهات ظهور أعراض "كوفيد-19" على أطفالهن الصغار، وتلفت سمر إلى أنه "عندما أصيبت هي وزوجها بكورونا، تعرض طفلاها لأعراض أنفلونزا شديدة"، وترجح أنهم كانوا السبب في إصابة الجد والجدة بالفيروس. وتكررت هذه الرواية على لسان أكثر من أم، حتى إن بعض العاملين في الحقل الصحي يؤكد أن بعض أطباء الأطفال عاينوا عدداً كبيراً من الأطفال المصابين بكورونا.
هذه الواقعة يؤكدها رئيس قسم العناية بالأطفال في مستشفى طرابلس الحكومي، حلمي شمروخ، الذي يجزم بثبوت إصابة الأطفال بالفيروس، حيث عاين ثلاثة أطفال على الأقل يحملون فيروس كورونا، ويبلغون من العمر 40 يوماً، طفلة في عمر عامين، وأخرى عمرها 3 أعوام.
الثقافة الخطرة
يطلب الطبيب شمروخ الالتزام بالتباعد الاجتماعي، لعدم خسارة الجد والجدة، محملاً الثقافة الاجتماعية مسؤولية انتشار العدوى في لبنان، لأن الجدة والجد لا يحتملان المسافة مع أطفالهما، ونستمر باستقبال الضيوف والعزائم، والحفلات والأعراس مستمرة على الرغم من قرارات الحجر الصحي. كما يعتبر أن ابتعاد المصاب عن الصغار والكبار بالسن ضرورة، بعد أن ثبتت إصابة الأطفال. وعليه، لا بد من اتخاذ إجراءات الوقاية لدى الأطفال، لكى لا ينشروا العدوى لدى كبار السن، وتستمر الجائحة في التوسع.
يحذر شمروخ من الاستهتار بحياة وصحة الغير، لأن فكرة أن 80 في المئة من المصابين لا يحتاجون إلى علاج مكثف، قادت إلى آثار سلبية جداً، بدأنا نراها في لبنان، فالمستشفيات امتلأت عن بكرة أبيها، وهناك تفلت كبير وعدم التزام بتدابير التعبئة العامة. وأمام الواقع الحالي لا بد من تشديد الإجراءات وقمع المخالفات لعدم وضعنا ضمن معادلة "البقاء للأقوى"، حيث يموت الضعيف، ويعيش القوي، بسبب عدم صرامة الدولة، وقلة الالتزام بإجراءات الوقاية.