خرق طلب المدعي العام السويسري مساعدة قضائية لتقفي أثر تحويلات صنّفت بالمشبوهة إلى سويسرا، جمود المشهد المالي اللبناني المتداعي تحت وطأة الأزمات المتتالية منذ أكثر من عام.
فالانهيار النقدي والمالي والاقتصادي والصحي، لم يثن الطبقة الحاكمة عن ممارسة أعمالها كالمعتاد. ونعني تحديداً الهدر والفساد وتسلّط السياسيين القائم على المحاصصة الطائفية، ما تسبب في تفاقم الأزمات.
فمنذ نحو 468 يومياً، فقد اللبنانيون حقهم بالوصول إلى ودائعهم في المصارف. ومنذ نحو 324 يوماً تخلف لبنان عن سداد ديونه من دون البدء حتى هذه اللحظة بأي اتفاقات جدية تعيد ضخ السيولة في شرايين الاقتصاد. ومنذ نحو 100 يوم كلف رئيس حكومة جديد غير قادر على إحداث أي خرق لتشكيل حكومة تنقذ اللبنانيين من خسائر تتعاظم كل يوم.
وفيما السلطة تأبى إقرار قانون لتقييد التحويلات المالية إلى الخارج تنقذ ما تبقى من عملة أجنبية في المصارف المحلية، تفاجأ اللبنانيون بما تسرب في شأن تلقي وزيرة العدل ماري كلود نجم طلب تعاون قضائي من المدعي العام السويسري عبر سفارة بلاده في لبنان، يتعلق بتقديم مساعدة قضائية حول ملف تحويلات مالية تخص حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة لتسلم الطلب إلى النائب العام التمييزي لإجراء المقتضى القانوني.
لتبدأ بعدها زوبعة من التأويلات الإعلامية والتوقعات والتحليلات التي تحدثت عن تحويل سلامة وأخيه ومساعدته ما يصل إلى 400 مليون دولار بشكل مشبوه من لبنان إلى سويسرا.
وبدأ الكلام عن أموال تعود إلى مسؤولين لبنانيين آخرين قد يطاولهم التحقيق.
السفارة السويسرية تنأى بنفسها
أكدت السفيرة السويسرية في لبنان مونيكا شموتز كيرغوتسكد لـ"اندبندنت عربية"، عدم علمها بمحتوى الرسالة التي تسلمتها من السلطات السويسرية. فهي نفذت مهمتها في تسليم الرسالة من دون الاطلاع عليها. ولفتت إلى أن كل ما يُحكى عن محتواها قد يكون غير دقيق. وشددت على أن السلطات السويسرية قد بدأت تحقيقات مالية في شأن تحويلات مالية بقيم كبيرة موضع شك.
وبحسب الأصول والقوانين ستبقى التحقيقات والملاحقات سرية لتفادي أي تأثيرات في المسار القضائي أو أي محاولة لتهريب الأموال من سويسرا.
نائب سويسري يفجر صاعقة تدين العديد
فجر النائب السويسري الاشتراكي فابيان مولينا والمتابع لملف التحويلات المالية من لبنان قنبلةً بعدما كشف أن الأموال التي وصلت إلى بلاده من لبنان عقب 2016 زادت على نحو 2.2 مليار دولار.
واعتبر مولينا أن هذه الزيادة تؤكد وجود تغيّر في العلاقات المصرفية بين لبنان وسويسرا. ونظراً لحجمها ستكون بالتأكيد مرتبطة بأشخاص عدة متمولين داخل لبنان ولو أن هذه الأموال لا تعتبر حتى اللحظة أموالاً غير شرعية وإنما أموال مشبوهة.
من هنا، يستنتج أن أسماء لمسؤولين أو متمولين أو سياسيين لبنانيين حولوا أموالاً طائلة خلال السنوات الأربع الماضية ستظهر في الفترة المقبلة، إضافة إلى اسم سلامة الذي سُرّب من أوساط وزيرة العدل اللبنانية.
وإذا صحت التوقعات بتحويل سلامة 400 مليون دولار، وفيما الأرقام المحقق بها تصل إلى 2.2 مليار دولار، فذلك يعني أن السلطات السويسرية ستحقق في حسابات أخرى تصل قيمتها إلى 1.8 مليار دولار.
رد مكتب المدعي العام السويسري
لم يرد مكتب المدعي العام السويسري على أسئلة "اندبندنت عربية"، في ما يتعلق بحجم الأموال المشبوهة قيد التحقيق، وإذا ما كان المحقق سيستدعي أشخاصاً لبنانيين آخرين غير حاكم المصرف المركزي. واكتفى مكتب المدعي العام السويسري (OAG) بالتأكيد أنه أُحيط علماً ببيان وزير العدل اللبناني الذي ورد في وسائل الإعلام في 19 يناير (كانون الثاني) 2021. بعدما أرسل عبر القنوات الرسمية طلب مساعدة قانونية متبادلة إلى السلطات المختصة في لبنان. ويأتي هذا الطلب في سياق تحقيق OAG بتهمة غسل الأموال المشدد (المادة 305 مكرر، الفقرة 2 من قانون العقوبات السويسري)، في ما يتعلق بالاختلاس المحتمل على حساب مصرف لبنان. وقال إنه لن يتم الإدلاء بأي تعليق آخر في الوقت الحاضر.
حاكم مصرف لبنان بتصرف القضاء السويسري
وضع حاكم مصرف لبنان نفسه بتصرف النائب العام السويسري. وصرح بعد لقائه مدعي عام التمييز اللبناني غسان عوديات أنه أجاب عن أسئلة عويدات، ولكن ليس كمشتبه به. وقال إنه قرر القبول بخيار الإجابة عن مزيد من الأسئلة للسلطات في سويسرا، كما تتيح له الاستنابة السويسرية، وأنه سيذهب إلى سويسرا ثم يكلف محامياً لمتابعة القضية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبيّن سلامة أنه أبلغ المدعي العام التمييزي بأنه "جاهز دائماً للإجابة عن أي أسئلة". ونفى حصول أي تحويلات من حسابات للبنك المركزي.
وأكد سلامة، في بيان، رداً على الإشاعات التي تحدثت عن تحويله 400 مليون دولار لحسابات تخص شقيقه ومساعدته، أن كل الأخبار والأرقام المتداولة مضخمة جداً ولا تمت إلى الواقع بصلة، وإنما تهدف بشكل ممنهج إلى ضرب صورة المصرف المركزي وحاكمه. واحتفظ بحق الملاحقة القانونية بوجه جميع الذين يصرون على نشر الإشاعات المغرضة والإساءات الشخصية.
تداعيات وارتدادات أبعد من شخص سلامة
ويرى المصرفي والاقتصادي نيكولا شيخاني أن تأثيرات شروع دولة تمثل مركزاً مالياً دولياً مهماً وجدياً بتحقيقات في ملف تبييض أموال محتمل للبنك المركزي، سيضرب سمعة لبنان المالية لسنوات.
ويتابع، "كما عند أي اشتباه بتبييض أموال، قامت السلطات السويسرية بإخطار البنوك المركزية البريطانية والفرنسية والأميركية ووحدات الامتثال في كل منها. ما سيجعل من هذه الدول ومصارفها حذرة في التعامل مع لبنان. فرفع سويسرا سيف الشك كفيل بضرب ما تبقى من ثقة وصدقية دولية في النظام المالي والقطاع المصرفي اللبناني".
يضيف، "ستطرح الجهات التنظيمية الدولية سؤالاً عن قدرة المصارف اللبنانية على تطبيق قواعد الامتثال لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. ومع ضياع الثقة سيحتاج لبنان إلى وقت طويل لاستعادتها وإقناع النظام المصرفي العالمي بقدرته على العمل بشفافية وضمن الأنظمة الدولية الإلزامية".
ويحذّر شيخاني من أن "الأخطر هو تهديد المفاوضات مع صندوق النقد الدولي التي تشكل الفرصة الأخيرة لخروج لبنان من أزمته المالية. فإذا كان المصرف المركزي متهماً بتبييض الأموال، ستمتنع مؤسسات دولية كصندوق النقد الدولي أو البنك الدولي عن تحويل الأموال إلى مؤسسة غير ملتزمة. بالتالي، سيتعذر على الصندوق القيام بمبادلات مالية مع نظام غير موثوق وموضع شك عالمي".
وإلى تضرر النظام المالي، سيعاني لبنان من ازدياد الضغوط الاقتصادية، علماً أن لبنان سجل انكماشاً اقتصادياً حاداً في السنتين الماضيتين. وتشير التوقعات إلى أن الانكماش سيستمر ولو بوتيرة أبطأ خلال عام 2021.
فإلى المصارف العالمية، سيهجر المستثمرون لبنان على اعتبار أن نظامه المالي مشبوه. ما ينعكس تراجعاً في التدفقات المالية والنشاط الاقتصادي المحتمل في قطاعاته على اختلافها.
من هنا، رفع سيف الشك قد تكون له تأثيرات تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية.
ويختم شيخاني أن على لبنان الدخول فوراً في مفاوضات مع صندوق النقد، وتطمين المؤسسة الدولية والمجتمع المالي الدولي إلى أن نظامه شفاف وغير مسهلٍ لتبييض الأموال.
فمن شأن التعامل مع صندوق النقد حالياً أن يرمم الثقة الضائعة عبر إدخال أموال في النظام المصرفي والمالي اللبناني.
ويتوقع شيخاني أن تؤثر سمعة لبنان السيئة في التفاوض مع الدائنين الدوليين الذين لم يبادر بالتفاوض معهم بعد 10 أشهر على التخلف عن سداد ديونه.