في الوقت الذي تستعد لجان الحوار السياسي الليبي لجولة جديدة في مفاوضاتها الشاقة، الخاصة بتشكيل الهيكلة التنفيذية، وانتخاب قادتها من بين المرشحين الذين تقدموا لها، في جلسات حاسمة تنطلق بداية الشهر المقبل، وتستمر حتى الخامس منه، أحيت تطورات جديدة الشكوك في صمود اتفاق الهدنة العسكرية، الذي مهد الطريق لكل النجاحات المحرزة في المسارات الأخرى، وتفاهمات لجان الحوار فيها.
تزامنت هذه التطورات العسكرية مع دعوات دولية صريحة ومتزامنة لخروج كل القوات الأجنبية من الأراضي الليبية، في أقرب وقت، كان أبرزها تلك التي صدرت عن الأمم والولايات المتحدة، في أول موقف رسمي من إدارتها الجديدة تجاه الملف الليبي.
ومع تجدد التصعيد والمخالفات في المسار العسكري، وتبادل سهام الاتهام حولها بين ضفتي النزاع شرقاً وغرباً، عاد السؤال التالي إلى الواجهة، هل تنجح التفاهمات السياسية في نزع فتيل الحرب بشكل نهائي، وتنقل البلاد إلى مرحلة الاستقرار التي طال انتظارها، أم تنسف ضغطة زناد في جبهات القتال كل شيء، وتعيد الأزمة إلى المربع الأول؟
خرق للهدنة واتهامات خطرة
أثار بيانان صدرا يومي الخميس والجمعة عن قيادة الجيش الوطني الليبي في بنغازي مخاوف جديدة من انهيار الهدنة العسكرية واتفاق وقف إطلاق النار في أي وقت بعد أشهر من صمت السلاح واقتراب لجان التفاوض من اتفاق كامل ينهي الأزمة في البلاد، التي دخلت عامها العاشر.
وفي البيان الأول، الذي صدر مساء الخميس الماضي، أعلن الناطق باسم الجيش الوطني، اللواء أحمد المسماري، رصد انتهاك طائرة أجنبية مسيرة للأجواء في منطقة هراوة، شرق سرت، في صباح اليوم ذاته.
وأضاف أن "وحدات الإنذار المبكر والاستطلاع التابعة لقوات الدفاع الجوي رصدت الطائرة المسيرة"، دون أن يحدد هويتها ولمن تتبع، واصفاً هذا العمل بـ"المعادي"، معتبراً أنه "يتناقض مع بيان سابق للقيادة العامة للقوات المسلحة، وشددت فيه على ضرورة احترام الأجواء الليبية، وعدم الدخول إليها إلا بعد التنسيق معها".
ونسب المسماري هذه الأعمال، التي وصفها بـ"المستفزة" إلى "أطراف تسعى لإحباط التسوية السياسية، التي تعمل عليها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، والبلدان الشقيقة والصديقة، وتحاول عرقلة نتائج اجتماعات اللجنة العسكرية المشتركة "5+5"، وتسعى لدفع للقوات المسلحة إلى رد فعل على هذا الانتهاك لوقف إطلاق النار". وجدد في ختام البيان "التزام القيادة العامة للجيش بوقف لإطلاق النار، والانصياع لجميع متطلبات العملية السياسية السلمية".
وفي الوقت الذي كان فيه الجميع في ليبيا يترقب رد حكومة الوفاق على اتهامات الجيش لها بخرق وقف إطلاق النار، أطلق المسماري في اليوم التالي اتهامات أخطر لجهات عسكرية وأمنية تابعة لسلطات طرابلس، قائلاً، إن "استخبارات الجيش حصلت على معلومات موثوقة، تفيد بتخطيط ميليشيات في طرابلس لتفجير مقار عامة وخاصة، منها مقر بعثة الأمم المتحدة في طرابلس بحي جنزور، وإلصاق التهمة بالقيادة العامة للجيش، باستخدام شعاراتها وصور قائدها العام وبعض رموز القيادة من الضباط أثناء تنفيذ العملية".
ودعا المسماري "أهالي طرابلس ومؤسسات الدولة لاتخاذ جميع التدابير لمنع وقوع هذه الجرائم، التي تهدد كيانات الدولة والمواطنين عامة"، قائلاً، إن "مسؤولية مكافحة هذه الجرائم تقع أيضاً على عاتق كل المنخرطين في الحوار السياسي من كيانات وأفراد"، حسب قوله، مشيراً إلى هناك أن من نعتها بـ"الميليشيات التكفيرية المتطرفة والإجرامية، وأنها لن تتوقف عن محاولاتها لعرقلة التسوية السلمية للأزمة الليبية، لقناعتهم بأن السلام يعني نهايتهم على كل المستويات، وأنهم خارج الحسابات في أي تسوية مستقبلية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
جولة الحسم بالمسار السياسي
في المسار السياسي، تواصل لجان الحوار سباقها مع الزمن، لتشكيل الهيكلة التنفيذية، التي تتسلم إدارة البلاد حتى نهاية العام الحالي، وبدأت تضع اللمسات الأخيرة، قبل انطلاق جولة الحسم لاختيار من يقود الحكومة الموحدة والمجلس الرئاسي الجديد، من بين الأسماء التي رشحت لهذه المناصب.
ومع اقتراب الجولة المرتقبة لحسم هذا الملف، التي تنطلق الأحد، أكدت أسماء جديدة خوضها السباق للفوز بالمناصب التنفيذية يتقدمها محمد البرغثي، سفير ليبيا بالأردن منذ عهد القذافي، وحتى الآن، الذي سيدخل المنافسة على منصب رئيس المجلس الرئاسي، الذي تأكد منحه لإقليم برقة شرق البلاد، ومعين الكيخيا الذي يسعى لحقيبة رئيس الوزراء، في الحكومة الموحدة الجديدة.
وسيدخل البرغثي منافسة شرسة مع رئيس مجلس النواب الحالي عقيلة صالح، وعضو المؤتمر الوطني السابق الشريف الوافي، لخلافة فايز السراج في رئاسة المجلس الرئاسي مع بعض الأسماء الأخرى، التي تبدو أقل حظاً للفوز في هذا السباق. وبينما تبدو مهمة معين الكيخيا أصعب لانتزاع منصب رئيس الحكومة من عدة مرشحين، تبدو فرصهم وتحالفاتهم ونفوذهم أكبر في غرب البلاد، يتقدمهم وزير الداخلية الحالي فتحي باشا آغا، ونائب رئيس المجلس الرئاسي أحمد معيتيق.
لجنة ثلاثية
من جانبها، أعلنت البعثة الأممية في ليبيا تكليف لجنة من ثلاثة أعضاء بملتقى الحوار السياسي بالتحقق من توافق المرشحين للسلطة الجديدة مع الشروط المعلنة.
وقالت البعثة الأممية في بيان، إن "اللجنة ستتولى جمع القوائم النهائية لمرشحي المجلس الرئاسي، والمرشحين إلى منصب رئيس الوزراء والتدقيق فيها".
وأوضحت البعثة، أن "جلسات ملتقى الحوار السياسي الليبي في جنيف، ستبدأ في الأول من فبراير (شباط) وحتى الخامس منه، تحت إشراف المبعوثة الأممية إلى ليبيا بالإنابة، ستيفاني ويليامز للاختيار من بين المرشحين للمناصب في المجلس الرئاسي ورئاسة الوزراء، وفقاً لخريطة الطريق التي اعتمدها الملتقى في تونس منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي".
موسكو تجمع الأفرقاء الليبيين
في سياق آخر، استضافت موسكو في وقت متزامن وزير الخارجية في الحكومة الليبية المؤقتة، عبد الهادي الحويج، ونائب رئيس المجلس الرئاسي، أحمد معيتيق، اللذين التقيا عدداً من المسؤولين الكبار في روسيا، يتقدمهم وزير الخارجية، سيرغي لافروف، ونائبه ميخائيل بوغدانوف.
وجاءت هذه الزيارات بعد يوم واحد من دعوات وجهتها الإدارة الأميركية الجديدة ومجلس الأمن لخروج القوات الروسية والتركية من ليبيا، ما دعا موسكو إلى تجديد نفيها لوجود أي قوات تابعة لها داخل الأراضي الليبية.
واستعرضت هذه اللقاءات، حسب بيانات الخارجية الروسية، التطورات الأخيرة على الساحة الليبية، ومستجدات الحوار السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة، واتفاق اللجنة العسكرية "5+5"، وأبدت الأطراف الثلاثة دعمها جهود هذه اللجان للوصول إلى تسوية سلمية للأزمة الليبية.
وكانت مصادر ليبية قد تحدثت عن دور رئيس لموسكو فيما عرف في ليبيا باسم "الاتفاق النفطي"، الذي تم بين أحمد معيتيق وقائد الجيش الوطني شرق ليبيا المشير خليفة حفتر، وكان اللبنة الأولى في سلسلة التفاهمات الليبية التي تمت بعد ذلك، في أكثر من مسار سياسي واقتصادي وعسكري، وأشارت إلى رغبة روسية في لعب دور بارز في رسم خريطة الحل السياسي في ليبيا، مستفيدة من تقاربها الذي بات واضحاً مع معيتيق، إضافة إلى علاقتها المعروفة بقيادة الجيش في بنغازي.