ملخص
تحت الضربات المتتالية من الرئيس الأميركي دونالد ترمب وإدارته يدرك حلف شمال الأطلسي الذي يعود تأسيسه لأكثر من 75 عاماً أنه يتحتم عليه إحداث تغيير سريع في بنيته.
تهز الهجمات الأميركية الشديدة اللهجة على دول حلف شمال الأطلسي الأوروبية أسس "ناتو"، ولو أنه يجد صعوبة قصوى في تصور مستقبل له من دون الولايات المتحدة.
وتحت الضربات المتتالية من الرئيس الأميركي دونالد ترمب وإدارته، يدرك الحلف الذي يعود تأسيسه لأكثر من 75 عاماً أنه يتحتم عليه إحداث تغيير سريع في بنيته.
وقال دبلوماسي طلب عدم الكشف عن اسمه إن عدائية الإدارة الأميركية الجديدة تشكل "صدمة" للحلف، لكن هل يحصل التغيير المطلوب مع الولايات المتحدة أو من دونها؟ هذا هو السؤال المقلق الذي يتردد في أروقة الحلف ببروكسل.
ولخص دبلوماسي آخر طلب عدم الكشف عن هويته أيضاً لحساسية الموضوع بالقول "نعرف الوجهة، حيز أصغر للولايات المتحدة وحيز أكبر لأوروبا"، غير أن أسئلة عدة تبقى عالقة.
ويهاجم ترمب منذ شهرين كندا التي دعا إلى ضمها لتصبح الولاية الأميركية الـ51، والدنمارك التي يطالب بالسيطرة على منطقة شاسعة تابعة لها هي غرينلاند.
ولم يخفِ عدد من المسؤولين الأميركيين وفي طليعتهم نائب الرئيس جي دي فانس ازدراءهم للأوروبيين الذين يصفونهم بأنهم "استغلاليون" ويتهمونهم بعدم دفع المساهمات المستحقة عليهم في الحلف.
وقال دبلوماسي إنه منذ عودة دونالد ترمب للبيت الأبيض في الـ20 من يناير (كانون الثاني) الماضي "يتراجع التفاؤل"، مضيفاً أن "الولايات المتحدة لم تتخذ بعد قرارات عملية، لكن يبدو أن كل يوم يحمل ضربة جديدة لأسس الحلف".
وعرض المساعد السابق للأمين العام للحلف والباحث في "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية" كاميل غران ثلاثة سيناريوهات محتملة.
وذكر أولاً سيناريو الانتقال المنتظم، فيتخلى الأميركيون عن التزامهم إثر مفاوضات تعطي الأوروبيين مهلة من الوقت للاستعداد لذلك، موضحاً في مقابلة أجرتها معه وكالة الصحافة الفرنسية أن "هذا يسمح بتفادي انعدام اليقين".
وهناك ثانياً سيناريو الانتقال "الفوضوي"، إذ تبقي الولايات المتحدة على عضويتها في الحلف، ولا سيما في ما يتعلق بالردع النووي، غير أنها تتخلى عن التزاماتها بالنسبة إلى القوات التقليدية، مما تحدث عنه وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث.
وفي هذه الحال يرى غران أن الانسحاب سيجري "وفق نمط أزمة" مع ورود "تهديدات وإعلانات فوضوية"، مشيراً إلى أن "هذا هو السيناريو المهيمن" اليوم.
وهناك أخيراً سيناريو يشكل كابوساً لكثير من الحلفاء الأوروبيين، ولا سيما دول أوروبا الوسطى والشرقية، وهو انسحاب "بحكم الواقع أو بحسب القانون"، فلا تنسحب الولايات المتحدة رسمياً بالضرورة لكنها "لا تعود مهتمة" بالدفاع عن القارة.
وبعدما هدد ترمب مراراً الأوروبيين الذين لا يرصدون نفقات عسكرية مناسبة، بات يطالب الدول الأوروبية كما كندا بتخصيص ما لا يقل عن خمسة في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي للنفقات الدفاعية في إطار الحلف.
وتمثل هذه النسبة عتبة عالية جداً لبعض الدول مثل إيطاليا وإسبانيا التي لا يصل إنفاقها العسكري حالياً إلى نسبة اثنين في المئة، غير أن الجميع يدرك أنه يتحتم عليهم "إعلان" تدابير خلال قمة "ناتو" المقرر عقدها في يونيو (حزيران) المقبل في لاهاي، بحسب ما أوضح دبلوماسي.
وكشف دبلوماسي آخر أن الأمين العام للحلف مارك روته ذكر أمام الحلفاء نسبة تراوح ما بين 3.5 و3.7 في المئة، مضيفاً أن هذا سيكون أمراً صعباً لكنها "مسألة أولويات" للإنفاق الوطني، وفي مطلق الأحوال لا أحد يثق حتى الآن بأن هذا الرقم سيكون كافياً لترمب.
في هذه الأثناء يتساءل كثير من الأشخاص في بروكسل والعواصم الأوروبية عن معالم "ما بعد" الولايات المتحدة، وقال المتحدث السابق باسم الحلف والخبير لدى مركز "تشاتام هاوس" للدراسات جايمي شيه "علمنا أنه سيأتي وقت تنسحب أميركا بطريقة ما وتضطر أوروبا إلى بذل مزيد من الجهود".
وحذر كاميل غران من أن المهلة الزمنية ضيقة جداً، فأمام الأوروبيين "خمسة أعوام" لتشكيل قوة رادعة بوجه التهديد الروسي، موضحاً أن تقديراته تستند إلى المهلة التي تحتاج إليها روسيا بحسب عدد من أجهزة الاستخبارات لإعادة بناء جيشها واكتساب قدرة على تهديد دولة من أعضاء الحلف الأطلسي.
وبحسب غران، فإن الأوروبيين قادرون على تحقيق ذلك، حتى لو أنه سيتحتم عليهم القيام باستثمار ضخم للتعويض عن المساهمة الأميركية على صعيد الاستخبارات والأقمار الاصطناعية واللوجستية، وقال "ليس هناك ما يحول دون أن يكون بمقدور 500 مليون أوروبي ردع 140 مليون روسي".
لكن بلداناً عدة تشك بذلك، إذ قال دبلوماسي أوروبي في "ناتو" بهذا الصدد إن "الولايات المتحدة لا تزال تؤدي دوراً لا غنى عنه لتوفير ردع ذي مصداقية".