قوبلت تعديلات حكومية مقترحة على قانون النزاهة ومكافحة الفساد في الأردن باعتراض شعبي وقانوني، باعتبارها قيداً جديداً يُضاف إلى قائمة القوانين التي تحد من حرية التعبير في البلاد. فإلى جانب قانون العقوبات، وقانون المطبوعات، وقانون الجرائم الإلكترونية، وقانون الإعلام المرئي والمسموع، تتيح تعديلات قانون النزاهة الجديدة، حبس أي مواطن أردني واتهامه بالفساد لمجرد تدوله اتهامات تشكك في نزاهة الآخرين.
ويرى مراقبون أن من شأن هذه التعديلات، ترويع الأردنيين وحضهم على عدم التبليغ عن قضايا الفساد، خشية التحول إلى متهمين، كما أن من شأنها منع وسائل الإعلام من تداول المعلومات المتعلقة بالفساد خشية الملاحقة القضائية.
وكانت الحكومة الأردنية السابقة أقرت مشروع قانون معدل لقانون النزاهة في يونيو (حزيران) من عام 2020، تمهيداً لإحالته إلى مجلس النواب لإقراره.
اغتيال الشخصية
ورأى المستشار القانوني السابق لرئيس الوزراء الأردني المحامي محمد قطيشات، أن "التعديلات المقترحة من قبل الحكومة على قانون النزاهة ومكافحة الفساد تشكل مخالفة صريحة للدستور، كما أنها ستزيد من القيود المفروضة على حرية الإعلام".
وعبر قطيشات عن اعتقاده بأن "النص الذي يتحدث عن اغتيال الشخصية، يشكل قيداً على حرية الرأي والتعبير، إلى جانب عشرات التشريعات التي يحاكَم الأردنيون بموجبها وتتعلق بالحريات". وأضاف أن "كل الاتفاقيات الدولية التي تعنى بمكافحة الفساد لا تَعتبِر انتهاك حق السمعة أو حق الخصوصية من ضمن الحقوق التي تجب حمايتها بتشريعات مكافحة الفساد، لأن هذه التشريعات ليست مكاناً لتجريم أفعال الذم والقدح والإساءة إلى السمعه، التي تعاقب عليها تشريعات أخرى مثل قانون العقوبات"، معتبراً أن "مصطلح اغتيال الشخصية مصطلح غير قانوني بل أقرب ما يكون إلى السياسي".
معارضة واسعة
ولقيت التعديلات على قانون النزاهة ومكافحة الفساد معارضة واسعة من قبل المنظمات الحقوقية ومؤسسات المجتمع الأردني، من بينها "مركز حماية الصحافيين" الذي عبر مديره التنفيذي نضال منصور عن خشيته من "مس هذه التعديلات بحرية الإعلام والحد من قدرته على كشف قضايا الفساد". وقصد منصور تحديداً بكلامه النص الذي يتحدث عن "نشر المعلومات الكاذبة بحق أي شخص بقصد تحقيق منافع شخصية أو اغتيال شخصية أو التأثير على مصداقيته أو الإضرار بسمعته واستغلال النفوذ من جرائم الفساد".
وأكد على ضرورة "توخي وسائل الإعلام المصداقية في تغطية قضايا الفساد"، معبراً في الوقت ذاته عن عدم فهمه سبب إقحام هذا النص المعدِّل للقانون، بخاصة وأن هناك قوانين أخرى تجرم نشر المعلومات الكاذبة والقدح والذم، ما يربك الإعلاميين والصحافيين أمام تعدد العقوبات ويزيد من القيود المفروضة عليهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الحكومة تبرر
لكن رئيس هيئة النزاهة ومكافحة الفساد مهند حجازي رد على الانتقادات بالقول، إن "الهيئة تعمل على ضمان تعديل التشريعات وتحصينها من الثغرات التي قد تشكل مدخلاً للفساد"، مؤكداً أن "التعديلات التي أُدخِلت على مشروع قانون الهيئة تعزز من استقلاليتها وقدرتها على صيانة المال العام والمحافظة عليه من أي تجاوزات".
وتابع حجازي أن "التعديلات الجديدة تعالج قضية نشر المعلومات الكاذبة، وتشويه سمعة الأشخاص، واستغلال النفوذ في جرائم الفساد"، مشيراً إلى أن "التعديلات منحت الهيئة صلاحية إجراء التحقيق في جرائم غسل الأموال الناجمة عن جرائم الفساد، ومنحتها حق عقد المصالحات مع مرتكب أي من جرائم الفساد إذا أعاد الأموال التي حصل عليها أو أجرى تسوية عليها وفقاً لأحكام قانون الجرائم الاقتصادية".
من جهته، برر رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة التعديلات بـ"المزيد من الاستقلالية المالية والإدارية للهيئة، ما يمكنها من أداء واجباتها ويعزز قدراتها في ملاحقة قضايا الفساد".
ويشكو مسؤولون أردنيون ووزراء سابقون وحاليون من ارتفاع منسوب الاتهامات بالفساد بحقهم على وسائل التواصل الاجتماعي من قبل مواطنين دون أدلة أو إثباتات.
أبرز قضايا الفساد
ووفقاً لمنظمة الشفافية الدولية، حل الأردن في المرتبة 60 عالمياً من بين 180 دولة في عام 2020. ويظهر التقرير السنوي لهيئة مكافحة الفساد لعام 2019 انخفاض عدد الشكاوى والإخبارات الواردة للهيئة بمقدار ثمانية في المئة مقارنةً مع عام 2018، بينما ارتفع في عام 2019 عدد ملفات التحقيق التي أحالتها الهيئة إلى الادعاء العام.
ويعكس انخفاض الشكاوى بحسب مراقبين، تراجع ثقة المواطنين بمؤسسات الدولة وأجهزتها الرقابية، لكن الهيئة قالت، إن أبرز القضايا التي تعاملت معها خلال عام 2019 كانت تجاوزات مالية وإدارية وقضايا تزوير ورشوة.
واحتلت وزارة الإدارة المحلية وأمانة عمّان الكبرى الصدارة في سلم المؤسسات التي تشوب عملها شبهات الفساد، تلتها وزارات الأشغال العامة والإسكان والصحة والعمل والنقل.
وكان ملك الأردن عبد الله الثاني طالب في عام 2019 الحكومة بـ"كسر ظهر الفساد"، في إشارة إلى حجم استشراء هذه الظاهرة التي باتت تؤرق الأردنيين.
وتبرز قضية وليد الكردي المقيم في لندن منذ سنوات، الذي ارتبط اسمه بما يعرف بـ"قضية الفوسفات"، إضافة إلى عوني مطيع، أبرز المتورطين في قضية "الدخان"، وقضية فساد "مصفاة النفط" باعتبارها أكبر وأهم قضايا الفساد التي هزت الشارع الأردني.