أشعلت عودة المعارض الروسي أليكسي نافالني إلى بلاده أوار السجال بين موسكو والغرب مجدداً، في حين أنه لم ينطفئ أصلاً. لكن تراشق الأطراف المتفاعلة مع المشهد بأقصى ما يتيحه القاموس من المفردات المشحونة بذخيرة الغضب، يوحي بأن الجميع بات في مأزق ربما يستدعى مبارزة بين أقوى رجلين في العالم، بايدن وبوتين، تعيد الأمور إلى نصابها.
وفي حين وظّف نافالني مصطلحات نابية لإهانة غريمه الرئيس وزرع الألغام بين الضفتيين، أكرمه أنصاره الأوروبيون بأوصاف "الشجاعة" و"النزاهة"، مما أحوج الكرملين إلى التصعيد من لهجته، وتحذير أوروبا من "الاستفزاز" والذهاب بعيداً في ارتكاب "حماقة"، من قبيل وضع علاقاته في كفة وقضية أليكسي في الكفة المقابلة.
10 آلاف معتقل في "ظروف رهيبة"
وهكذا قال الكرملين اليوم الأربعاء 3 فبراير (شباط)، إن رد الشرطة الروسية الحازم على الاحتجاجات المؤيدة للمعارض المسجون "مبرّر" لأنها تشكل تهديداً. وجدد المتحدث باسم الكرملين ديميتري بيسكوف تأكيد أن "الدعوات إلى التحرك غير المرخص تشكل استفزازاً، والشرطة ردت بشكل حازم بسبب التهديدات المحتملة"، معرباً عن ارتياحه للتحرك الحازم للقوى الأمنية، غداة تجمعات أدت إلى توقيف أكثر من 1400 شخص، فيما أفادت منظمة "أو.في.دي.إنفو" غير الحكومية المتخصصة، بتوقيف أكثر من 10 آلاف شخص في روسيا منذ بدء حركة الاحتجاج المؤيدة للمعارض أليكسي نافالني في الـ 23 من يناير (كانون الثاني) الماضي، منددة الأربعاء بالمعاملة المذلة التي يلقاها الموقوفون.
وقال المسؤول في المنظمة، غريغوري دورنوفو، لإذاعة صدى موسكو، إن عدداً من المتظاهرين ظلوا مكدسين داخل حافلات "في ظروف رهيبة وخانقة من دون طعام، أو التمكن من الذهاب إلى المرحاض لساعات طويلة".
وأضاف، "من الصعب جداً على المحامين والخبراء القانونيين الوصول إلى مراكز الشرطة، لا يدعون أحداً يدخل، لقد أصبح هذا الأمر منهجياً".
نذر توتر مقبل
وتحدثت كثير من المنشورات عبر مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الروسية المستقلة عن الظروف الصعبة التي يُعتقل فيها المتظاهرون.
وقال أحدهم في مقطع فيديو على "إنستغرام" نشرته شبكة تلفزيون "دوجد" الثلاثاء، "لقد مرّت أكثر من 40 ساعة منذ توقيفنا، لم نتلق عملياً أي طعام. في الساعات التسع الماضية كنا في حافلة وأجبرنا على البقاء واقفين. لا نستطيع التحرك وليس لدينا ماء ولا يسمحون لنا بالذهاب إلى المرحاض"، مؤكداً أن العشرات من سيارات الشرطة مليئة بالمحتجين.
وتستخدم السلطات أساليب أخرى لردع الروس عن المشاركة في الاحتجاجات المؤيدة لنافالني وفقاً لـ "وكالة الصحافة الفرنسية"، فقد أكد رئيس لجنة التحقيق ألكسندر باستريكين الثلاثاء الماضي أنه سيتم التحقق مما إذا كان الرجال الذين أُوقفوا أدوا خدمتهم العسكرية، وهي إلزامية في روسيا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأثار اعتقال وإدانة أليكسي نافالني، وكذلك قمع الاحتجاجات المطالبة بالإفراج عنه، موجة احتجاجات دولية وعدداً من الإدانات حول العالم، مما ينذر بتوترات جديدة بين روسيا والغرب، فيما ترفض موسكو هذه الانتقادات.
ومن بين تلك النذر إعلان الحكومة الألمانية اليوم الأربعاء أن فرض عقوبات جديدة من قبل الاتحاد الأوروبي على روسيا بعد سجن المعارض أليكسي نافالني "غير مستبعد"، على أن ألمانيا من بين أكثر دول أوروبا اهتماماً بالإبقاء على الحد الأدنى من خيط الود ممدوداً مع موسكو.
وقال المتحدث باسم الحكومة ستيفن شيبرت، خلال مؤتمر صحافي، "بعد هذا الحكم ستكون هناك محادثات في إطار شركاء من الاتحاد الأوروبي، وفرض عقوبات جديدة غير مستبعد"، لكنه أوضح أن أعمال خط أنبوب الغاز المثير للجدل "نوردستريم 2" بين بلاده وروسيا ستتواصل.
سجن مع وقف التنفيذ أصبح نافذاً
وكانت محكمة في موسكو قضت الثلاثاء 2 فبراير (شباط) بالحبس نحو ثلاث سنوات على أليكسي نافالني، أبرز خصوم الرئيس فلاديمير بوتين، في حكم ندّدت به دول غربية عدة، ودفع حشوداً من أنصار المعارض للنزول إلى الشارع للاحتجاج، قبل أن تقمعهم قوات الأمن وتعتقل المئات منهم.
وينص القرار القضائي على تطبيق حكم بالحبس ثلاثة أعوام ونصف عام، كان صدر مع وقف التنفيذ العام 2014، بحق نافالني (44 عاماً) الناشط في مكافحة الفساد، والذي اتّهم الكرملين بتسميمه العام الماضي.
وعليه تالياً أن يُمضي عامين ونصف العام في السجن، وفق منظمته، صندوق مكافحة الفساد، التي دعت إلى تظاهرة فورية في موسكو، علماً أن القرار يحذف من العقوبة الأشهر التي أمضاها في الإقامة الجبرية ذلك العام.
ومن المرجّح أن يفاقم الحكم القضائي التوترات مع الغرب الذي يطالب بإطلاق المعارض الروسي.
وأمرت القاضية ناتاليا ريبنيكوفا بتحويل حكم صادر العام 2014 مع وقف التنفيذ يدين نافالني بالاحتيال، إلى حكم مبرم بالحبس، وفق مراسل لـ "وكالة الصحافة الفرنسية" حضر جلسة المحاكمة.
واعتبرت المحكمة أن المعارض انتهك شروط المراقبة القضائية التي أرفقت بعقوبته، وهو الأمر الذي تمت الإشارة إليه أيضاً في طلبي مصلحة السجون والنيابة، وعقوبة السجن هذه هي الأطول بحق نافالني، إذ إن العقوبات السابقة ضده لم تتجاوز أياماً أو أسابيع.
الغرض "إخافة الملايين"
وكان نافالني اتّهم خلال الجلسة الرئيس الروسي بمحاولة ترهيب معارضيه، وكرر بانفعال أمام المحكمة اتهامات بأن السلطات حاولت أن تقتله بغاز الأعصاب "نوفيتشوك" الصيف الماضي، وسخر من بوتين على خلفية مزاعم بأن السم دس في ملابسه الداخلية. وقال نافالني، "يضعون شخصاً خلف القضبان لإخافة الملايين".
ورأى أن بوتين يريد أن يُنظر إليه كزعيم عالمي عظيم وشخصية تاريخية، لكن بدلا من ذلك "سيذكره التاريخ على أنه مسمّم السراويل الداخلية".
نافالني الذي تحدى الرئيس بوتين بعودته إلى روسيا على الرغم من سجله السياسي ضده، أوقع الأوروبيين أيضاً في حرج، إذ جعلهم أمام الأمر الواقع مع الأميركيين، فإما أن يدافعوا عنه ويواجهوا غريمه بوتين، أو ينكشف ألا قِبل لهم بمواجهة الكرملين، وهو ما لا يريد الغربيون الإقرار به، خصوصاً جو بايدن، الذي يحاول محو ما قال إن ترمب ألصقه بالصورة الأميركية من عار، وعلى رأسه التهاون مع التدخلات الروسية في شأن الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين.
هل تقنع جملة من التغريدات بوتين؟
في السياق، ندد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالحكم الصادر في حق المعارض الروسي، وطالب بـ "الإفراج عنه فوراً"، وكتب ماكرون على "تويتر" أن "إدانة أليكسي نافالني مرفوضة. الخلاف السياسي لم يكن يوماً جريمة. ندعو إلى الإفراج عنه فوراً. إن احترام الحقوق الإنسانية على غرار الحرية الديموقراطية غير قابل للتفاوض"، ليعيد ماكرون لاحقا نشر التغريدة نفسها بالروسية.
ويتقاطع موقفه مع مواقف قادة أوروبيين آخرين طالبوا بالإفراج الفوري عن نافالني، بعد إدانته أمام محكمة في موسكو.
ويتوقع أن يحمل وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل هذا الموقف إلى روسيا التي يصل إليها مساء الخميس، في زيارة تستمر يومين حتى السادس من فبراير.
بدورها، طالبت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بالإفراج فوراً عن نافالني، ووضع حدّ لقمع التظاهرات التي تنظمها المعارضة الروسية.
وكتبت المستشارة عبر "تويتر" تغريدة نشرها المتحدث باسمها شتيفن سايبرت، أن "الحكم بحق أليكسي نافالني بعيد جداً من قواعد دولة القانون. ينبغي الإفراج عن نافالني فوراً. إن العنف ضد متظاهرين سلميين يجب أن يتوقف".
"جُبن محض"
كما طالبت بريطانيا بـ "الإفراج فوراً ومن دون شروط" عن نافالني، منددة بالقرار القضائي "الجبان" و"المنحرف".
وقال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون في تغريدة له إن "قرار أليكسي نافالني العودة إلى روسيا بعد تسميمه كان حقاً عملاً شجاعاً ونزيهاً".
وأضاف أن "القرار الذي أصدرته المحكمة اليوم هو جُبن محض ولا يستوفي أبسط معايير العدالة"، مشدداً على وجوب "إطلاق خصم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الفور".
وتخلّى مجلس الأمن الدولي عن مساع لعقد اجتماع غير رسمي هذا الأسبوع حول قضية نافالني، وفق ما أعلن مسؤولون أمس الثلاثاء.
وفيما لم يتول أي منصب رسمي بالانتخاب، عُرف نافالني بتحقيقه في قضايا فساد وبالكشف عن نمط حياة نخبة الأثرياء الروس، وبعد يومين من توقيفه الشهر الماضي، نشر فريقه تحقيقاً استقصائياً حول عقار فخم مطل على البحر، قال نافالني إنه مُنح لبوتين ضمن مشروع بمليار دولار موّله مقربون منه على رأس مؤسسات حكومية. ونشر التقرير مرفقاً بفيديو على "يوتيوب"، حصد 100 مليون مشاهدة.
ونفى بوتين أن يكون مالك العقار، والأسبوع الماضي قال رجل الأعمال والملياردير المقرب منه، أركداي روتنبرغ، إنه مالك العقار، مؤكداً أنه سيقوم بتحويله فندقاً.
وأعلن الكرملين أنه يأمل ألا يرتكب الاتحاد الأوروبي "حماقة" بربط علاقاته مع روسيا بمصير المعارض المسجون أليكسي نافالني. وقال إنه يأمل "ألا يرتكب أحد حماقة بربط مستقبل العلاقات بين روسيا والاتحاد الأوروبي بنزيل سجن"، بعدما نددت بروكسل بالقمع الذي يستهدف المعارض وأنصاره، وفقاً لـ "وكالة الصحافة الفرنسية".
وأوضح المتحدث باسم موسكو أنه "في حال كان (بوريل) يحمل رسالة صارمة، فوزير خارجيتنا (سيرغي لافروف) سيرد بالصرامة نفسها".