قضت محكمة روسية الثلاثاء بسجن المعارض أليكسي نافالني ثلاث سنوات ونصف السنة لإدانته بانتهاك الإفراج المشروط عنه، لكنها قالت إن مدة العقوبة ستُخفض بمقدار الفترة التي قضاها قيد الإقامة الجبرية في وقت سابق.
ودعا حلفاء نافالني، أحد أبرز منتقدي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مؤيديهم إلى الاحتجاج الفوري على الحكم في وسط موسكو. وقال محاميه إن السياسي المعارض سيستأنف الحكم، بعدما أُلقي القبض عليه، على الحدود الروسية في 17 يناير (كانون الثاني) عقب عودته من ألمانيا، حيث كان يمضي فترة نقاهة إثر تسميمه بغاز أعصاب من درجة عسكرية.
مطالبات دولية
وأثار الحكم سلسلة ردود دولية، فأعربت الولايات المتحدة عن "قلقها البالغ" إزاء قرار سجن نافالني، داعيةً موسكو إلى الإفراج عنه "فوراً ومن دون شروط".
وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكين في بيان "في موازاة العمل مع روسيا للدفاع عن مصالح الولايات المتحدة، سننسق بشكل وثيق مع حلفائنا وشركائنا بهدف محاسبتها على عدم احترامها لحقوق مواطنيها". وأضاف "كأي مواطن روسي، يجب أن يتمتع نافالني بالحقوق التي يكفلها دستور بلاده".
وتابع "نكرر دعوتنا الحكومة الروسية إلى أن تفرج فوراً ومن دون شروط عن نافالني، وكذلك عن مئات آخرين من المواطنين الروس الذين أوقِفوا بشكل ظالم في الأسابيع الأخيرة لمجرد أنهم مارسوا حقوقهم، خصوصاً الحق في حرية التعبير والتجمع السلمي".
كذلك طالبت المملكة المتحدة الثلاثاء بـ"الإفراج فوراً ومن دون شروط" عن نافالني، منددةً بقرار القضاء الروسي "المنحرف" القاضي بسجنه أكثر من سنتين.
وقال وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب في بيان، إن "بلاده تدعو إلى الإفراج فوراً ومن دون شروط عن أليكسي نافالني وجميع المتظاهرين السلميين والصحافيين الذين أوقِفوا في الأسبوعين الأخيرين"، معتبراً أن القرار "المنحرف" للقضاء الروسي يظهر أن البلاد لا تفي "بالحد الأدنى من التزاماتها التي يتوقعها أي عضو مسؤول في المجتمع الدولي".
وانضم وزير الخارجية الألماني هايكو ماس إلى نظيريه الأميركي والبريطاني، فطالب بالإفراج فوراً عن المعارض الروسي، واصفاً حكم السجن الذي صدر بحقه بأنه "ضربة قاسية" وجِهت إلى دولة القانون في روسيا. وكتب ماس على "تويتر" "الحكم اليوم بحق أليكسي نافالني يشكل ضربة قاسية للحريات الأساسية ولدولة القانون في روسيا. ينبغي الإفراج فوراً عن نافالني".
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رفض بدوره الحكم بحق المعارض الروسي، قائلاً على "تويتر" إن "إدانة أليكسي نافالني مرفوضة. الخلاف السياسي لم يكن يوماً جريمة. ندعو إلى الإفراج عنه فوراً. إن احترام الحقوق الإنسانية على غرار الحرية الديمقراطية غير قابل للتفاوض".
ورداً على التنديد الدولي، اتهمت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، العواصم الغربية بأنها "منفصلة عن الواقع". وقالت في تصريحات لقناة "آر بي كاي" نقلتها وكالات الأنباء الروسية، "ليس هناك أي سبب للتدخل في شؤون دولة تتمتع بالسيادة. ننصح بأن يهتم كل طرف بمشاكله".
أول تعليق
كان نافالني قال في أول تعليق له أمام محكمة في موسكو، إن الإجراءات القضائية بحقه ترمي إلى إخافة معارضي الرئيس فلاديمير بوتين. وأضاف خلال جلسة محاكمته "الشيء الرئيس في هذه العملية هو ترهيب عدد هائل من الناس، هكذا تجري الأمور. يضعون شخصاً خلف القضبان لإخافة الملايين". وفي إشارة إلى ما قاله فريقه عن العثور على آثار للسم في ملابسه الداخلية، سخر نافالني من بوتين قائلاً "التاريخ سيذكر هذا الرجل على أنه مسمم السراويل الداخلية".
وقال "الشرطة تقوم على حراستي، ونصف موسكو تحت تدابير الإغلاق، لأننا أظهرنا أنه يحاول سرقة السراويل الداخلية لخصومه وتلطيخها بأسلحة كيماوية". وخلال الجلسة أكد ممثلو الادعاء أن المعارض "انتهك بشكل منهجي" شروط حكم بالسجن لمدة ثلاث سنوات ونصف السنة مع وقف التنفيذ صدر عام 2014، بالتالي ينبغي تنفيذ الحكم.
وقال نافالني "أظهرنا وأثبتنا أن بوتين بالاستعانة بجهاز "إف إس بي" (الاستخبارات) ارتكب محاولة الاغتيال هذه". وأضاف "الآن كثير من الناس يعرفون ذلك وآخرون سوف يعرفون، وهذا الأمر يدفع بالرجل... في المخبأ إلى الجنون".
اعتقال أكثر من ألف شخص
تزامناً، نفذت الشرطة الروسية عمليات توقيف قرب المحكمة حيث مثل فيها نافالني. وقبل دقائق من بدء الجلسة، شاهد صحافيون من وكالة الصحافة الفرنسية الشرطة توقف أشخاصاً عدة فيما دعا فريق نافالني إلى تظاهرة أمام المحكمة.
واعتقلت السلطات الروسية أكثر من 1,050 شخصاً خلال تظاهرات جرت في أنحاء عدة من البلاد، لا سيما في العاصمة موسكو، احتجاجاً على إصدار الحكم بسجن نافالني، بحسب ما أفادت منظمة حقوقية.
وقالت "أو في دي - إنفو"، المنظمة غير الحكومية المتخصصة في متابعة الاحتجاجات، إن الغالبية الساحقة من هؤلاء الموقوفين (865 شخصاً) اعتقلوا في موسكو حيث فرقت قوات الأمن بالقوة متظاهرين نزلوا للاحتجاج على عقوبة السجن الصادرة بحق نافالني.
وأيدت النيابة العامة الروسية أمس الاثنين سجن أليكسي نافالني، وصرح مكتب المدعي العام، أنه يؤيد طلباً من هيئة السجون بتحويل حكم بالسجن مع وقف التنفيذ صدر على منتقد الكرملين، إلى حكم نافذ بالسجن.
من جهة أخرى، قال محام، إن محكمة روسية أمرت الاثنين بتحديد إقامة كيرا يارميش المتحدثة باسم المعارض المحبوس أليكسي نافالني حتى يوم 23 مارس (آذار). ونقلت وكالة الإعلام الروسية عن المتحدثة باسم المحكمة قولها، إن يارميش متهمة بانتهاك قواعد كوفيد-19 خلال تظاهرة غير مُصرح لها.
جلسة نافالني
مثل نافالني أمام القضاء بتهمة انتهاك شروط الرقابة القضائية المفروضة عليه بخروجه من البلاد لتلقي العلاج، وقد تحول عقوبة بالسجن مع وقف التنفيذ صدرت في حقه عام 2014 إلى عقوبة بالسجن مع النفاذ بطلب من سلطات السجون. وأعلنت النيابة العامة، الاثنين في بيان، أنها تؤيد "هذا الطلب باعتباره قانونياً ومبرراً".
وكانت الشرطة الروسية اعتقلت نافالني (44 عاماً) في مطار في موسكو في 17 يناير (كانون الثاني) الماضي، لدى وصوله من ألمانيا، حيث كان يتعافى من حالة تسمم مفترضة بواسطة غاز أعصاب تم تطويره في العهد السوفياتي. وصدر أمر بسجنه لمدة 30 يوماً بانتظار محاكمته.
وقد يدخل المعارض السجن لفترة تتراوح بين سنتين ونصف السنة وثلاث سنوات، إذ إنه أمضى قسماً من العقوبة في الإقامة الجبرية. ووجه أنصاره دعوةً إلى التجمع أمام المحكمة.
كذلك يواجه نافالني ملاحقات قضائية عديدة بوشرت في حقه قبل تسميمه خلال مكوثه في ألمانيا، وسيُحاكم الجمعة بتهمة "التشهير" بمقاتل سابق. ويواجه أيضاً اتهامات في تحقيق بالفساد، وهي جريمة يعاقب عليها القانون بالسجن 10 سنوات.
في موازاة ذلك، أوقف عدد كبير من أبرز أعضاء فريقه ووضعوا في الإقامة الجبرية أو لوحقوا قضائياً في الأسابيع الأخيرة. ويواجه بعضهم عقوبة السجن بتهم انتهاك "المعايير الصحية" السارية في مواجهة فيروس كورونا عبر تنظيم تظاهرات، فيما يواجه آخرون اتهامات بتحريض قاصرين على المشاركة في تجمعات محظورة.
تظاهرات مستمرة
وعلى الرغم من القمع والتهديد والإجراءات الأمنية الاستثنائية، تظاهر الآلاف في مختلف أنحاء روسيا للأسبوع الثاني على التوالي دعماً لنافالني.
وفضت شرطة مكافحة الشغب احتجاجات في جميع أنحاء روسيا، الأحد، واعتقلت ما يزيد على 5300 متظاهر تحدوا البرد القارس والتهديد بالملاحقة القضائية للمطالبة بالإفراج عنه.
وفي استعراض للقوة، فرضت الشرطة طوقاً أمنياً على قلب العاصمة، وأغلقت الشوارع أمام المارة بالقرب من مبنى الكرملين، وأغلقت محطات مترو الأنفاق، ونشرت المئات من قوات مكافحة الشغب مع تساقط الثلج.
واستخدم أنصار نافالني وسائل التواصل الاجتماعي لتغيير مواقع تجمعهم مراراً وتكراراً، ما أدى إلى تشتت الحشود في أنحاء متفرقة من موسكو وصعوبة تفريقهم. وفي أحد المشاهد، اتجه طابور من المتظاهرين صوب سجن في شمال موسكو يحتجز فيه المعارض الروسي، وهم يرددون "أطلقوا سراحه".
وفي سان بطرسبرغ وموسكو، استخدمت الشرطة القوة لاعتقال المحتجين وشوهدت من حين لآخر تستخدم مسدسات الصعق. وقالت مجموعة "أو في دي إنفو" لمراقبة التظاهرات، إن الشرطة اعتقلت أكثر من 5300 من المشاركين في المسيرات في أنحاء روسيا، منهم 1800 في موسكو. وكانت يوليا زوجة نافالني من بين المحتجزين، لكن الشرطة أطلقت سراحها لاحقاً.
وكانت السلطات الروسية قد حذرت مراراً أنصار نافالني في الأيام السابقة، قائلةً، إنه يمكن محاكمة المتظاهرين بتهمة تنظيم "أعمال شغب جماعية" إذا تحولت المسيرات إلى أعمال عنف.
تحدي الصقيع والجليد
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي مدينة فلاديفوستوك في أقصى شرق البلاد، منعت الشرطة المتظاهرين من الوصول إلى وسط المدينة، وأجبرتهم على الانتقال إلى الواجهة البحرية والمياه المتجمدة في خليج أمور، حيث ساروا متشابكي الأيدي فوق الجليد في درجات حرارة تصل إلى نحو 13 تحت الصفر مئوية، وهم يهتفون "بوتين لص"، في إشارة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
كما شهدت مدينة ياكوتسك بسيبيريا تجمع عشرات المحتجين، على الرغم من أن درجات الحرارة وصلت إلى 42 درجة تحت الصفر.
وجاءت مسيرات الأحد في أعقاب يوم تعبئة مماثل نظم السبت الماضي، وشارك فيه عشرات الآلاف من المتظاهرين، وأسفر عن توقيف أكثر من أربعة آلاف شخص، فضلاً عن فتح نحو 20 قضية جنائية.
وتشكل عودة نافالني إلى موسكو، على الرغم من التهديد الواضح باعتقاله والاحتجاجات التي أشعلها سجنه تحدياً كبيراً لبوتين، الذي يسيطر على المشهد السياسي في روسيا منذ أكثر من عقدين من الزمن.
الكرملين يحذر الاتحاد الأوروبي
اليوم أعلن الكرملين أنه يأمل ألا يرتكب الاتحاد الأوروبي "حماقة" بربط علاقاته بروسيا بمصير المعارض المسجون أليكسي نافالني.
وقال الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف، قبل أيام من زيارة وزير الخارجية الأوروبي جوزف بوريل لموسكو، "نأمل ألا يرتكب أحد حماقة بربط مستقبل العلاقات بين روسيا والاتحاد الأوروبي بنزيل سجن" بعدما نددت بروكسل بالقمع الذي يستهدف المعارض وأنصاره، وفقاً لوكالة الأنباء الفرنسية.
وأوضح "في حال كان (بوريل) يحمل رسالة صارمة فوزير خارجيتنا (سيرغي لافروف) سيرد بالصرامة نفسها".
وطلب بوريل مقابلة نافالني، الذي سجن عند عودته في 17 يناير من ألمانيا حيث خضع للعلاج ولفترة نقاهة بعد تعرضه للتسميم. ويتهم المعارض الكرملين بالوقوف وراء تسميمه.
وقال بيسكوف إن البت في مسألة هذه الزيارة عائد "للمحققين والقضاة"، لكن بما أنه "ليس فرداً من أفراد عائلته أو أحد أقربائه، فعلى أي أساس يريد إجراء هذه الزيارة؟"
وتحدثت دول أوروبية عدة عن إمكان فرض عقوبات جديدة على موسكو، لا سيما بعد القمع الوحشي للتظاهرات على سجن نافالني في روسيا.
وسبق للاتحاد الأوروبي أن فرض عقوبات على مسؤولين روس كبار على ارتباط بتسميم نافالني. وكانت مختبرات أوروبية عدة حددت السم في جسم نافالني على أنه مادة "نوفيتشوك" المتلفة للأعصاب التي كانت تنتج في الحقبة السوفياتية. في المقابل تؤكد روسيا غياب أي دليل على وجود عملية التسميم.
دعوة لفرض عقوبات على الدائرة المحيطة ببوتين
وحث حليف وثيق لنافالني الغرب على فرض عقوبات على الدائرة المحيطة بالرئيس الروسي، متنبئاً بأن ذلك سيحدث صراعات داخلية مزعزعة للاستقرار داخل النخبة الروسية. وتلاحق السلطات الروسية فولكوف بتهم تشجيع صغار السن بمخالفة القانون، على الاشتراك في احتجاجات مناوئة للكرملين.
وقال فولكوف لوكالة "رويترز" في مقابلة عبر الإنترنت "نأمل كثيراً في أن تكون هناك عقوبات قاسية على من يعتمد عليهم بوتين وعلى مموليه والدائرة المحيطة به. ستكون ضربة مؤلمة لأبعد حد لبوتين وعقوبة على أفعاله الإجرامية".
وأضاف "هذا سيتيح لنا صراعات داخل النخبة"، مشيراً إلى أنه يأمل في أن يكون من شأن تلك الخطوة حدوث ضغط من حلفاء بوتين لإنهاء الحملة على نافالني.
ويوم السبت، نشر فلاديمير أشوركوف، وهو حليف آخر لنافالني، خطاباً موجها إلى الرئيس الأميركي جو بايدن يناشده فيه فرض عقوبات على رجال الأعمال والمسؤولين المعروفين بأنهم حلفاء لبوتين.
وساعد فولكوف، الموجود خارج روسيا، لكنه يرفض الإفصاح عن مكانه، في تنظيم احتجاجات خلال عطلتين أسبوعيتين طالبت بالإفراج عن نافالني.
ويطالب الغرب موسكو بإطلاق سراح نافالني، ويناشد حلفاء هذا الأخير الرئيس الأميركي لفرض عقوبات على 35 ممن قالوا إنهم من الحلفاء المقربين لبوتين.
في هذا السياق، دعت فرنسا، الاثنين، ألمانيا إلى التخلي عن مشروع أنبوب غاز "نورد ستريم 2" مع روسيا، رداً على اعتقال نافالني. وقال وزير الدولة الفرنسي للشؤون الأوروبية، كليمان بون، عبر إذاعة "فرانس إنتر"، "لطالما قلنا إن لدينا أكبر الشكوك حول هذا المشروع في هذا السياق". ورداً على سؤال حول ما إذا كانت فرنسا تؤيد التخلي عن المشروع، أجاب "سبق أن قلنا ذلك، نعم".
وأبدى المسؤول عن الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، في تغريدة "أسفه للاعتقالات الكثيفة" التي جرت الأحد خلال التظاهرات في روسيا، و"الاستخدام غير المتكافئ للقوة" بحق المتظاهرين والصحافيين.
كما حضت كندا على إطلاق سراح المتظاهرين الروس، وكتب وزير الخارجية الكندي، مارك غارنو، على "تويتر"، "تشعر كندا بقلق عميق إزاء الاعتقالات الجماعية واستخدام القوة ضد المتظاهرين والصحافيين في روسيا".