تُواجِه أنقرة إدانةً أممية على خلفية نقلها عشرات السوريين من الشمال الشرقي السوري إلى أراضيها بهدف محاكمتهم وفق القانون التركي، ما دفع بمنظمة "هيومن رايتس ووتش" إلى اعتبار هذا التصرف مخالفاً للقوانين الدولية، لا سيما نقلهم بطريقة غير شرعية إلى تركيا.
انتهاك لاتفاقية جنيف
وكانت قوات الجيش التركي وفصائل سورية معارضة تسيطر على مناطق في الشمال الشرقي السوري، احتجزت حوالى 63 مواطناً سورياً من المكونين العربي والكردي في أكتوبر (تشرين الأول) ولغاية ديسمبر (كانون الأول) عام 2019 بسبب تهم عدة، الأمر الذي اعتبرته المنظمة الأممية انتهاكاً لاتفاقية جنيف الرابعة كـ"سلطة احتلال".
وشدد نائب مدير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لمنظمة "هيومن رايتس ووتش"، مايكل بيج في بيان نشرته في الثالث من فبراير (شباط) على ضرورة أن تحترم تركيا، باعتبارها سلطة احتلال، حقوق الشعب وتلتزم بموجب "قانون الاحتلال في شمال شرقي سوريا، بما في ذلك حظر الاحتجاز التعسفي ونقل الناس إلى أراضيها لمواجهة تهم مشكوك فيها متعلقة بنشاطهم المزعوم في سوريا".
أمن تركيا الإقليمي!
وجاء اعتقال الجيش التركي لعشرات السوريين بعد توغل قواته بعملية عسكرية سميت بـ"نبع السلام"، وطاولت سوريين في مدينة رأس العين بتهم أمنية عدة.
وراجعت المنظمة الأممية حوالى 4700 صفحة تتضمن وثائق ملف القضية التركية بما فيها اعتقال المواطنين السوريين، شملت سجلات نقل السوريين واستجوابهم ولوائح الاتهام، وكذلك محاضر الشرطة والتقارير الطبية المأخوذة من محامين يتبعون للجنة الكردية لحقوق الإنسان "راصد"، وهي جماعة حقوقية تساعد المعتقلين.
في المقابل اتهمت أنقرة المعتقلين السوريين بتهم كثيرة منها "تقويض وحدة الدولة وسلامتها الإقليمية والانتساب إلى منظمة إرهابية"، باعتبار أن أنقرة تعد وحدات حماية الشعب و"حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني" في سوريا كياناً واحداً وتحظر الانتساب إلى صفوفهما، وذلك بعد تلقيها ضربات من الجناح العسكري لكل من الحزبين على حدودها الجنوبية.
المحاكمة في دولة ثالثة
وإزاء ذلك، تملك جماعات حقوقية أدلة وتقارير ترفع من العدد الفعلي للسوريين الذين نُقلوا بطريقة غير قانونية إلى تركيا، قد يصل بحسب المنظمة الدولية لحقوق الإنسان إلى 200 سوري.
وبعد المتابعة مع حقوقيين من منظمة "راصد" التي تهتم بشؤون المعتقلين الذين أوقفتهم أنقرة ونقلتهم إلى أراضيها، أوضح مسؤول فرع الخارج في اللجنة الكردية لحقوق الإنسان "راصد"، جوان اليوسف أن "عمليات نقل مواطنين إلى خارج بلادهم انتهاك صريح للقانون الدولي، خصوصاً اتفاقية جنيف الرابعة، إذ تلزم دولة الاحتلال أن تحاكم مواطني الدولة المحتلة بموجب القوانين المحلية".
"وإن حصل ذلك لأسباب قاهرة، لا بد أن يتم نقل هؤلاء إلى دولة ثالثة وسيطة أو عبرها إلى دولة الاحتلال من دون المس باعتباراتهم الشخصية كاللباس والرتب العسكرية إن كانوا مقاتلين".
حمل السلاح والتحليلات
ويتحدث المسؤول في منظمة "راصد" حول ما فعلته تركيا باعتقال هؤلاء المواطنين بشكل عشوائي، وفق شهادات استطاعت المنظمة الحصول عليها، قائلاً "هي تدّعي بحسب بعض الوثائق أنهم مقاتلون بينما التحقيقات تؤكد أن هؤلاء لم يحملوا السلاح".
وفي سياق تحليل الوثائق التي حصلت عليها اللجنة الدولية لحقوق الإنسان الكردية، فقد أظهرت الكثير من المخالفات في مسار التقاضي، ومنها أن لوائح الاتهام شكلية وتتطابق في الكثير من الحالات، ولا تتضمن أي إثباتات على التهم التي وجهت لهم بأنهم مقاتلون ضمن وحدات حماية الشعب.
"التهم تتعلق بالقتل العمد، وتقويض الأمن القومي التركي، وهذه ليست تهمة بموجب القانون الدولي الذي يجيز مواجهة دولة الاحتلال"، بحسب قول اليوسف الذي أوضح أن "الوثائق والتحقيقات تؤكد أن لوائح الاتهام الموجهة إلى المحتجزين شكلية تشير إلى (أورفا)، كموقع الجريمة والاعتقال على الرغم من الإشارة إلى أنشطة الأفراد المزعومة أنها حدثت في سوريا، وبعض الوثائق تؤكد اعتقالهم في سوريا ونقلهم إلى تركيا في مخالفة صريحة لاتفاقية جنيف".
وأورفا أو (شانلي) بالتركية هو موقع السجن الموجود فيه المحتجزون وأيضاً المحكمة.
معلومات عن تأثيرات التقرير
ويعتقد المسؤول في اللجنة الكردية لحقوق الإنسان أن هذا التقرير سيكون له تأثير، في إجابته على سؤالنا حول نتائج نشر التقرير الدولي، وأردف أنه بدأ فعلياً ذلك بعد ورود أنباء بتوجه مجموعة ضباط للقاء المحتجزين وإعطائهم بعض التطمينات بأن هذه الأحكام ليست قطعية وسيفرجون عنهم.
"لكن أعتقد أن المسألة الأهم في هذا التقرير هي وصف منظمة دولية بحجم هيومن رايتس وللمرة الأولى تركيا بأنها دولة احتلال، وهذه مسألة مهمة جداً ستعبّد الطريق أمام الدول في المؤسسات الأممية لمطالبة تركيا بالتزام القانون الدولي والتزاماتها تجاه المناطق التي تحتلها".
في شق ثانٍ، يضع هذا التقرير بحسب اللجنة الكردية، صدقية القضاء على المحك "نتابع هذا الملف منذ سبعة أشهر لإدراكنا عمليات النقل غير قانونية، وخرق القانون الدولي بشكل خطير، ولذلك سنستمر في العمل على الملف وستكون خطوتنا المقبلة التوجه إلى محكمة حقوق الإنسان الأوروبية باعتبار أن تركيا لا تزال ملتزمة بتعهداتها القانونية تجاه هذه المحكمة".
الموقف التركي: تصرف مبرّر
تصنف أنقرة حزب العمال الكردستاني منذ نشأته في سبعينيات القرن الماضي منظمة إرهابية، بعد دخول الطرفين حالة صراع مسلح في مطلع الثمانينيات على خلفية نداءات بحق تقرير مصير الكرد في تركيا وإقامة دولتهم، ليتّسع النزاع ويصبح أكثر ضراوة مع اعتقال زعيم الحزب عبد الله أوجلان.
من جهته، يرى الكاتب والمستشار الإعلامي التركي رضوان فراس أوغلو أنه بالنسبة إلى محاكمات الأشخاص في دولة ما لا يحملون جنسيتها، أمر وارد إن كانت القضايا جنائية أو إرهابية أو متعلقة بالأمن.
ويجزم أوغلو إصرار أنقرة على اعتبار تلك المنظمات إرهابية، إذ يلاحق أفرادها ويلقى القبض عليهم، بالتالي يحاكمون في تركيا.
ويبرّر ذلك بعدم وجود محاكم متخصصة للإرهاب والإرهابيين كي يرحّلوا إليها، موضحاً "توجد ثغرات كثيرة في القانون الدولي في مسألة الإرهاب لأنه حتى الآن لم يعرف بالشكل الواضح".
تعاون استخباراتي مفقود
ويعتقد أوغلو أن حزب العمال الكردستاني وأطرافه في سوريا، مصنفون عالمياً بكونهم ينتمون إلى تنظيم إرهابي، كما في "ناتو" والولايات المتحدة وأوروبا.
ويتساءل "إذا تحوّل هؤلاء من العمال الكردستاني إلى تنظيم آخر، هل تنفى عنهم صفة الإرهاب؟ لا أظن ذلك، وهو بالتالي موضوع معقد بلا شك ويوجد خلط كبير في الشمال السوري. ولكن تركيا حسمت أمرها في هذا الشأن، بأن كل من يتعاون مع حزب إرهابي هو مثله".
ويشير إلى أنه من المتعارف عليه أن يكون هناك تعاون استخباراتي مع الدولة الأخرى لملاحقة هؤلاء، لكن "للأسف في الملف السوري، لا يوجد مثل هذا التواصل بين أنقرة ودمشق".