كل مساء أسمع والدتي البالغة من العمر 80 سنة تبكي وهي تحاول يائسة الاتصال بأسرتنا في الهند. تتعطل خطوط الهاتف، وتظل رسائل البريد الإلكتروني من دون جواب، ويتركنا انقطاع الاتصالات في جو مشحون بالقلق حتى تصل رسالة قصيرة منفردة تقول "نحن بخير. في الوقت الراهن". أنتقل إلى "تويتر" بحثاً عن الأخبار، وأجد أنّ الحسابات أغلقت بناءً على طلب من الحكومة الهندية.
نقوم بتشغيل القنوات التلفزيونية الهندية في منزلنا في المملكة المتحدة وهناك تقارير عن اعتقال وتعذيب الصحافيين. ونرى بياناً من نادي الصحافة الهندي يدين تصرفات الحكومة ومحاولاتها إسكات القنوات الإعلامية التي تجرؤ على نقل ما يجري. في غضون ذلك، تبذل وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة جهداً مفرطاً في نشر الأخبار الزائفة وأكاذيب صريحة لتأجيج العنف الطائفي.
هكذا يعيش العديد من الهنود البريطانيين حياتهم اليومية، حيث نحاول بشكل محموم تتبع أخبار عائلاتنا في الخطوط الأمامية للاحتجاجات ضد قوانين الزراعة التي تنفذها الحكومة.
وبموجب هذه القوانين الجديدة، ستسمح الهند للشركات الكبرى بإدارة الاقتصاد الزراعي ويزعم المزارعون بأنها ستُغرقهم في الديون ومزيد من الفقر وسيُطردون من أراضيهم من دون إمكانية اللجوء إلى النظام القانوني ضد مظالم الشركات الكبرى. الآن، ستُنتزع منهم فعلياً الأرض التي كافحوا من أجلها بشدة، والتي كانت تغذي الأمة عندما كانت الهند تواجه المجاعة في أعقاب الاستقلال.
ويواجه المتظاهرون ضد هذه القوانين عنفاً مروعاً، إذ تظهر مقاطع فيديو أرسلتها إليّ عائلتي رجالاً مسنين يتعرضون للضرب بقضبان حديدية، ونساء وأطفالاً تدوسهم الجرارات، وجثثاً ملقاة في الشوارع.
لقد عرفت ابن عمي بهادور طوال حياتي. سافر إلى دلهي الشهر الماضي - تاركاً وراءه زوجته وابنه وأحفاده - للتظاهر السلمي والدفاع عما يؤمن به. كل يوم تتساءل أسرته عما إذا كانوا سيرونه مرة أخرى، أو ما إذا كان ثمة من سيدُق الباب لاعتقالهم جميعاً. أخشى أن يتم القبض على بهادور لدفاعه عن سبل عيش عائلته وعن الديمقراطية والعمل الشريف.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
اليوم أصبحت الهند بعيدة كل البعد عن تلك التي دافع عنها أجدادي وقاتلوا من أجلها في ظل الحكم البريطاني. تردّدت كلمات الناشط الاستقلالي ورئيس الوزراء الهندي السابق، جواهر لال نهرو، في أغسطس (آب) 1947 على جهاز اللاسلكي الخاص بجدي قائلة "بحلول منتصف الليل، عندما ينام العالم، ستستيقظ الهند على الحياة والحرية." وبالانتقال سريعاً إلى 2021، في يوم الجمهورية، وهو اليوم الذي أعلنت فيه الهند استقلالها، استيقظ الهنود على أصوات أعيرة نارية وضرب وحشي واحتجاز وقتل للمواطنين على يد حكومتهم.
لقد نفذّت حكومة رئيس الوزراء ناريندرا دامودارداس مودي اليمينية المتطرفة، بالشراكة مع منظمة راشتريا سوايامسيفاك سانغ (RSS) شبه العسكرية اليمينية، عدداً من السياسات المثيرة للجدل وأذكت توترات مع مواطنيها وجيرانها الصين وباكستان.
في غضون ذلك، أصبحت الفجوة بين الأغنياء والفقراء أكبر من أي وقت مضى. ويقول المزارعون إن هذه "القوانين السود" الزراعية الجديدة، والتي أُقرت من دون تداول أو نقاش، باستخدام كوفيد-19 كذريعة، ستدفعهم إلى مزيد من الفقر.
عندما كان مودي رئيساً لوزراء منطقة غوجارات، مُنع من السفر إلى الاتحاد الأوروبي وبريطانيا والولايات المتحدة لدوره في التحريض على أعمال شغب وحشية في عام 2012 أسفرت عن مقتل أكثر من 1000 رجل وامرأة وطفل مسلم. وتروي التقارير المحلية قصصاً عن جرّ الأمهات إلى الشوارع واغتصابهنّ وقتلهنّ أمام عائلاتهنّ.
أما اليوم فمودي هو رئيس وزراء الهند، والعالم يلتزم الصمت بينما تصدر حكومته قوانين تمكن الأثرياء من السيطرة على الأراضي والمزارع التي تملكها العائلات منذ أجيال. ثم تقوم الحكومة بالتعامل بوحشية مروعة مع أي شخص يتحداها.
كل يوم أرتعب من احتمال أن يُصبح أحد أحبائي ضحيتهم التالية. إن ما يجري ليس أقل من قمع للديمقراطية وإرهاب اقتصادي ضد الشعب الهندي.
وتشير التقديرات إلى أن حوالى 50 في المئة من سكان الهند يعملون في القطاع الزراعي. وفي مسعاهم الأخير لحماية أسرهم، بات المزارعون في يأسهم مستعدين للموت من أجل قضيتهم. وتعد هذه الاحتجاجات الأكبر من نوعها في التاريخ، حيث يعارض مليون مزارع نظاماً فاشياً يمينياً تدعمه مجموعة من المليارديرات.
في 26 يناير (كانون الثاني)، يوم الجمهورية، شق احتجاج سلمي طريقه عبر شوارع العاصمة، لكنه سرعان ما تحوّل إلى مجزرة، حين تسلل مسؤولون سريون إلى النقابات وافتعلوا تظاهرة عنيفة، ما أعطى الشرطة سبباً لمهاجمة الحشود. ولقد أخبرتني عائلتي أنهم رأوا بلطجية "آر إس إس" [منظمة يمينية متطرفة] يرتدون زي الشرطة وهم يُهاجمون كبار السن والنساء والأطفال بشكل مروع. وبحسب التقارير، هناك حوالى 100 مفقود في صفوف المحتجين، ويُزعم أنهم اختطفوا.
بعد أشهر من الاحتجاجات، تجاهل العالم الغربي في غالب الأحيان أحداث العنف في الهند، على الرغم من الصور المروّعة التي انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي من شهود عيان كانوا في قلب الأحداث. وفي الوقت الذي تنشغل الحكومات الأجنبية بمكافحة الجائحة، يسمح باستمرار انتهاكات حقوق الإنسان على نطاق واسع.
في كل ليلة، نحاول أنا وأمي التواصل مع عائلتنا للتأكد من أنهم ما زالوا على قيد الحياة. وفي كل ليلة تبكي، فيما أتساءل متى – وهل - ستقف حكومتنا في يوم من الأيام وتدرك ما يجري وتبادر إلى مواجهته.
(الكاتب هو محاسب قانوني من بيركشاير (في إنجلترا) يبلغ من العمر 57 سنة، ولد ونشأ في بريطانيا وكان يزور الهند أكثر من مرة سنوياً إلى حين اندلاع أزمة فيروس كورونا)
© The Independent