مع تصاعد أزمتها السياسية، توشك الصومال على الدخول في نفق سياسي مظلم، بعد إصدار الحكومة الفيدرالية بياناً أطلعت فيه الشعب الصومالي والطبقة السياسية والمجتمع الدولي، على فشل مؤتمر "طوسمريب" الذي جمع بين رئيس الدولة وحكام الولايات، بهدف الخروج بتسويات حول ملفات سياسية وأمنية متعلقة بإجراء الانتخابات في البلاد. وبذلك يكون البيان الحكومي أُضيف إلى سلسلة إخفاقات إدارة الرئيس الصومالي المنتهية ولايته محمد عبدالله فرماجو، لا سيما في إنجاز الاستحقاقات السياسية، التي كان يُفترض أن تؤدي إلى إجراء انتخابات هادئة، تسمح بتداول سلس للسلطة، أو استمرار الإدارة الحالية في الحكم إذا فازت بعد فرز صناديق الاقتراع، بشكل يضمن البعد عن كل ما يلقي بظلال الشك في شرعية العملية الانتخابية وإلزامية نتائجها.
ومع المراهنة على اللعب في الوقت الضائع من قبل الإدارة الحالية وازدياد التصعيد من قبل المعارضين، رجّح احتمال ارتداد مناطق الهيمنة الاسمية للحكومة الفيدرالية، إلى حالة "اللادولة" وقيام الكيانات الموازية، والمواجهات المسلحة بين القوى السياسية - القبلية، إضافة إلى عوامل عدم الاستقرار الأخرى التي تزخر بها البلاد، وعلى رأسها "حركة الشباب" وتنظيم "داعش" الإرهابيين.
أسباب الخلاف
أخيراً، ازدادت عوامل الخلاف بين أطراف المعارضة وإدارة الرئيس فرماجو، نتيجة تصاعد المخاوف من تعامل الأخيرة مع الاستحقاق الانتخابي بطريقة تضمن عودتها إلى السلطة، الأمر الذي أثبته الفشل في خطوات الإعداد للانتخابات البرلمانية الفيدرالية، التي تجاوزت موعدها المقرر مسبقاً في ديسمبر (كانون الأول) الفائت. في هذا السياق، اعتبر مدير "مركز الرائد للدراسات" عبدالرحمن سهل "عدم وجود خلاف على مبدأ انعقاد الانتخابات"، مشيراً إلى وجود أسباب موضوعية "أدّت إلى تشدد المعارضة تجاه المسلك الذي أخذته إدارة فرماجو في التعامل مع الملف منذ البداية. فقد تم الاتفاق في 17 سبتمبر (أيلول) من العام الماضي على عقدها، على أن تكون انتخابات رئاسية غير مباشرة، في حين ينتخب "مجلس الشيوخ" من قبل برلمانات الولايات الإقليمية، وذلك باستثناء "صوماليلاند" ومحافظة "بنادر"، في حين أن انتخاب مجلس النواب يكون عبر تصويت 101 مواطن، على أن يتم ذلك ضمن دوائر انتخابية مكونة من مدينتين في كل ولاية فيدرالية، ما عدا "صوماليلاند" ومحافظة "بنادر"، حيث سيصار إلى الاقتراع فيهما داخل العاصمة مقديشو. وينحصر الاختلاف بين هذه الانتخابات وانتخابات عام 2016، بزيادة عدد مَن له الحق في انتخاب أعضاء مجلس النواب، إذ كان عدد مَن يختارون النواب 51 ناخباً، وأصبح العدد حالياً 101، إضافة إلى مضاعفة عدد دوائر الاقتراع من دائرة واحدة ممثلة بمدينة واحدة، إلى دائرتين في مدينتين ضمن الولاية الفيدرالية الواحدة".
موقف الحكومة ومؤيديها
من جهة أخرى، ظهر موقف إدارة فرماجو متسقاً مع المسلك الذي اعتادته خلال الأزمات السياسية التي واجهتها، معتمدةً على رصيد الشعبية التي يحظى بها الرئيس، بخاصة لدى قطاع واسع من المثقفين، إضافةً إلى استثمار الإدارة في تعطّش الشعب الصومالي إلى قيام حكومة قوية قادرة على مواجهة الأطماع الخارجية، ورفض الشعب للعودة إلى الارتهان لقيادات محلية تغلب عليها سمة السعي إلى تحقيق طموحات ومصالح قبلية أو شخصية. ويمكن تلمّس ذلك من النقاط الرئيسة التي قدّمها وزير الإعلام عثمان دبي، ممثلة بالتالي: "إن لدينا شكوكاً حول أن ما يجري يتجاوز ما هو ظاهر أمامنا، لكن بحسب ما لدينا من معطيات، فإن قوى خارجية تضغط بشدّة لإفشال جهودنا، وتقف عائقاً أمام انعقاد الانتخابات بطريقة سلمية ومرضية لكل الأطراف".
في السياق، اعتبر الباحث محمد معلم أن "المشكلة السياسية القائمة ليست سوى ثمرة تراكمات سابقة ورثتها الحكومة الحالية عن سابقاتها، وإن كان لا ينفي ذلك مسؤوليتها عن جوانب منها". وأضاف أن "الحكومة الحالية ورثت نواقص في المنظومة السياسية والقانونية في البلاد، بدءًا بعدم اكتمال الدستور، وصولاً إلى عدم وجود سلطة قضائية مستقلة قادرة على الحكم بين الحكومة الصومالية والمعارضة، لذلك يتمسك كل طرف بصوابية موقفه، بخاصة أن موقف المعارضة واضح، ومناهض للتمديد للرئيس المنتهية ولايته محمد عبدالله فرماجو. والآن المستقبل السياسي في الصومال مرهون بالبرلمان، إن كان سيمدد للرئيس أو لا، على الرغم من أن كل المؤشرات تدل على أن البرلمان سيمدد ولاية الرئيس الحالي، لإخراج البلاد من الأزمة الراهنة وإفساح المجال لتنفيس الاحتقان الحاصل".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
غياب الشعور بالمسؤولية وانعدام الرادع
من جهة أخرى، خضع تعقيد الأوضاع السياسية في الصومال لفترة طويلة لعوامل تزاوج فيها الداخلي مع الخارجي، بغية صناعة الظروف الأمثل على الساحة المحلية وإنجاح الوفاء بالاستحقاقات السياسية الموضوعة على جدول أعمال الحكومة والطبقة الحاكمة. وصرح الناشط السياسي عبدالله محمد غوسار في هذا الصدد أن "هناك دعوات متكررة من الداخل والخارج، لشروع الأطراف الصومالية المختلفة بالاتفاق حول الشأن الانتخابي، لكن يبدو أن هناك عقبات حالت دون نجاح كل تلك المحاولات خلال السنوات الأربع الماضية، وذلك خاضع لحاجة الحوار بين الطرفين إلى حوافز، تتحقق بوجود عنصرين رئيسين، أولهما توفر الدافع الرئيس للحوار ممثَلاً بالشعور الداخلي بالمسؤولية لدى كل الأطراف، وعليه يصبح ممكناً عبر المحادثات، تنفيذ التسويات وتقديم التنازلات الضرورية، بهدف الوصول إلى نتائج إيجابية ومرضية، إلا أن ذلك العنصر افتُقِد للأسف. وهنا تبرز أهمية العنصر الثاني المتمثل في وجود رادع خارجي لأطراف الصراع السياسي الداخلية، بما يجعلها تتخوف من ثبوت التهمة عليها بارتهان الوضع السياسي في البلاد لمصالحها الشخصية الآنية. لذا كان دور المجتمع الدولي أساسياً في خلق هذا الرادع، عبر طرح إمكانية المحاسبة والمساءلة، فلو عدنا قليلاً إلى الوراء، نتذكر كيف حاول الرئيس الأسبق عبدالله يوسف أحمد إفشال المحادثات التي جرت في جيبوتي بين المحاكم الإسلامية والحكومة الفيدرالية، ومع دخول المجتمع الدولي بثقله لضبط الأمور، فقد مارس دوره بفاعلية، عبر إبلاغ الخارجية الأميركية الرئيس بأن صبر المجتمع الدولي نفد، وأن عليه مغادرة منصبه خلال أسبوع واحد. وبالفعل قدّم يوسف استقالته أمام البرلمان الصومالي".
وأضاف غوسار "كذلك في عام 2016 عندما احتدم الجدل السياسي بين المعارضة والحكومة المنتهية ولايتها في عهد الرئيس حسن شيخ محمود، وصل إلى العاصمة الصومالية مقديشو وفد من مجلس الأمن الدولي، واجتمع مع شيخ محمود، ووضعوا أمامه خياراً واحداً، وهو إيجاد مخرج لهذه المعضلة خلال 24 ساعة وإلاّ سيُحوّل ملف الانتخابات الصومالية إلى منظمة "إيغاد". ونتيجة لذلك، تمكّن شيخ محمود من التوصل إلى تسوية مع رئيس وزرائه عمر عبد الرشيد شرماركي وحكام الأقاليم. وفي صباح اليوم التالي، أصدر جدولاً متّفقاً عليه لإجراء الانتخابات البرلمانية، وهو ما أنهى المشكلة السياسية التي كانت قائمة. لكن اللافت حالياً أن المجتمع الدولي قبل انتهاء ولاية الرئيس وبعدها، ما زال يكرر ذات الخطاب من دون تغيّر في اللهجة، بالدعوة إلى ضرورة الحوار وعدم القبول بمحاولات أو حلول موازية أو جزئية. ولهذا يبدو أن المجتمع الدولي يسعى إلى إيجاد توازنات بين طرفي الأزمة، من خلال آلية ستكون ذات آثار سلبية على الوضع في البلاد، ما قد يؤدي إلى فشل العملية السياسية والإخفاق في تحقيق الاستقرار المرجو للصومال".
النتائج المتوقعة
ولدى طرح التساؤل حول النتائج المتوقعة للأزمة المحتدمة، أشار زكريا آدم يوسف من "مركز هرجيسا للدراسات والبحوث" إلى "وجود شعور عام بانعدام مسؤولية لدى الأطراف السياسية المتصارعة في مقديشو". وقال "ما نرصده من الأخطاء والعجز عن تقدير نتائج الأفعال، شكّل الصبغة الأساسية لسلوك إدارة فرماجو، وهو ما يظهر عدم قدرة تلك الإدارة على إدراك حساسية الوضع السياسي والأمني، في بلد لم يخرج بعد من مرحلة التعافي من الصراعات الأهلية، ولا يزال معتمداً إلى حدّ كبير على الدعم الدولي والخارجي لإنجاز مراحل إعادة بناء الدولة. كل ما سبق يقود إلى القلق من المستقبل القاتم المتوقع، من حيث تواصل مراحل بناء مؤسسات الدولة، أو الانحدار سريعاً نحو المواجهات المسلحة وانحلال الدولة من جديد. فمع إدارة تطرح مبدأ الصوت الواحد والفرد الواحد تحت وقع التفجيرات، إضافة إلى العبث بالتوافقات بخصوص ممثلي "صوماليلاند" المقيمين في مقديشو ضمن اللجنة الانتخابية، والخروج دونما سابق مشورة بتعيين ممثلي "إدارة بنادر" في مجلس الشيوخ، فإننا نتوقع للشعب الصومالي مواجهة الكثير من المعاناة وضياع الوقت والموارد في خضم الانشقاقات والصراعات والتنافس غير الإيجابية".
وفي هذا السياق، اعتبر مدير "مركز الرائد للدراسات" عبد الرحمن سهل أنه "في حال تجاهل إدارة فرماجو لمطالب قوى المعارضة، فإنها ستتحمل نتائج ذلك، بدءًا من تدهور الوضع السياسي في البلاد، إلى اجراء انتخابات من دون توافق عام، ما قد يؤدي إلى عدم اعتراف قطاع كبير من الساحة السياسية بنتائجها، بالتالي عقد انتخابات موازية، تنشأ عنها إدارة فيدرالية جديدة، ما قد يضع البلاد أمام تحدّي وجود حكومتين، تعملان في وقت واحد، ما سيدخل الصومال في حالة فوضى عامة، من حيث النظام السياسي وشرعية الحكم وولاء القوات المسلحة والشرطة والجيش".