تستمر العملية العسكرية التي أطلقها الجيش التركي في عدد من مناطق إقليم كردستان، خصوصاً محافظة دهوك، تحت اسم "مخلب النسر"، بهدف استهداف عناصر "حزب العمال الكردستاني" في هذه المنطقة، وسط صمت رسمي من بغداد وأربيل.
وتمثل العملية استمراراً للحملات التي يقوم بها الجيش التركي داخل الأراضي العراقية منذ انسحاب الجيش من مناطق إقليم كردستان عام 1991 بسبب الضغوط الدولية على نظام صدام حسين، عقب النزوح الكبير الذي حصل منها باتجاه تركيا وإيران، بعد نجاح النظام في قمع انتفاضة شعبية هناك.
ومنذ تخلي بغداد مجبرة عن إدارة ملف الحدود مع تركيا، تواصل الأخيرة تدخلاتها وعملياتها العسكرية داخل الأراضي العراقية، فضلاً عن إقامة قواعد عسكرية تجاوزت حدود الإقليم لتصل إلى جبل بعشيقة في محافظة نينوى منذ العام 2015، بحجة محاربة "داعش".
وعلى الرغم من انتقادات التدخل التركي علناً، إلا أن التنسيق بين بغداد وأربيل من جهة وأنقرة من جهة، يبدو واضحاً في تبادل المعلومات عن أماكن إقامة وانتشار عناصر حزب العمال الكردستاني. ومثّلت عملية اعتقال قيادي كبير في الحزب من قبل الاستخبارات التركية يوم أمس في قضاء سنجار بمحافظة نينوى الذي تسيطر عليه القوات العراقية، مثالاً ونموذجاً للتعاون المشترك بين الأطراف الثلاثة.
طائرات ومدافع تركية داخل العراق
وعادت لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب العراقي إلى اعتبار العمليات التركية انتهاكاً للسيادة العراقية، من دون تقديم أي بديل أو ضغط باتجاه وقفها، كما يحدث كل مرة.
ويقول عضو اللجنة كاطع الركابي إن "التدخل التركي في العراق يكاد يكون يومياً، لكن في هذه العملية حدث تطور من ناحية استخدام القوات التركية طائرات ومدافع، وانطلاق جنود من داخل القواعد التركية الموجودة في الأراضي العراقية"، مشيراً إلى أن "القواعد العسكرية التركية في العراق واسعة وكبيرة، ويمكن أن تستخدمها أنقرة ضد العراق في أية لحظة".
ويضيف الركابي في بيان، أن "الحكومة تقف موقف المتفرج، ولم ترد إلى الآن بما يتناسب وحجم الانتهاكات التركية للسيادة الوطنية"، مبيناً أن "الحكومة لم تتجرأ حتى على رفع دعوى قضائية لدى المحاكم الدولية والأمم المتحدة والجامعة العربية، على الرغم من أن العمليات العسكرية التركية أدت إلى مقتل مدنيين وتهجير آخرين".
لا يوجد موقف رسمي
وامتنعت وزارة الخارجية من جانبها عن تحديد موقف رسمي عراقي من العملية خلال الوقت الحالي، من دون ذكر الأسباب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وربما أن الموقف العراقي ناتج من وجود تنسيق بين بغداد وأنقرة حول التوغل التركي داخل الأراضي العراقية، للحد من نفوذ "حزب العمال الكردستاني"، خصوصاً في قضاء سنجار حيث للحزب تأثير كبير فيه أمنياً وسياسياً، من خلال عناصره والمنتمين إليه من المكون الإيزيدي.
ويتهم النائب الكردي في لجنة العلاقات الخارجية مثنى أمين، الحكومة بالتواطؤ مع تركيا بسكوتها عن التدخل التركي وانتهاك سيادة الأراضي العراقية، مشيراً إلى عدم وجود اتفاق بين الدولتين يجيز لأنقرة الدخول إلى الأراضي العراقية، باستثناء تفاهمات منتصف الثمانينات بين الأتراك والنظام السابق، وهي غير سارية حالياً.
ويضيف أن اللجنة تستنكر دوماً هذه الخروقات المستمرة لسيادة العراق من أية دولة، لا سيما وأنها تتكرر، مبيناً أن "العراق غير معني بالصراع بين حزب العمال الكردستاني والأتراك، والذي أدى إلى تعرض قرى في إقليم كردستان إلى الدمار وحرق المزارع وقتل المواشي".
ويتحدث أمين، وهو نائب عن الاتحاد الإسلامي الكردستاني، عن تفهمه للتحفظات التركية في شأن وجود "حزب العمال الكردستاني" في الأراضي العراقية، مشدداً على ضرورة البحث عن حلول سياسية بدل العنف الذي استمر لعقود ولم ينجح في إيجاد الحلول"، لافتاً إلى أن تركيا ليس من حقها دخول الأراضي العراقية وأراضي الإقليم بما يتنافى مع القانون الدولي الذي يشير إلى ضرورة احترام حسن الجوار والسيادة .
تدويل القضية وسيطرة بغداد
ويرى متابعون للوضع السياسي العراقي أن تدويل القضية وإعادة سيطرة القوات العراقية على الحدود مع تركيا هما الحل الأمثل لوقف الهجمات التركية.
ويقول المحلل السياسي حيدر البرزنجي إن هناك خللاً بنيوياً وضعفاً في الأداء الحكومي، ومن أجل إعادة هيبة الدولة وسيادتها يجب أن تكون هناك سيادة للقوات الأمنية على جميع الأراضي العراقية"، مبيناً أن ما تقوم به تركيا انتهاك واضح لهيبة العراق وسيادته، فهناك قصف يومي مستمر وتدخل واضح، مما يبعث كثيراً من التساؤلات عما قدمته زيارة رئيس الوزراء الأخيرة إلى تركيا.
رسالة إلى بعض الأطراف
ويرى البرزنجي أن المذكرة التي تم الاتفاق عليها بين العراق وتركيا إبان النظام السابق تجيز لتركيا الدخول بمسافة خمسة كيلومترات، شرط عدم استخدام الغطاء الجوي، وهي مذكرة وُقعت حينها بشكل مؤقت، مما يجعلها لاغية الآن، عاداً أن الصمت الحكومي على الهجمات التركية دليل ضعف عمل الدولة وسوء التدبير .
ويوضح أن الأتراك يقصفون قرى خارج سيطرة حزب العمال الكردستاني، فالحزب لديه مساحة معينة في جبال قنديل تبلغ 38 كيلومتراً، لافتاً إلى أن "القصف التركي رسالة إلى بعض الأطراف، ومحاولة لإعادة مجد الدولة العثمانية".