إنها مستعمرة مكونة من الثدييات البرية الأكثر فتكاً على كوكب الأرض، لكنها تدين بوجودها إلى أحد أكثر المجرمين سوءا الذين عرفتهم البشرية. في المقابل، ينبّه العلماء الآن إلى أنه يجب إعدام أفراس النهر التي كان يقتنيها بابلو إسكوبار، بهدف الحؤول دون تسببها بالموت والدمار (للحياة البرية) في وسط كولومبيا.
وفي أوقات سابقة، عمد إسكوبار الذي اُعتبر ذات مرة أحد أشهر مهربي المخدرات وأكثرهم نشاطاً في العالم، إلى إيواء مجموعة من الحيوانات المستوردة بطريقة غير مشروعة، خلال حياته في قصره الفاخر المتربع على أحد جبال كولومبيا.
على كل حال، توفي إسكوبار واندثرت إمبراطوريته الإجرامية، لكن إرث حديقة الحيوان الخاصة به لا يزال مستمراً، إذ تُركت أفراس النهر التي حصل عليها من إحدى حدائق الحيوان الأميركية كي تتكاثر في الريف الاستوائي والأراضي الرطبة المحيطة بمقره السابق.
وبينما حاولت الحكومة الكولومبية السيطرة على تكاثر تلك الحيوانات، استمر عدد أفراس النهر الموجودة في البراري حول بلدة "بويرتو تريونفو" في الزيادة، بل ارتفع من 35 فرس نهر إلى حوالى الـ 80 منها خلال السنوات الثماني الماضية.
والآن، يفيد العلماء الذين أجروا دراسة حول انتشار الحيوانات بأن الخيار المتاح يراوح بين إعدام أسلاف الكائنات البرمائية التي جلبها بارون المخدرات، وبين رؤية أعدادها تصل إلى حوالى 1500 فرس نهر خلال السنوات الـ 14 المقبلة، الأمر الذي يهدد التنوع البيولوجي وسلامة المواطنين (في تلك المنطقة).
في ذلك الصدد، أشارت العالمة البيئية في "جامعة كوينتانا رو" في المكسيك، ناتالي كاستيلبلانكو مارتينيز، إلى أنها تعتقد "بأن الأمر يشكل أحد أكبر التحديات التي تواجه الأنواع الغازية في العالم"، أي الكائنات التي تنتقل من منطقة إلى أخرى وتتكاثر فيها. وفي المقابل، تشكل أفراس النهر خطراً على الناس والحيوانات في المنطقة، إلا أنها تلقى ترحيباً من السكان المحليين بسبب الأموال التي تجلبها من السياحة. ومن جهة ثانية، يرى الخبراء أن على الحكومة مضاعفة جهودها إذا أرادت منع الكائنات المتوحشة من تدمير الأنواع الحيوانية، وإلحاق الضرر بالسكان المحليين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي العام الماضي، انطلقت دراسة هدفها تقويم أعداد أفراس النهر في المنطقة، بعدما طارد أحدها مزارعاً فقيراً وأصابه بجروح بليغة.
وأضافت السيدة كاستيلبلانكو مارتينيز، المؤلفة الرئيسة في الورقة البحثية التي نُشرت الشهر الماضي، "يتساءل الجميع لماذا يحدث هذا؟ حسناً، تخيلوا بلدة مكونة من 50 شخصاً، يخضع رجل واحد فيها لعملية قطع القناة الدافقة التي يتدفق عبرها المني، وبعد عامين تجرى العملية لرجل آخر، من البديهي أن هذا الإجراء لن يتحكم في عملية التكاثر لدى السكان كافة"، وذلك في إشارة واضحة إلى بطء عملية التخلص من أفراس النهر.
وكذلك حذّرت الباحثة من أن يؤدي تزايد أفراس النهر في المنطقة إلى تهجير الأنواع الحية الأصلية مثل خراف البحر الأميركية. وقد وجدت دراسة أخرى أجرتها العام الماضي جامعة كاليفورنيا سان دييغو، أن أفراس النهر تغيّر نوعية المياه التي تقضي معظم وقتها فيها، وتفرغ فيها فضلاتها. وفي حين نُقل عدد من الحيوانات التي احتفظ بها إسكوبار بعد وفاته، تُركت أفراس النهر مهملة في منزله بسبب التحديات المالية واللوجستية خلال عميلة نقلها، وبعد وفاته في تبادل لإطلاق النار مع السلطات في تسعينيات القرن العشرين، نُقلت معظم الحيوانات النادرة أو أنها نفقت. وفي المقابل، بقيت أفراس النهر وحيدة في تلك الحديقة الواسعة بسبب الكلفة الباهظة والمسائل اللوجستية المرتبطة بنقل حيوانات تزن ثلاثة أطنان، إضافة إلى العنف الذي ابتليت به المنطقة في ذلك الوقت. وبالنتيجة، تركُت أفراس النهر تسرح على هواها، مما سمح لها بأن تزدهر في المنطقة الواقعة بين ميديين والعاصمة الكولومبية بوغوتا.
على أية حال، أدت شعبيتها حتى الآن إلى صد الجهود المبذولة في تقليل أعدادها من خلال تصفيتها، وتقول جينا سيرنا تروجيلو، وهي طبيبة بيطرية أجرت بعض عمليات قطع قناة المني لذكور أفراس النهر، "نحن نخضع لرقابة المجتمع المحلي كي يتأكد من أننا نقوم فعلاً بقطع قناة المني لدى ذكور أفراس النهر، ولا نفعل شيئاً آخر، فالسكان يحبون تلك الحيوانات".
وأضافت كاستيلبلانكو مارتينيز، "لقد شهدنا خضوع أنواع غازية أخرى في كولومبيا لإجراءات عادية، ولم يُثر أحد ضجة على الإطلاق بسبب عمليات اصطياد سمكة الأسد"، إذ تشير العالمة إلى سمكة أصلية من أسماك المحيط الهندي والمحيط الهادئ أصبحت الآن نوعاً غازياً في المحيط الأطلسي. وأضافت، "لا يمكنك حتى التحدث عن إعدام أفراس النهر، لأن الرفض مهول، وقد لقبوني بالقاتلة".
( تقارير إضافية في وكالات الأنباء)
© The Independent