كثّف المتمردون الحوثيون في اليمن هجماتهم لفرض حصار على مدينة مأرب، آخر المعاقل التي تسيطر عليها قوات موالية للحكومة المعترف بها في الشمال، تمهيداً لمحاولة اقتحامها، عبر معارك عنيفة خلّفت عشرات القتلى بين الطرفين خلال الساعات الماضية.
وأفاد مسؤولان عسكريان ضمن القوات الموالية للحكومة لوكالة الصحافة الفرنسية، الأحد، أن الحوثيين دفعوا بـ "أعداد كبيرة" من المقاتلين، وشنّوا هجمات من جهات عدة على مأرب الاستراتيجية والغنية بالنفط خلال الساعات الـ 24 الماضية.
وأشار المصدران إلى مقتل 16 من القوات الحكومية وإصابة 21، بينما سقط "عشرات القتلى" في صفوف الحوثيين الذين لا يكشفون عادة عن الخسائر، إضافة إلى "أسر 20 منهم".
وقال مسؤول إن المتمردين المدعومين من إيران تمكّنوا خلال هذه المعارك من قطع خطوط إمداد في مديرية العبدية على بعد حوالى 50 كيلومتراً جنوب مأرب، "تمهيداً لإسقاطها بالتزامن مع هجمات أخرى ينفذونها" .وأضاف، "الهدف هو إطباق الحصار على مأرب".
وكانت المدينة الواقعة على بعد حوالى 120 كيلومتراً شرق العاصمة صنعاء، حيث يفرض المتمردون سيطرتهم منذ العام 2014، تجنّبت الحرب في بدايتها، لكن المتمردين يشنون منذ عام تقريباً هجمات للسيطرة عليها، تكثفت خلال الأسبوعين الأخيرين.
تصعيد مستمر
في تصعيد مستمر تشهده الحدود السعودية الجنوبية، أعلنت قوات تحالف دعم الشرعية في اليمن، خلال الأيام الماضية، اعتراض عدد من الهجمات التي تتعرض لها الدولة الخليجية، سواءً بالطائرات المسيرة أو الصواريخ الباليستية، اتهمت فيها الرياض وعواصم غربية "ميليشيات الحوثي" المدعومة من إيران بالوقوف وراءها.
وفي حين اعترفت الجماعة التي تسيطر على شمال اليمن بوقوفها وراء عدد من تلك الهجمات، نفت أن تكون قد استهدفت مدينة الرياض. وفي هذه الأثناء أخذت السعودية موقفاً رسمياً بتوجيه رسالة إلى مجلس الأمن الدولي، طالبته فيها باتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على أراضيها وسلامة مواطنيها من "الهجمات الإرهابية لجماعة الحوثي"، حسب وكالة الأنباء الرسمية (واس).
ويتزامن مع هذا التصعيد صوب السعودية توتر آخر تقوده الحملة العسكرية التابعة للميليشيات باتجاه محافظات يمنية مثل مأرب، التي تشكل وزناً استراتيجياً لطرفي الصراع اليمنيين.
ومنذ أيام تصاعدت حدة الهجمات الحوثية ضد السعودية بالتزامن مع ضغوط أممية ودولية واسعة، على رأسها الأمم المتحدة وواشنطن والاتحاد الأوروبي، لوقف الحرب الدامية في البلاد وتهيئة الظروف الموضوعية لإيجاد حل سياسي للأزمة المتفاقمة التي خلفت واحدة من أسوأ المعضلات الإنسانية في العالم، بحسب تصنيف الأمم المتحدة.
سلوك تفاوضي
مراقبون فسروا ما يحدث من تصعيد حوثي داخلي باتجاه مأرب النفطية، آخر معاقل الشرعية في الشمال، وخارجي صوب الجارة السعودية، بأنه "سلوك تفاوضي له أبعاد سياسية"، يستبق الطاولة التي تجهز بين طهران وواشنطن، في مسعى إيراني لتجهيز عدد من المكتسبات والأوراق للتفاوض عليها.
ويؤيد المحلل المتخصص في الشؤون الإيرانية عدنان هاشم هذا الطرح، مشدداً على أن إدارة بايدن "تحاول وضع أسس جديدة، لإعادة التفاوض مع طهران في شأن الاتفاق النووي، ومن بينها الملف اليمني".
وأضاف "السلوك الذي ينتهجه الديمقراطيون مع إيران يجبر واشنطن على أخذ خيارات معاكسة، كما أن النظام الإيراني قد يفهم السلوك الجديد لإدارة بايدن على أنه إشارات بغياب العواقب، خصوصاً بعد اتخاذ قرار وقف الدعم عن التحالف العربي".
طاولة مفاوضات أخرى تحاول واشنطن تهيئتها، إذ يتزامن مع التهدئة التي تمارسها السياسة الأميركية تجاه الحوثي، محاولة أخذ موقف وسط بين الأخير والشرعية، استعداداً للمفاوضات التي وعدت بإطلاقها بين طرفي الصراع اليمنيين، وهذه الطاولة تتطلب دوراً أميركياً أكثر حيادية إذا ما رغبت في لعب دور مباشر في الحل اليمني.
تحسين شروط التفاوض
وعلى وقع صرير قوائم هذه الطاولات التي يعاد نصبها في الشرق الأوسط، تسعى الأطراف إلى تحسين شروط التفاوض من خلال كسب أوراق لعب جديدة. فالتصعيد الحوثي الأخير بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة المفخخة صوب السعودية، والتصعيد الداخلي باتجاه مأرب النفطية، أكبر وآخر المعاقل العسكرية والاقتصادية الموالية للحكومة الشرعية شمال البلاد، هو تطور يراه مراقبون استغلالاً للموقف الأميركي المعلن اليوم والقاضي بإلغاء تصنيف الجماعة في قوائم الإرهاب الدولي مع حديث إدارة بايدن عن سرعة وقف الحرب، واستعداداً للتفاوض وفق موقف أكثر قوة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتأتي تطورات المعارك على تخوم مأرب التي خلفت خلال الأيام الماضية عشرات القتلى والجرحى من الجانبين، في وقت عبر خلاله الحوثيون عن استعدادهم لإحلال السلام، عقب دعوات دولية متواترة تدعو إلى سرعة وقف الحرب، بينما أعربت الأمم المتحدة عن قلقها البالغ من "استئنافهم الأعمال العدائية" في مأرب، بالتزامن مع أول زيارة للمبعوث الأميركي الخاص إلى اليمن تيموثي ليندركينغ إلى منطقة الشرق الأوسط "لتحقيق سلام مستدام في اليمن من شأنه تخفيف معاناة الشعب".
الأمر الذي يؤكده الصحافي والمستشار الإعلامي في الرئاسة اليمنية ثابت الأحمدي، متوقعاً أن "تزداد حدتها خلال الأيام المقبلة، سعياً للبحث عن حوار مباشر مع السعودية، أو تحسين شروط الطرف الداعم، إيران، في المفاوضات المتوقعة".
وتتركز الجبهات الداخلية التي تشهد المعارك حول مأرب على جبال هيلان، والمشجح بمديرية صرواح (غرب مأرب)، وكذلك منطقة الجدعان (شمال غرب) المحافظة، حيث لا يزال الجيش اليمني يواصل صد هجمات الحوثيين، بحسب مصدر عسكري.
تنديد دولي وخيارات أميركية
وفي رصد لأبرز ردود الفعل الدولية عقب التصعيد الحوثي، عبرت عدة دول في العالم عن استنكارها وتنديدها بالهجمات التي ينفذها الحوثيون ضد المدنيين، سواء في اليمن أو السعودية.
ودانت الولايات المتحدة الهجوم عبر متحدثة البيت الأبيض جين ساكي، خلال مؤتمر صحافي. وقالت "لدينا آليات كثيرة للتعامل معها، ومنها فرض العقوبات". وأعقب ذلك موقف الخارجية الأميركي بإعلان شطب الحوثيين من القائمة السوداء للمنظمات الإرهابية، في موقف عده مراقبون "نقيضاً للإدانة السابقة".
وفي محاولة لاستدراك ذلك، برر وزير الخارجية بلينكن، إلغاء تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية بأنه "يهدف إلى ضمان أن لا تعوق سياسات واشنطن تقديم المساعدات الإنسانية"، مؤكداً "لكنها لا تزال تحتفظ بموقفها المناوئ للجماعة، وتبقي قادته على قوائم الإرهاب".
كما دانت عدة دول وعواصم غربية التصعيد الأخير، وأكدت أنه "يعوق عملية السلام المنتظرة".