تتواصل هجمات ميليشيات الحوثي على محافظة مأرب (شرق اليمن)، أهم معاقل الحكومة الشرعية بقيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي، ومقر وزارة الدفاع ورئاسة الأركان اليمنية.
ومنذ أسابيع، تصاعدت حدة الاعتداءات في ظل معارك شرسة للحوثيين ضد قوات الجيش المسنودة برجال القبائل، ما أدى إلى سقوط مئات القتلى والجرحى من الطرفين.
هذا الضغط العسكري المستمر هو امتداد لهجوم الحوثيين على المحافظة منذ سيطرتهم على صنعاء، الذي اشتدت وتيرته مطلع عام 2020 بعد السيطرة على عاصمة محافظة الجوف ومناطق واسعة استراتيجية في مديرية نهم شرق صنعاء.
وتقع محافظة مأرب في وسط الجمهورية اليمنية على الجهة الشمالية الشرقية للعاصمة التي تقبع تحت سيطرة الحوثيين منذ 2014، وتحدّها محافظة الجوف شمالاً ومحافظتي شبوة والبيضاء جنوباً، كما تحدّها محافظتا حضرموت وشبوة من الشرق وصنعاء من الغرب.
وتُعدّ مأرب من أهم المحافظات الاقتصادية لما تمتلكه من ثروات نفطية، كما أنها المنتج والمصدر الوحيد للغاز في البلاد، ونظراً إلى موقعها الجغرافي المتميز الذي يتوسط محافظات عدة.
المعركة الأصعب
سعت ميليشيات الحوثي منذ عام 2014 إلى السيطرة عليها عبر جبهات عدة، لكنها واجهت مقاومة شرسة جداً، أجهضت هذا التحرك منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم.
وعلى الرغم من الخسائر البشرية الكبيرة التي منيت بها طيلة السنوات الماضية، فإن عوامل سياسية وقبلية كانت أحبطت طموحاتها في الوصول إلى المحافظة.
ويفسّر عبد الوهاب بحيبح، صحافي ومحلل سياسي وأحد أبناء المحافظة، هذا الأمر بالقول إن "أسباب صمود مأرب هي التلاحم القبلي الكبير بين أبنائها، الذين جعلوا مصلحة المنطقة فوق الانتماء السياسي والقبلي ووضعوا كل الخلافات والمشكلات جانباً، وتوحدوا من أجل الدفاع عن الجمهورية وأهدافها".
كما أن مأرب تاريخياً، بحسب بحيبح، محافظة "رافضة ومقاومة للحكم الإمامي، ودائماً ما يصعب عليها التعايش مع هذا الشكل من الأنظمة، وما يحصل اليوم أراه امتداداً طبيعياً لتاريخها في مقارعة حكم الأئمة الذي هيمن على البلاد قبل الجمهورية".
التحول بعد نهم والجوف
زادت وتيرة الهجوم والتحشيد صوب المحافظة الكبيرة خلال العام الماضي، خصوصاً بعد سيطرة ميليشيا الحوثي على نهم والجوف، ودفعها أخيراً بقوة بشرية كبيرة مسنودة بآليات عسكرية ودعم لوجستي لمحاولة تفكيك القبائل التي تعدّ القوة العسكرية والعقبة الأكبر والمساند الرئيس للجيش الوطني وحاضنته أمام تمدد الجماعة العقائدية وتوسعها في سبيل السيطرة على المناطق المطوّقة لصنعاء.
كما أن الميليشيا ترى في مأرب مكسباً اقتصادياً، نظراً إلى مخزونها الكبير من النفط والغاز.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من جهته، يقول الباحث والمحلل العسكري علي الذهب إن مأرب تجسّد بالنسبة إلى الحوثيين الهدف الأكبر على مستوى الجبهات كلها لاعتبارات كثيرة، أهمها أن "الجبهات الأخرى مجمدة باتفاق ستوكهولم أو باتفاقات غير معلنة مع أطراف إقليمية"، إضافة إلى تمثيلها "الحاضنة الحقيقية والمرتكز الأكبر للسلطة الشرعية سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، وحتى اجتماعياً، وهي بذلك تشكّل مورداً للطاقة وطريقاً للسيطرة على المحافظات الجنوبية، لا سيما شبوة المحاذية لها، وعدن".
ويشير إلى أن "الحوثيين وجدوا فرصة بعد اتفاق ستوكهولم وتجميد الجبهات في تعز، لمحاولة السيطرة على مأرب"، فهي بذلك تمثّل المعركة المقابلة لمعركة صنعاء.
استغلال المستجد السياسي
ويرى الذهب أن العامل السياسي يلعب دوراً في خطوات التصعيد الأخيرة، التي هي "في الحقيقة محاولة لاستثمار مساعي السلام التي يقودها المبعوث الأممي، وفي الوقت ذاته التحول الجذري في الموقف الأميركي الذي تقوده إدارة جو بايدن".
ويضيف "المبعوث الأممي يخوض محادثات مباشرة مع إيران، الداعم الأول للحوثيين، ما يدفع هذا الطرف إلى السعي لتعزيز موقفه التفاوضي لفرض واقع جديد على الأرض".
مأرب مقابل التاريخ
في المقابل، تكمن أهمية معركة مأرب بالنسبة إلى الجبهة المناهضة للحوثيين من المقاربة التاريخية في معادلة السيطرة التي تفرضها الميليشيات في مناطقها، إذ يعتبر الانتصار فيها مهماً لمعالجة ميزان السيطرة الذي آل إلى الميليشيا في المناطق التي وقعت تحت إدارتها أخيراً ونجحت في تطويعها.
وبالنظر إلى محطات وجولات الصراع اليمني، فإنه في جميع المواجهات الداخلية، نجحت الميليشيا الحوثية في فرض سيطرتها على مناهضيها، بدءًا من انتفاضة عتمة التي قادها الشيخ القبلي عبد الوهاب معوضة وما انتهت إليه بفراره ومقتل معظم أنصاره، وإخضاع المنطقة للسيطرة الحوثية.
كذلك ما تبعها مما يسمّيها اليمنيون "انتفاضة ديسمبر" في صنعاء التي أعلنها الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وانتهت بمصرعه ومقتل غالبية المقاتلين معه أو وقوعهم في الأسر، وهي المحطة التي أخضعت صنعاء تماماً لسلطة القوة القادمة من صعدة.
ومع مطلع عام 2019، اندلعت انتفاضة قبلية في جميع مناطق قبائل حجور في محافظة حجة (غرب اليمن)، التي احتاجت قوات ميليشيا الحوثيين 52 يوماً إلى إخمادها وتفجير منازل قادتها وأسرهم وفرار من تبقّى منهم.
ولم تشهد حجور أي محاولة جديدة للتغيير سوى سعي الشيخ ياسر العواضي إلى تحشيد العشائر لانتفاضة جديدة في مناطق آل عواض بمحافظة البيضاء، غير أنها باءت بالفشل وتمكّنت قوات الحوثيين من إخمادها خلال ساعات.