اختتم المشاركون في اجتماعات الجولة الثالثة للمسار الدستوري في شأن ليبيا مباحثاتهم في مدينة الغردقة المصرية من دون الوصول لنتيجة جديدة في شأن الجدول الزمني المقترح لإجراء الاستحقاقات الدستورية في ظل الإجماع على ضيقه، وأتاحته المهلة الأممية والمحدد بنهاية العام الحالي، حيث جدد وفدا مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة التمسك بإجراء الاستفتاء الدستوري قبل الانتخابات مع إمكانية اللجوء إلى تفعيل خطة بديلة إذا تعثر إقرار الدستور الجديد قبل موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في ديسمبر (كانون الأول) المقبل.
وبينما حذر مراقبون من خطورة إضاعة الوقت إذا تعثر إقرار "الدستور الليبي الدائم" قبل موعد الانتخابات، لفت البعض إلى ضرورة تهيئة الظروف الأمنية والدستورية المناسبة لإجراء الانتخابات، محذرين أيضاً من خطورة إجرائها في ظل وجود الميليشيات والشركات الأمنية الأجنبية وغياب الإجماع على مسودة الدستور الجديد.
الاستفتاء أولاً والانتخابات في موعدها
وعلى الرغم من أن عدم صدور بيان ختامي في شأن اجتماعات الجولة الثالثة للمسار الدستوري أسوةً بالجولات السابقة، كشفت مصادر ليبية مطلعة لـ"اندبندنت عربية" عن تفاصيل ما جرى الاتفاق حوله في المباحثات التي انطلقت الثلاثاء، واستمرت حتى ساعة متأخرة من ليل الخميس الجمعة الماضي.
وقال النائب الليبي عز الدين قويرب، عضو لجنة المسار الدستوري، إن اجتماع الجولة الثالثة والأخيرة للمسار الدستوري أقر ما سبق الاتفاق عليه الشهر الماضي بالمضي قدماً في عملية الاستفتاء على الدستور كحق ومسار أصيل تم الاتفاق عليه بالإجماع بين أعضاء اللجنة، و"في ضوء التوقيت المتوقع للاستفتاء أو تعذر المضي في إجرائه لأي سبب، ولم يصبح الدستور الدائم هو القاعدة للانتخابات البرلمانية والرئاسية ولم يكن جاهزاً قبل 24 ديسمبر، نتوجه لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المباشرة وفقاً لمقترح فبراير (شباط) الأصلي؛ أي الاستحقاقين الانتخابيين معاً في آنٍ واحد من دون تقديم أحدهما وتأخير الآخر، وتستكمل عملية الاستفتاء لاحقاً بشكل طبيعي؛ أي بعد الانتخابات المزمع إجراؤها في ديسمبر".
وعلى الرغم من أن أن "القاعدة الدستورية الاحتياطة" تمثل حلاً وسطاً يتيح محاولة إجراء الاستفتاء الدستوري مع الالتزام بموعد الانتخابات، حذرت مجموعة من الأحزاب والتكتلات السياسية الليبية في بيان، الجمعة، من خطورة تجاوز موعد الانتخابات، داعية المجتمع الدولي وبعثة الأمم المتحدة إلى تحمل مسؤولياتهما تجاه توفير الضمانات الأمنية والسياسية والقانونية لإجراء الانتخابات، واستصدار قرار أممي يلزم جميع الأطراف الليبية والدولية المتداخلة في الشأن الليبي بعدم عرقلة أو تهديد العملية الانتخابية، وأن تركز الحكومة على توحيد المؤسسات لتسهيل الطريق أمام المسار الانتخابي في الموعد المحدد.
وبدوره، يرى الكاتب الليبي عز الدين عقيل، رئيس حزب الائتلاف الجمهوري الليبي، أن الأولوية للدستور وتهيئة الأجواء المناسبة لانعقاد الانتخابات بحرية ونزاهة، مضيفاً "بعض الأطراف تبحث فحسب عن الوصول لانتخابات دون الاهتمام بوضع البنى التحتية للاستقرار، والاتجاه لوضع الدستور الدائم لليبيا، ولا ندري إذا كان هذا الموعد المحدد بنهاية العام واجب بأي أساس؟ المهم هو تأسيس مرحلة مناسبة لإنهاء المرحلة الانتقالية، والقاعدة الدستورية عبارة عن خليط متناقض من الدلالات، ويجب أن نتذكر أن إطالة عمر المرحلة الانتقالية خلال السنوات الماضية كان نتيجة عدم وجود مرجعية دستورية، ولدينا الآن فرصة من أجل الاستفتاء على الدستور وتعديله، وتهيئة الظروف الأمنية المناسبة لإجراء الانتخابات".
كيف ستطبق الخطة البديلة؟
كشف عضو المجلس الأعلى للدولة، المشارك بأعمال اللجنة الدستورية عمر بوشاح، في ختام أعمال الجولة الثالثة للجنة الدستورية، أنه ستتم إحالة مشروع التعديل الدستوري لمجلس النواب لإقراره، لافتاً إلى أنه تم الاتفاق على قاعدة دستورية تنص على إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في حال تعذر الاستفتاء على دستور دائم للبلاد.
وأوضح بوشاح أن التعديل الدستوري يقضي بالاستفتاء على مشروع الدستور مرتين، وفي حال رفضه يتم اعتماد "القاعدة الدستورية الاحتياطية" التي اتفق عليها مجلسا النواب والدولة، ففي حال تعذر إجراء الاستفتاء على الدستور تحيل مفوضية الانتخابات أسبابها للمجلسين لإقرار القاعدة الدستورية المتفق عليها، في إشارة إلى إجراء الانتخابات في موعدها واستكمال الاستفتاء لاحقاً.
والشهر الماضي اتفق وفدا مجلس النواب والأعلى للدولة على "إجراء الاستفتاء على مشروع الدستور المقدم من الهيئة التأسيسية، بناءً على القانون الصادر من مجلس النواب رقم (6) لسنة 2018 المعدل بالقانون رقم (1) لسنة 2019 مع تعديل المادة السادسة باعتماد نظام الدوائر الثلاث (50 في المئة+1) فحسب، وإلغاء المادة السابعة منه".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال الباحث الليبي محمد قشوط، إن الاتفاق والإصرار على ضرورة الاستفتاء على مسودة الدستور داخل الأقاليم الليبية الثلاثة، دون الاكتراث لتحذيرات عدة أطراف بينهم رئيس مفوضية الانتخابات من أن تلك العملية ستستغرق سبعة أشهر كاملة لتنفيذها، أثار جدلاً واسعاً، وهو ما يعني بطبيعة الحال تمديد تلك المدة حال رفض الشعب للاستفتاء، مضيفاً "توجه الأطراف المشاركة في أعمال اللجنة الدستورية نحو عرقلة إجراء الانتخابات نهاية العام في الموعد المحدد قد يشير إلى رغبتهم في ضمان بقائهم بالمشهد بعد هزيمتهم الانتخابية في ملتقى الحوار السياسي".
ويرى المحلل السياسي الليبي سعد مفتاح العكر، أن ما تم التوصل إليه من حل لن يسهم في تمرير مسودة الدستور "المعيبة"، على حد وصفه، معتبراً أن "محاولة البعض وإصرارهم على مسألة الاستفتاء على الدستور أولاً قبل الذهاب مباشرةً إلى الانتخابات البرلمانية والرئاسية أمر يدعو إلى الاستغراب، فلماذا كل الإصرار على تمرير المسودة أولاً؟ على الرغم من أنهم يعلمون أنها مسودة مغالبة وغير توافقية؟ من وجهة نظري ما حدث في الغردقة صفقة سياسية بين أعضاء من البرلمان ومجلس الدولة"، لكن "قويرب" المشارك باجتماعات الغردقة، شدد على أنه لم يتم نشر هذا الاتفاق بشكل رسمي في ختام الاجتماع لأنه لا يزال "مبدئياً"، حيث تم إرساله إلى اللجنة القانونية بملتقى الحوار السياسي، وقد تطرأ عليه تغييرات، ثم يتم تضمينه للاتفاق السياسي الشامل بالملتقى تمهيداً لإرساله لمجلس النواب مجدداً لاعتماده، مضيفاً "الجدل المثار حالياً بسبب غياب النسخة النهائية من الاتفاق، وما أقره الاجتماع يتعلق بحالة تعذر استكمال الاستفتاء قبل موعد الانتخابات فقط، وليس رغبة في إقرار المسودة نفسها من دون الاستفتاء أو تأجيل الانتخابات لأي سبب".
تهيئة ظروف الاستحقاقات الدستورية
ودعت عدة أطراف دولية إلى ضرورة خروج المقاتلين الأجانب "المرتزقة" من ليبيا لتهيئة الظروف للاستحقاقات الدستورية التي تنتظرها البلاد الغارقة في الفوضى والانقسام السياسي منذ عشر سنوات.
وأكد وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، خلال اتصال، الجمعة، مع المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا، يان كوبيش، ضرورة رحيل القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا لإنهاء الأزمة السياسية والتدخل الأجنبي. وذكر بيان صادر عن البعثة الأممية، الجمعة، أيضاً، أن "كوبيش" تحدث إلى الجنرال خليفة حفتر القائد العام للجيش الوطني الليبي في شأن تلك التطورات والأولويات، لا سيما في الملف الأمني، حيث رحب بدعمه لتنفيذ وقف إطلاق النار.
ومن جانبه، قال عز الدين عقيل في تصريح خاص، إنه "من الوارد أن يكون الاستفتاء الشعبي نتيجته رفض المسودة، ولذا يجب أن نعطي الهيئة التأسيسية فرصة الوصول إلى النسخة المناسبة والمقبولة من الشعب، وذلك لوضع البنى الدستورية والمؤسسات الدستورية وتوحيدها، بدلاً من مرحلة فقدان الشرعية الدستورية التي عاشتها ليبيا، كما أن عملية نزع السلاح واعادة دمج أو تسريح المقاتلين، وخروج الشركات الأمنية الأجنبية، وإعادة النازحين تحتاج إلى ضبط العملية الأمنية لتجنب نزاعات ومواجهات بين العائدين والميليشيات".
واعتبر عقيل "اتفاق اجتماع الغردقة على وجود خطة بديلة يشير إلى أن الأطراف مدركة لضرورة تمديد المهلة الأممية، وأن الانتخابات يمكن ألا تتم قبل مارس (آذار) العام المقبل، وأن أهم واجب لرئاسة الحكومة الآن أن يتم جمع أطراف النزاع حول مائدة التفاوض لتفكيك الميليشيات، فلا تستقيم عملية إقامة الانتخابات في نزاهة من دون سحب سلاح الميليشيات وإخراج الشركات الأمنية الأجنبية والمرتزقة من الأراضي الليبية. ليبيا في حاجة ماسة لاتفاق سلام بين المتنازعين والقوى المسلحة يحددون به كيفية نزع السلاح وتفكيك الميليشيات وخروج المرتزقة وتسريح المقاتلين وإعادة إدماجهم في المجتمع من جديد".
ويرى النائب الليبي جبريل أوحيدة، أن المشكلة ليست في توقيت الاستحقاقات الدستورية، بقدر ما تعكس الخلاف حول المسودة المطروحة حالياً للدستور الليبي في هذه الظروف، مضيفاً "قلنا مراراً وتكراراً منذ 2012 عندما انصب تركيز تيارات معينة في المؤتمر الوطني حينها وإلى الآن على إخراج دستور للبلاد بشكل معين، إن الوضع المحتقن والمنقسم وما حدث ويحدث من مغالبات لا يسمح بإنتاج دستور جديد يناسب ظروف ليبيا وتطورها التاريخي، بل يستفتا عليه الليبيون وسط هذه الفوضى والتشرذم والمغالبة والافتقاد لثقافة المواطنة والعدالة الاجتماعية".
وأكد أوحيدة ضرورة وضع الدستور في مناخ مناسب من الاستقرار والظروف الأمنية المواتية، مشيراً إلى دعوة بعض الأطراف الليبية إلى "الاحتكام لدستور الاستقلال باعتباره الوثيقة التي وحدت ليبيا وأسست دولتها الحديثة، ووضعت المبادئ التي اتفق عليه الآباء المؤسسون في تلك الحقبة، وهو دستور مواطنة وعدالة وحريات ويتناغم مع ثقافتنا إلى أن يتطور المجتمع والمؤسسات ونصل إلى ثقافة تتماشى والتطور الديمقراطي المطلوب".
وألقى المحلل السياسي الليبي عبد الله محمد باللوم على "الهيئة الدستورية"، معتبراً أنها "زادت تعقيد المشهد بتجاوز المدة المحددة لها في الإعلان الدستوري، وهي أربعة أشهر (120) يوماً، ثم دبت الخلافات داخلها لأن من تم انتخابهم فيها لكل منهم توجهه السياسي الذي يسعى لتوظيف الدستور لصالحه؛ فخرجوا علينا بدستور مغالبة لا توافقي، بعدها تم التحجج بعدم إمكانية إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية إلا بقاعدة دستورية، لكن لدينا الإعلان الذي حدد مهام الرئيس والبرلمان ويمكن المضي به إلى أن يتم إقرار الدستور، ثم إنه بالإضافة إلى ضيق الوقت هنالك أمر آخر وهو أن الإعلان الذي جعل من ليبيا دائرة واحدة وقانون الاستفتاء الذي أصدره مجلس النواب قسم ليبيا إلى ثلاث أقاليم، وهذا يستلزم تعديلاً به، وهو أمر شبه مستحيل في ظل تشظي مجلس النواب، لذلك يمكن أن نمضي بالإعلان الدستوري للانتخابات المقبلة، إلى أن تتم معالجة كل هذه الأمور، ثم يتم الاستفتاء على الدستور الدائم".