أظهر استطلاع للرأي بشأن التقييم السياسي لشهر فبراير (شباط) الجاري تشاؤم نحو 90 في المئة من التونسيين المستجيبين، وخوفهم من المستقبل القريب ومن الانعكاسات السلبية للأزمة الاقتصادية والاجتماعية والصحية على الوضعين العام والخاص، فضلاً عن تراجع الرضا عن الطبقة السياسية، على رأسها رئيس البرلمان راشد الغنوشي ورئيس الحكومة هشام المشيشي، مقابل تزايد الرضا على أداء رئيس الجمهورية قيس سعيد.
وللشهر الخامس على التوالي، وفق بيانات الاستطلاع نفسه، تتجاوز نسبة التشاؤم 80 في المئة، لتستقر في فبراير على 89.8 في المئة.
غياب التفاؤل الشخصي
ووفق الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة "سيغما كانساي" الخاصة، لا يتعلق التشاؤم بالوضع العام للبلاد فحسب، بل ينسحب إلى الأحوال الشخصية والعائلية لعموم التونسيين، إذ يعتبر حوالى 70.9 في المئة أن الوضع المالي الحالي لأسرهم أسوأ مقارنة بالسنة السابقة، أي قبل بدء جائحة كورونا.
والجديد وفق هذا التقييم، غياب التفاؤل الشخصي بالنسبة إلى العام المقبل، إذ يُعتقد أنها ستكون أسوأ، أي أن أفق التخلص من الوباء لا يعني بالنسبة إلى جزء كبير من التونسيين تحسناً مادياً في أسرهم.
ويزداد هذا التشاؤم قوة، إذ يعتبر ثلثا المستجوبين (64.8 في المئة) أن وضع الأجيال المقبلة سيكون أسوأ من الراهن، أي نحن أمام نظرة تشاؤمية لا يمكن تحديدها زمنياً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في هذا الصدد، يرى أستاذ علم الاجتماع في الجامعة التونسية عبد الستار السحباني أن "شعور الخوف يتملك التونسيين منذ سنوات"، لكن "بعد الثورة ظنوا أن الأوضاع ستتحسن، لكن الأعوام مرّت والأحوال تدهورت أكثر".
ويوضح السحباني أن "التونسيين تصوّروا أن القوى الديمقراطية ستلعب دوراً رئيساً في المشهد السياسي، كما ظنوا أن بلادهم ستخطو خطوات عملاقة نحو الحداثة، لكن كل هذا لم يحصل".
ويشير السحباني إلى الوضع المؤسساتي في تونس بعد الثورة، واصفاً إيّاه بـ"المرتبك"، قائلاً "مر على تونس في السنوات العشر الماضية، 10 رؤساء للحكومة، أي بمعدل واحد لكل سنة، وهذا يشعر المواطنين بعدم الاستقرار والأمن".
وإذ يتحدث عن ظهور فئة اجتماعية جديدة تضم "أثرياء الثورة"، يقول إن "كل قطاع يريد أن يستفيد من الوضع بتحصيل مزيد من الامتيازات، وهناك نخب سياسية تنظر إلى الدولة كغنيمة، وهذا ما يفقد التونسيين ثقتهم بالطبقة السياسية".
الجيل المقبل
والخوف الأكبر، وفق السحباني، هو "على مستقبل الجيل الجديد الضبابي"، مفسراً "خمس سنوات مرت وأطفالنا لم يحققوا تحصيلاً علمياً متواصلاً وجيداً من ناحية النوعية، بسبب إضرابات الأساتذة، ثم جاءت أزمة كورونا التي زادت الطين بلّة".
ووفق السحباني تحول "التونسي من مجتمع يعاني من مخاطر العمليات الإرهابية وحوادث الطرقات والعنف بكل أشكاله إلى مجتمع الشك أو اللايقين"، مضيفاً "ومن علامات الأزمات في المجتمعات ارتفاع نسبة الاستهلاك، إذ تصبح الموازنة العائلية مخصصة للاستهلاك فقط وليس الاستثمار أو تحسين المستوى المادي، وهذا ما يرجع إلى النظرة الضبابية للمستقبل".
وتعيش تونس منذ الثورة إلى اليوم أزمة سياسية واقتصادية، زاد حدتها كورونا، وقد انعكست على الخدمات بشتى أنواعها، وعلى رأسها الصحية.