يقول خبراء اقتصاديون بارزون إن تعطل التجارة في الأسابيع الأولى بعد بريكست لا يمكن استبعاده باعتباره "مشاكل بسيطة"، بل يمثل المؤشرات الأولى إلى مشاكل بنيوية ستخفض الناتج المحلي الإجمالي البريطاني خلال سنوات لاحقة.
وعلى الرغم من أن الأرقام الفعلية المرتبطة بتكاليف الانسحاب من السوق الموحدة والاتحاد الجمركي لن تظهر قبل بضعة أشهر، قال الخبراء الذين تحدثوا إلى "اندبندنت"، إنهم لم يروا أي شيء خلال الأسابيع الستة الأولى من عام 2021 يقنعهم بالعدول عن التوقعات بوقوع ضرر اقتصادي بمليارات الجنيهات الاسترلينية خلال السنوات المقبلة.
وجاءت التقييمات القاتمة بعد أن أصدرت المفوضية الأوروبية أول تحليل رسمي لنتائج بريكست يوضع منذ الانتقال إلى خارج هياكل الاتحاد الأوروبي في الأول من يناير (كانون الثاني).
ويتوقع التحليل أن يبلغ الضرر الناجم عن الضربة التي قوضت نسبة النمو في المملكة المتحدة 2.25 في المئة بحلول عام 2022، أي ما يعادل خسائر بـ 40 مليار جنيه استرليني (نحو 55 مليار دولار أميركي) سيتكبدها النمو على مدى سنتين، وأكثر من أربعة أضعاف الأثر السلبي في الاتحاد الأوروبي.
ورفضت حكومة بوريس جونسون تقديم تقييمها الخاص لأثر اتفاقية التجارة والتعاون التي أبرمها رئيس الوزراء عشية عيد الميلاد.
ورفض مؤيدو خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي التوقعات بضربة بعيدة الأجل للناتج المحلي الإجمالي باعتبارها "مشروعاً لبث الخوف" [من بريكست] خلال الحملة لصالح الاستفتاء عام 2016، لكن أندرو غودوين، كبير الخبراء الاقتصاديين المتخصصين في المملكة المتحدة في "أكسفورد إيكونوميكس" Oxford Economics، قال إن "الحواجز غير الجمركية" المتمثلة في ملء معاملات إضافية، والوقوف في طوابير، والعقبات التنظيمية التي تواجه التجارة والتي حددتها الدراسات، تصيب الآن قطاعات كثيرة من مصائد الأسماك إلى تسليم الطرود إلى الخدمات المالية.
وأضاف "كل الأسباب التي تجعل دراسات مثل دراساتنا تؤكد أن الضرر قد يلحق بالناتج المحلي الإجمالي أصبحت الآن واضحة إلى حد كبير. وهي تخلف التأثير الذي توقعناه لها [الأسباب] إلى حد كبير. وما نراه الآن لجهة التأخير وتكلفة إجراء الأعمال هو بالضبط ما حاول أشخاص مثلنا نمذجته عندما أجرينا دراساتنا. والآن، يقع العبء على الحكومة لإيجاد سبل لتعزيز النمو بطرق أخرى".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال إن الصعوبات التي نواجهها تتلخص الآن في "العواقب الحتمية المترتبة على ترك السوق الموحدة والاتحاد الجمركي"، بدلاً من المشاكل البسيطة. والآن يعود الأمر إلى الشركات أن تقرر كيف تتكيف مع هذا الوضع. فإما أن تستمروا في العمل كما أنتم، وتتقبلوا التأخيرات باعتبارها حقيقة من حقائق الحياة، وإما أن تغيروا مع الوقت مواقع إنتاجكم، فتعززوا إنتاجاً معيناً في المملكة المتحدة وتزيدوا إنتاجاً آخر في الاتحاد الأوروبي".
وكانت "أكسفورد إيكونوميكس" Oxford Economics قد توقعت في السابق أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي في المملكة المتحدة بنسبة ثلاثة في المئة في الأجل البعيد بسبب التكشف التدريجي لآثار بريكست، مثل تراجع التجارة وخسارة الاستثمار الأجنبي المباشر وانخفاض القدرة التنافسية.
ووفق السيد غودوين لم يكن هناك حتى الآن ما يشير إلى أن هذه التوقعات كانت في غير محلها: "من المؤكد أننا نتجه نحو ذلك النوع من النتائج التي تتوقع أغلب دراساتنا تحقيقها. ونحن راضون للغاية على تقديراتنا التي قدمناها عام 2016، ولا نرى أي سبب يدعونا إلى تغييرها".
وتوقع توماس سامبسون، أستاذ الاقتصاد المساعد في كلية لندن للاقتصادLSE، أن تنخفض الصادرات إلى الاتحاد الأوروبي بنسبة 36 في المئة على مدى العقد المقبل من الزمن.
وقال إن من السابق لأوانه الزعم أن توقعات خبراء الاقتصاد "جرى التحقق منها" في تجربة الأسابيع الأخيرة. وأضاف أن أول شريحة من البيانات الفعلية عن الصادرات غير متوقعة من مكتب الإحصاءات الوطنية قبل منتصف مارس (آذار)، وقد لا يعرف الأثر الكامل لسنوات مقبلة، لكنه لفت إلى أن الأدلة الشفهية الخاصة بالشركات المصدرة تشير حتى الآن "إلى أن التغير في العلاقات يتسبب في مشاكل على الحدود".
وقال "إن الأدلة التي تشير إلى حدوث بعض التعطل هي ما قد يتوقعه المرء، لكن لا يزال يتعين علينا أن نرى مقدار الأثر. وفي الوقت الحالي نرى ما يحدث عندما تطلبون في إطار حدود جمركية تصدير بضائع بريطانية إلى الاتحاد الأوروبي. وفي يوليو (تموز)، نطلب بالفعل في إطار الحدود الجمركية استيراد سلع من الاتحاد الأوروبي إلى المملكة المتحدة. ثم هناك أمر آخر يرى خبراء الاقتصاد أنه سيؤثر في التجارة في الأمد البعيد، مع تباعد المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي لجهة السياسات والتنظيمات، وهذا من شأنه أن يزيد من صعوبة التجارة".
وأشار الدكتور سامبسون إلى أن وصف الحكومة للتعطل على الحدود بـ"المشاكل البسيطة" يتضمن "بعض الحقيقة"، فمن المؤكد أن الشركات ستتمكن من استيعاب المعاملات الإضافية مع مرور الوقت، لكنه قال "هناك أيضاً تغييرات دائمة من شأنها أن تزيد من صعوبة التجارة، حتى بمجرد أن يفهم الجميع النظام الجديد. قد يحتاج المرء إلى موظف تتلخص وظيفته في ملء هذه المعاملات، وهذا يشكل تكلفة إضافية للشركات. وسيستغرق عبور القناة الإنجليزية وقتاً. ومع بداية رؤية الاختلاف التنظيمي، من المحتمل أن تتوفر معايير مختلفة على كل من جانبي القناة تفرض تكلفة إضافية، وهذه هي الأشياء التي ستكون دائمة، وليست مجرد مشاكل بسيطة".
وقال خبير العلوم السياسية أناند مينون من كينغز كوليدج لندن، إنه لا يزال يرجح التوقعات التي تشير إلى أن الناتج المحلي الإجمالي سيتعرض إلى ضربة تساوي سبعة في المئة على مدى العقد المقبل من الزمن، وهي توقعات وضعتها المؤسسة البحثية "المملكة المتحدة في أوروبا متغيرة" التي يرأسها.
وكانت المشاكل التي جرى الإبلاغ عنها على مدى الشهر ونصف الشهر الماضيين "بقدر ما كنا نتوقع"، باستثناء حالة عدم اليقين الإضافية التي ولدها كوفيد.
وأضاف أن "بعض المشاكل بسيطة، خلا الشطر الراجح منها. وعلى المرء أن يأخذ في الاعتبار حقيقة مفادها أن النطاق الكامل للتدقيقات لم يصل بعد، ذلك لأن الضوابط المفروضة على الواردات لا تأتي قبل يوليو".
وقال الأستاذ مينون لـ"اندبندنت": "لا أعتقد أنكم ستجدون أي خبير اقتصادي يقول: (نحن في حاجة إلى تغيير توقعاتنا بسبب ما شهدناه منذ خروج بريطانيا). ومن بين الأمور المثيرة للاهتمام أنكم تدركون أن لديكم مجموعة من التوقعات التي صدرت خلال السنوات الأربع أو الخمس الماضية. ولم يرَ أحد أن ثمة ما يستدعي إعادة النظر في تلك التوقعات. وهذا له معنى، ويبلغكم أن ثمة خطباً ما، أليس كذلك؟ نحن نتحدث عن تغييرات بنيوية بعيدة الأجل في الطريقة التي نتاجر بها. وستكون الحواجز التي توقعها الناس موجودة".
© The Independent