ما زال تاريخ انتهاء الجائحة محاطاً بكثير من عدم اليقين. إذ يزعم البعض إنه من المبكر جداً حتى تخيّل رفع القيود. في المقابل، مع تنفيذ برنامج التطعيم، يتجرأ آخرون على الحلم بالشكل الذي سيكون عليه الخروج منها.
وقد نقل حاكم "بنك إنجلترا" المركزي إحدى هذه التكهنات. إذ ذكر إنه يتوجب على البنوك الاستعداد لإمكان احتفال البريطانيين فور رفع القيود باستعادة حرياتهم عبر موجة إنفاق هائلة ما بعد "كوفيد". وإذ تنبّأ بتعافٍ قوي للاقتصاد، لفت الحاكم إلى إنه "من الناحية الإيجابية، بعد إغلاقكم على الناس طوال هذه المدة، التوجه نحو الإنفاق".
لا يمكن لأحد إنكار أن هذا الأمر يبدو إيجابياً ظاهرياً. إذ تمكّن سكان بريطانيا من ادخار مبلغ هائل تقدر قيمته بـ125 مليار جنيه إسترليني (حوالي 170 مليار دولار أميركي)، ويُنتَظَر إنفاقه بأكمله. ونظراً لانكماش الاقتصاد بـ9.9 في المئة في 2020، ثمة حاجة ماسة إلى عودة التعافي. والأكثر من ذلك هو أنه بعد مرور عام من معاناتنا الآثار المجتمعية للعزلة والحداد والانسلاخ عن محبّينا، نكذب جميعاً إن قلنا إننا لا نفكر ببعض الإنفاق احتفالاً.
ومع كل الحديث الدائر حول فورات الإنفاق، قد يكون من المغري بالنسبة لنا أن نقنع أنفسنا بأننا نؤدي دورنا ببساطة في إنعاش الاقتصاد. في المقابل، هناك أمور علينا كلنا التفكير بها قبل تسجيل نهاية الجائحة عبر إنفاق ما في جيوبنا.
وتذكيراً، إن ما عشناه جميعاً منذ آذار (مارس) 2020 صعب من نواحٍ مختلفة وفريدة. سوف تُجرى أبحاث وتكهنات في سنين مقبلة حول التأثير الذي خلّفته سنة من الإغلاقات المتكررة وحدوث أكبر نسبة من الوفيات الزائدة منذ الحرب العالمية الثانية، في أجسامنا ونفسياتنا.
وقد أظهرت دراسة لمؤسسة "يوغوف" YouGov لاستطلاعات الرأي أنّ 65 في المئة من البريطانيين يعتقدون بأن الجائحة قد أضرّت بصحتهم الذهنية، ما يشكّل أعلى نسبة بين البلدان أو المناطق الأخرى. وبعد سنة من الأنباء السلبية، اعتدنا رؤية وقراءة هذا النوع من الأرقام، لكن لا يمكننا التخفيف من أهميتها.
وتوضيحاً، نحن على مشارف أزمة صحة نفسية، ولذا فإن توقعات الحاكم (بنك إنجلترا) عن الفترة الآتية مقلقة بشكل خاص. لقد تغاضى الناس فترة طويلة للغاية عن الصلة الوثيقة بين صحتنا وثروتنا، مفضّلين أغلب الأحيان التظاهر بأنها غير موجودة في الحقيقة. لكن في الواقع، لا يؤثّر وضعنا المالي في عافيتنا النفسية والجسدية فحسب، بل يمكن لعافيتنا أن تترك أثراً هائلاً كذلك في طريقة إدارتنا أموالنا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبشكل كبير جداً، قد تؤثر مشاكل الصحة النفسية التي نعاني منها في قدرتنا على اتخاذ قرارات متّزنة، لا سيما المرتبطة بإنفاقنا ووضعنا المادي. وجدت دراسة أجراها "معهد سياسة المال والصحة العقلية" Money and Mental Health Policy Institute دلائل مذهلة على هذه الصلة. وقد أفاد 93 في المئة من المشاركين عن زيادة إنفاقهم خلال مراحل معاناتهم النفسية. إذ يمدنا الإنفاق بجرعة مؤقتة من الـ"دوبامين" [مادة تفرز في الدماغ وتتصل بمشاعر الفرح]، وبسبب ذلك تحديداً يمكن أن يشكل الأمر معضلة كبيرة لمن يعانون مشاكل نفسية أو لأي أحد يشعر بقليل من الإحباط. يمكن أن يخرج الإنفاق العاطفي عن السيطرة بسرعة، فتؤدي عملية الشراء إلى عملية أخرى فيما نحاول الهروب من زيادة الإحساس بالذنب.
إنه منحدر سريع يبدأ بفورة الإنفاق وينتهي بمراكمة الديون. لذا، فيما نقترب من "نهاية الجائحة"، بدل الاحتفال من خلال توزيع الفائض من المال، ربما علينا استخدام هذه المرحلة المقبلة للاستثمار في أنفسنا وإعادة التفكير في سلوكنا الإنفاقي؟
في منحىً آخر، لقد أرغم الإغلاق عديدين منّا عن غير قصد، على تبنّي عادات إيجابية، سوف تحسّن رفاهنا النفسي وسعادتنا بشكل عام كثيراً إذا استمرينا في الالتزام بها بعد العودة إلى الحياة الطبيعية. إذا كنتم قد خففتم من شرب الكحول أو التدخين وبدأتم بشكل من التمارين الرياضية أو وجدتم أنكم تمشون أكثر، لا تجعلوا نهاية الجائحة خاتمتها. ففي النهاية، يمكن لهذه التحسينات البسيطة مساعدتنا على الشعور بأننا على أفضل حال.
واستطراداً، تقبّلوا المرونة التي فرضها علينا الإغلاق برحابة صدر. ليس العمل من المنزل شيئاً مثالياً كل الوقت، لكنه علّمنا فوائد التوفيق (بين العمل والراحة)، وكذلك حررنا من خمسة أيام من المواصلات المرهِقة. مع بدء فتح القطاعات مجدداً، حاولوا ألا تعودوا إلى نمط الحياة الدائم السرعة وتذكروا أنكم غير مضطرين لحضور كل فعالية تُدعون إليها أو للضغط باستمرار على خيارات "أضف إلى السلة" أو "إضغط كي تشتري" أو "أكمل المظهر". وسيفيد التخلص من هذا الإحساس بالذنب، عافيتكم الشخصية كثيراً، ومحفظتكم.
خلال سنوات عدّة مقبلة، سنتذكر جميعاً جائحة "كوفيد- 19" باعتبارها مرحلة مؤلمة من حياتنا. وكي نستطيع تخطيها وفهم ما حصل، علينا التعامل معها بوصفها مرحلة تعلّم وفرصة لتحسين الذات. فكروا في ما ساعدكم فعلاً على تخطي أسوأ الأيام. يمكنني الجزم بأنه لم يكن في الحقيقة، إنفاق المال. وسواء تمثّل ذلك في استغلال الوقت المُكتسب من عدم الخوض في المواصلات المرهقة من أجل وضع أطفالكم في السرير استعداداً للنوم، أو طبخ الطعام اللذيذ مع شريككم أو قضاء مزيد من الوقت خارجاً، لا تهجروا هذه الأمور. ولسوف ينفع هذا النوع من الاستثمار في الذات، عافيتكم أكثر من أي فورة إنفاق.
كاش أميني هو الرئيس التنفيذي لموقع "ماسلايف" Maslife لشؤون المال والعيش الجيد
© The Independent