اختتمت قمة دول الساحل الأفريقي السابعة على وقع إيجابي يشير إلى تحسن الأوضاع الأمنية في المنطقة، بعد سنوات من توالي الهجمات المسلحة فيها، التي جعلتها بؤرة إرهابية في القارة السمراء.
تحسن الوضع الأمني
أعلن قادة تجمع دول الساحل الخمس (موريتانيا وتشاد ومالي والنيجر وبوركينا فاسو)، في البيان الختامي لقمّتهم التي انعقدت في العاصمة التشادية أنجمينا يومي 15 و16 فبراير (شباط)، عن "تحسن الأوضاع الأمنية في منطقة الساحل الأفريقي، الذي يعكس تصميم قوات الأمن والدفاع الموجودة على الأرض، والصمود المتنامي لدى السكان المحليين في وجه التهديد الإرهابي".
ويشير الباحث المغربي المتخصص في القضايا الأمنية في منطقة الساحل عبد الواحد أولاد مولود، إلى أن قمة أنجمينا أتت في ظرف استثنائي، لا سيما أن المنطقة تعيش على وقع جائحة كورونا، معتبراً أنها لم تكتفِ بمناقشة التهديدات الأمنية، على غرار تنامي أنشطة الجماعات المتطرفة خلال الفترات الأخيرة فحسب، بل تطرقت إلى تداعيات الوباء أيضاً.
ويعزو الباحث المغربي تأكيد قادة القمة على تحسن الأوضاع الأمنية إلى "ما يمكن أن نطلق عليه، إلى حد ما، كسر شوكة الجماعات المتطرفة عبر استهداف أهم زعمائها التقليديين كمختار بلمختار وأبو الهما وأبو مصعب عبد الودود وغيرهم. لكن هذا لا يعني أن هناك دحراً لاستراتيجية هذه التنظيمات، بل إنها في مرحلة لملمة الأوراق والصحوة من جديد".
وعلى الرغم من تطمينات قادة الدول الخمس، إلا أن أولاد مولود يشير إلى أنه "لا يمكن الجزم بوجود تحسن على المستوى الأمني، بخاصة أن العالم كله شهد تشديداً للإجراءات الأمنية في خضم التدابير المتخذة لمواجهة فيروس كورونا. بالتالي، فإن ملامح التحسن رهن بالمستقبل القريب وتخلّص دول الإقليم من الوباء نهائياً".
من جانبه أكد حبوب الشرقاوي، رئيس المكتب المركزي للأبحاث القضائية، أنه "بعدما تلقّى تنظيم داعش الإرهابي ضربات موجعة في المنطقة السورية- العراقية، غيّر من تكتيكاته وإمداداته إلى مناطق أخرى تعرف هشاشة أمنية، بينها منطقة الساحل والصحراء في أفريقيا".
تراجع عن سحب الجنود
أطلقت القوات الفرنسية في أغسطس (آب) 2014 عملية "برخان"، عبر نشر آلاف الجنود في منطقة الساحل، مع منحها صلاحيات للعمل عبر الحدود لملاحقة الإرهابيين، بعد الوقوف على محدودية عملية "سرفال".
وبعدما كانت فرنسا تدرس، قبل أسابيع، سحب 600 جندي من قواتها في المنطقة، أعلن الرئيس إيمانويل ماكرون خلال مداخلة بالفيديو خلال القمة أن بلاده لا تعتزم في الوقت الحالي تخفيض عدد قوات عملية "برخان".
وفي تحليله لتوجهات باريس الدفاعية في المنطقة، أشار أولاد مولود إلى أنه بعد قمة "بو" بداية السنة الماضية، ارتفع عدد الجنود الفرنسيين إلى 5100، بزيادة 600 عنصر، وعلى الرغم من تكرار ماكرون الحديث عن استراتيجيته لسحب الجنود تدريجاً، إلا أن "تهديدات الجماعات المتطرفة لا تزال مستمرة، وقد أصبحت الحدود المالية مع النيجر وبوركينا فاسو مثلثاً للأزمات، وهذا ربما ما جعل باريس تعيد النظر في خيارها".
الاستراتيجية العسكرية الفرنسية
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يعتبر أولاد مولود أن قراءة الاستراتيجية العسكرية الفرنسية في المنطقة تشير إلى رغبة في دعم جيوش دول المجموعة الخماسية. وما يؤكد ذلك، وفقه، اعتزام نشر 1200 جندي تشادي في المثلث الحدودي، "الذي كان له الفضل في دعم الجيش الفرنسي في شمال مالي على مستوى عملية سرفال عام 2013، نظراً إلى إلمامه بأدغال الصحراء".
وأضاف "كما لا يمكن تجاهل أن عدول فرنسا عن الانسحاب التدريجي في هذه الفترة يعزى إلى دخول بعض الدول الأوروبية كالسويد وإستونيا على الخط، وبروز ملامح تركيز أميركي جديد على المنطقة، وهو ما تجلّى في مشاركة وزير الخارجية أنتوني بلينكن في القمة".
الدور المغربي
شارك رئيس الوزراء المغربي سعد الدين العثماني في أعمال قمة دول الساحل، الأمر الذي أثار تساؤلات حول احتمال مشاركة قوات بلاده في عمليات مكافحة الإرهاب في المنطقة.
وأوضح في كلمته أن "المملكة المغربية القوية بروابطها التاريخية مع دول الساحل، والوفية لرسالتها بوصفها فاعلاً ملتزماً من أجل الأمن والاستقرار في أفريقيا، تجدد التأكيد... على انخراطها المتضامن إلى جانب دول الساحل الخمس وباقي دول المنطقة، للتصدي سوياً للأخطار التي تتهدد مستقبلها ومستقبل المنطقة".
وأكد العثماني أن بلاده ستستمر في دعم "معهد الدفاع" لمجموعة دول الساحل الخمس في نواكشوط، وتدريب الضباط المنتمين لدول الساحل في المعاهد العسكرية المغربية، معتبراً أن محاربة الإرهاب تتم كذلك في ميدان الأفكار، إذ تحرص الرباط على مواصلة تكوين الأئمة المنحدرين من المنطقة، في معهد محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات.
وأشار رئيس الوزراء المغربي إلى أنه في بعض الدول تضاعف عدد الضحايا خمس مرات، بحيث لا يزال إلى اليوم أكثر من 3.5 مليون شخص في وضعية لاجئ أو نازح داخلي، قائلاً إن تنظيم "داعش" يتحمّل مسؤولية نحو 41 في المئة من الهجمات ما بين عامي 2019 و2020.