من على باب القصر الجمهوري، وبعد لقاء جمعه برئيس الجمهورية، أعلن عضو تكتل التيار الوطني الحر، النائب إلياس بو صعب، أن "النظام اللبناني فشل، ومن هنا ضرورة البحث في تطبيق ما تبقى من اتفاق الطائف، خصوصاً اللا مركزية الإدارية الموسعة، وذلك من خلال عقد طاولة حوار".
ليست الدعوة إلى طاولة حوار وقد أشرف العهد على نهايته مستغربة، بقدر ما هي لافتة، لا سيما في جدول أعمالها المرتبط بملفات سياسية خلافية كان رئيس الجمهورية قد تجنب الخوض فيها، مكتفياً بطاولتي حوار، الأولى عام 2017 قبيل إقرار سلسلة الرتب والرواتب، والثانية في يونيو (حزيران) 2020 تحت عنوان اللقاء الوطني المالي. فما الدافع اليوم إلى طاولة حوار تبحث في الدستور وفي تطبيق ما تبقى من الطائف؟ وهل من خفايا وراء الطرح الذي تقدم به النائب بو صعب؟
ماذا وراء طرح بو صعب؟
قبل بو صعب طالب رئيس التيار الوطني الحر بتغيير النظام، لكن وزير الدفاع السابق الذي بقي إلى يمين رئيس التيار جبران باسيل في الحكومات السابقة، يؤكد لـ"اندبندنت عربية" أنه لم ينسق مع أحد في هذا الطرح، وهو اقتراح شخصي من قبله بعد ما وصل إلى قناعة بأن الأمور "لن تستقيم" إلا إذا طبق البند المتعلق بالدولة المدنية من اتفاق الطائف.
يذكر بو صعب أنه منذ خروج الجيش السوري من لبنان والبلد يعيش أزمات تأليف وتشكيل وفراغات رئاسية، ولا يزال. ويشدد على أن الحل هو في "تنفيذ اللا مركزية الموسعة"، وصولاً إلى الدولة المدنية، إذ ستسقط حكماً كل العراقيل الطائفية التي تعترض أي استحقاق مستقبلي.
لماذا اختيار اللا مركزية الموسعة؟ وماذا عن حصرية السلاح المنصوص عنه في اتفاق الطائف؟ يجيب بو صعب بأن السلاح يجب أن يكون "في يد الدولة"، ويحتاج إلى حل ضمن استراتيجية دفاعية، نافياً تأييده أن يكون السلاح في يد فريق، مذكراً أن هذا البند ورد في ورقة التفاهم بين التيار الوطني الحر و"حزب الله"، لكن "للأسف لم يطبق".
وفيما يشبه التبني لموقف البطريرك الماروني، على عكس ما كان عليه موقف التيار الحر الذي ينتمي إليه بو صعب، اعتبر أن الحل في "اعتماد الحياد الحقيقي" عن كل الصراعات الخارجية، وعدم إقحام لبنان بأي مشكلات لا تعنيه، وتأكيد عروبته وتقوية علاقته بالدول العربية، غامزاً بذلك من قناة "حزب الله" وإيران، وكاشفاً عن أن رئيس الجمهورية كان إيجابياً تجاه ما اقترحه بو صعب عن الدعوة إلى طاولة حوار، وإن كان رد بالقول: "لن يمشوا معنا".
فخ "حزب الله"
على الضفة المواجهة يقف رئيس لقاء سيدة الجبل فارس سعيد لا يخفي شكوكه بالدعوة إلى طاولة حوار لتطبيق الطائف. ويقول "إن هذا الطرح هو مدخل إلى إلغاء الطائف"، معتبراً أن الطائف "لا يحتاج لا إلى تعديل، ولا إلى تطوير، بل يحتاج إلى التطبيق"، لكن المطروح، بحسب رأيه، هو فخ نصبه "حزب الله" من خلال بو صعب وغيره للوصول إلى ما يريده الحزب منذ زمن، وهو "تغيير الدستور وإدخال تعديلات دستورية" قد تجعل من الدولة خاضعة أو حليفة له بشكل كامل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يذكر سعيد، المنسق سابقاً لما كان يعرف بثورة الأرز، أن الطرفين اللذين رفضا اتفاق الطائف عام 1989 هما التيار الوطني الحر في الوسط المسيحي، و"حزب الله" في الوسط المسلم. الاثنان تعايشا مع الاتفاق في مرحلة الوصاية السورية وما بعدها إلى حين شعر "حزب الله" أن اللحظة المناسبة أتت لإطاحته. والحزب كان أول من تحدث عن مؤتمر تأسيسي في حوار "سال سن كلو" في فرنسا عام 2007، عندما طالب باستبدال المناصفة التي نص عليها الطائف إلى المثالثة.
ويعتبر سعيد أن طرح التيار بتغيير النظام أو بتعديل الطائف من باب تطبيق ما تبقى منه وصولاً إلى الدولة المدنية كما طرح بو صعب، يصب "في مصلحة مطلب الحزب"، حتى شعار الدولة العلمانية الذي رفعته بعض المجموعات في انتفاضة 17 تشرين، سيسهم بحسب سعيد في تحقيق ما يصبو إليه "حزب الله"، لأنه في النهاية الأقوى على طاولة المفاوضات هو الذي يربح، والأقوى اليوم هو الذي يحمل السلاح.
لا حوار في ظل السلاح
على الرغم من تأكيد النائب إلياس بو صعب أن تطبيق اللا مركزية الموسعة يخفف من نفوذ السلاح، فإن سعيد، المعارض الدائم للعهد والحزب، يرى عكس ذلك، مؤكداً أنه لا يمكن البحث بهذا الموضوع في ظل وجود سلاح غير شرعي يملكه فريق سيجلس على الطاولة للتفاوض حول الدستور (اللا مركزية الموسعة). يضيف سعيد عنواناً فرعياً، بينما يجب أن يكون العنوان الأساسي لأي بحث (رفع الاحتلال الإيراني عن لبنان)، لنتمكن بعدها من الحوار حول الدستور. وبصيغة الجزم يقول "أي كلام في ظل الاحتلال مرفوض، وسنرجم بالحجارة مشاركة القوى السياسية بأي طاولة حوار للكلام عن تطوير الطائف في ظل الاحتلال الإيراني وبارودة الحزب".
ولا يثق سعيد بخلفيات الطرح، ولا في توقيته، ويذكر بأن الطائف شكل عقداً سياسياً اجتماعياً بين اللبنانيين، بحيث حصل المسيحيون من خلاله على "نهائية الكيان اللبناني"، وحقق المسلمون مبدأ "عروبة لبنان"، والخروج من هذه المعادلة بحسب سعيد، يعني "الدخول إلى المجهول وإلى احتمالات جديدة قد تطيح البلد".
تطبيق الطائف لا يكون انتقائياً
بنود مهمة لم تطبق من اتفاق الطائف منذ وضعه حتى اليوم، أي منذ 33 عاماً. يحددها القيادي في تيار المستقبل النائب السابق مصطفى علوش بثلاثة، وهي: اللا مركزية الإدارية الموسعة، وقانون الانتخاب على أساس الدوائر الكبرى أي المحافظات، وتشكيل الهيئة العليا لإلغاء الطائفية السياسية وانتخاب مجلس الشيوخ على أساس طائفي. ويضيف "استكمال تطبيق الطائف يجب أن يشمل كل هذه البنود، وليس بنداً واحداً يمكن انتقاؤه بحسب الحاجة".
ولا يرى علوش في الطرح استدراجاً للالتفاف على الطائف، بل التزام به، وإذا كان كذلك فأهلاً وسهلاً بهم إلى النقاش. وبإيجابية يتلقف طرح الوزير السابق إلياس بو صعب عن تطبيق الاتفاق، معتبراً أن الكلام عن التطبيق وليس التعديل أو التغيير "جديد ومتقدم"، داعياً إلى التقاط هذه الدعوة والذهاب إلى النقاش، فإذا كان النقاش حول الطائف وبنوده أهلاً وسهلاً، لكن هل هم مستعدون للقبول ببند إلغاء الطائفية السياسية؟ يسأل علوش.
وبحسب القيادي في "المستقبل"، كل النقاط التي يمكن بحثها على طاولة حوار في بعبدا، يمكن أن تناقش أيضاً في مجلس النواب، وإلا فليحدد مسبقاً برنامج أي لقاء وطني موسع. الكلام عن تطبيق الطائف كلام بناء، بحسب رأيه، لا سيما إذا كان في إطار طاولة موسعة، لاستكمال كل بنود الطائف ولاستكمال اللا مركزية الموسعة والهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية وغيرها.
ولا ينفي علوش فرضية الاستقواء بالسلاح على طاولة البحث بالدستور، لكنه يطمئن إلى أن أي تعديل يحتاج إلى ثلثي أعضاء مجلس النواب، الأمر الذي سيكون من الصعب تأمينه. ولا يرى أن التيار الوطني الحر الذي لم يقبل بالطائف يوماً، يتعين الفرصة السانحة لنسفه، ويعتبر أن التيار الوطني الحر يريد أن يبقى الطائف للحفاظ على المناصفة، وتجنباً لطرح صيغ جديدة، لا سيما من قبل الطائفة الشيعية.
لكن، التيار الحر يسعى في الوقت نفسه، بحسب علوش، إلى إيجاد طرق لتجاوز اتفاق الطائف بالممارسة، وبحجة الرئيس القوي وغيرها من العناوين والشعارات التي يرفعها التيار. وكل هذه الطروحات ليست سوى انعكاس لتخبط التيار ورئيسه.