كما كان متوقعاً، بدأت تداعيات محاولة اغتيال وزير الداخلية في حكومة الوفاق الليبية، فتحي باشاغا، تلقي بظلالها على المشهد العام في طرابلس، خصوصاً في الجانب الأمني، إذ عاشت العاصمة الليبية ليلة متوترة على وقع التأهب العسكري وتبادل إطلاق النار، بين قوات تابعة لوزارته وكتائب مسلحة من المدينة وخارجها.
فبعد ساعات قليلة من محاولة الاغتيال، دخلت كتائب مسلحة من مدينة الزاوية إلى ميدان الشهداء في طرابلس، وسط إطلاق كثيف للرصاص وتهديدات بمعاقبة فتحي باشاغا، بعد قتل قوة الحماية التابعة له عنصراً منها، في المواجهة المسلحة في جنزور (غرب العاصمة طرابلس)، قبل أن تخرج من الميدان إثر هجوم شنته قوة عسكرية تابعة لحكومة الوفاق عليها.
وتوقع مراقبون أن تخرج هذه الأحداث إلى العلن، الخلافات بين باشاغا وعدد من قيادات الكتائب الطرابلسية، بعد أشهر من التصعيد المتبادل، وإنشاء أجسام أمنية، كان كل طرف يعد العدة من خلالها لمواجهة خصمه، في معركة لبسط النفوذ على العاصمة، توقعها كثيرون، واستبعد وقوعها غيرهم، قبل وقوع هذه المواجهات.
بداية التوتر
بدأ التوتر حين أعلنت وزارة الداخلية التي يديرها باشاغا، تعرضه لمحاولة اغتيال، مساء الأحد، 21 فبراير (شباط)، غرب طرابلس، نفذها ثلاثة مسلحين، قتل أحدهم، واعتقل شريكاه في العملية، لتخرج قوة دعم الاستقرار، المشكلة من كتائب مسلحة من الزاوية وطرابلس لتكذب الخبر، وتعلن أن القتيل ينتمي إليها وتوعدت بالرد.
وقالت الوزارة في بيان "عند الساعة الثالثة بعد الظهر، يوم الأحد، تعرض وزير الداخلية بحكومة الوفاق فتحي باشاغا، لمحاولة اغتيال أثناء رجوعه إلى مقر إقامته بجنزور، حين قامت سيارة مسلحة مصفحة بالرماية المباشرة على موكبه باستعمال أسلحة رشاشة". وأضافت "العناصر الأمنية المكلفة حراسة وزير الداخلية، قامت بالتعامل مع السيارة المذكورة، والقبض على المجموعة المسلحة بعد الاشتباك معها، ما أدى إلى تعرض عنصر حراسة مرافق للوزير لإصابة، والقبض على اثنين من المهاجمين ووفاة الثالث أثناء التعامل معهم". وأكدت الوزارة "سلامة الوزير وعدم تعرضه لأي أذى"، مشددة على "استمرارها والأجهزة والقطاعات الأمنية بممارسة أعمالها لبسط الأمن، وإنفاذ القانون وملاحقة المجرمين، وضمان عدم إفلاتهم من العقاب، والامتثال التام للشرعية الجنائية، والإشراف القضائي المباشر على أعمالها كافة".
تفاصيل جديدة
وبعد ساعات قليلة، بدأت تتكشف هوية المهاجمين لموكب الوزير، وتفاصيل جديدة عما حدث في جنزور، جعلت البعض يشكك في فرضية وقوع محاولة اغتيال لفتحي باشاغا، وأن ما جرى هو صدام وقع بين قوة الحماية الخاصة التابعة له، وقوة دعم الاستقرار، التي أنشئت بقرار من وزير الدفاع في حكومة الوفاق صلاح النمروش، بعد موافقة رئيس الوزراء فايز السراج.
وبدأت الأصوات المؤيدة للفرضية الجديدة تتزايد، مع نشر قوة دعم الاستقرار فيديو وبياناً يدحضان التفاصيل التي وردت في بيان وزارة الداخلية، ويظهر الفيديو الذي صورته إحدى كاميرات المراقبة، وانتشر بسرعة على مواقع التواصل الليبية، اصطدام سيارة تابعة لرتل باشاغا بأخرى تابعة لقوة دعم الاستقرار، قبل وقوع المواجهة المسلحة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما جهاز دعم الاستقرار، فنشر رواية مغايرة تماماً لبيان وزارة الداخلية بحكومة الوفاق، في شأن محاولة اغتيال الوزير المفوض باشاغا، قائلاً في بيان "أفراد تابعون له تعرضوا لحادثة إطلاق نار بالطريق الساحلي في جنزور، أثناء عودتهم من أعمالهم المكلفين إياها، وصودف مرور سيارة تابعة للجهاز مع رتل تابع لوزير الداخلية، وفوراً، تمت الرماية من حراسات الوزير على السيارة المصفحة التابعة للجهاز، من دون وجه حق، ما أدى إلى مقتل أحد منتسبي الجهاز من مدينة الزاوية وإصابة آخر". واعتبر البيان أن "ما حدث ناجم عن سوء تنسيق وسوء تصرف من حراسات باشاغا، نافياً وقوع أي محاولة لاغتياله". وشدد على أن "الجهاز سيلاحق المتورطين في إطلاق النار على موظفيه، بالقانون ووفقاً للتشريعات النافذة المنظمة لعمل المؤسسات في الدولة، بعيداً عن الادعاءات الباطلة والبهرجة الإعلامية، التي لا تخدم العلاقة بين الأجهزة الأمنية في الدولة".
مواجهات في ميدان الشهداء
وبينما وقف الجميع في ليبيا حائراً بين الروايتين، ويحلل ما ورد فيهما، كانت الأوضاع في عاصمة البلاد تتطور بسرعة، بدخول قوة عسكرية أتت من مدينة الزاوية إلى ميدان الشهداء، الأشهر في طرابلس، وسيطرتها عليه وقيامها بإطلاق الرصاص بكثافة، متحدية القوات الأمنية التابعة لوزير الداخلية، التي تشرف عادة على تأمين الميدان.
كما بينت مقاطع فيديو، قيام القوة الآتية من الزاوية بالهجوم على مقرات تابعة لوزير داخلية الوفاق باشاغا، في جنزور غرب طرابلس، لكن هذه القوة انسحبت بعد ذلك إلى مواقع خارج المدينة، بعد تدخل قوة مسلحة ضخمة تحمل شعار المنطقة العسكرية، طرابلس، ودخولها ميدان الشهداء.
جملة من بيانات التنديد
في المقابل، دان عدد كبير من المسؤولين داخل ليبيا وخارجها الحادث، وحذر بعضهم من تأثير الأحداث التي تشهدها طرابلس على المسار الإيجابي للمفاوضات السياسية في ليبيا، وأعرب المجلس الرئاسي الجديد وحكومة الوحدة الوطنية، في بيان مشترك، عن "استنكارهما واستهجانهما الشديدين لحادث موكب وزير الداخلية بحكومة الوفاق"، مطالبين "الجهات المسؤولة بمتابعة التحقيقات والوصول إلى الحقيقة".
ولمح البيان إلى محاولات، من جهات لم يسمها، بعرقلة الوصول إلى مرحلة الاستقرار في ليبيا، مشيراً إلى أن "مسيرة تحقيق الاستقرار التي شرعنا فيها مليئة بالتحديات والمتربصين، من هنا، يجب ألا نجعل لهم مجالاً للفتنة وزرع المكيدة، وعرقلة هذه المسيرة التي سلكناها معاً من أجل النهوض بليبيا". ودعا البيان الأطراف كافة إلى "ضبط النفس، والحرص على العمل معاً للوصول إلى الحقيقة، ومحاسبة كل من خرق القانون من خلال الجهات القضائية والأمنية المختصة".
وتعهد البيان المشترك بأن السلطة التنفيذية الجديدة "ستعمل على أن يكون من أولوياتها بسط السيطرة الأمنية الكاملة على التراب الليبي، والحرص على تطبيق القانون بحزم، من خلال الأجهزة القضائية والأمنية المختصة، حتى تتمكن من وضع مثل هذه الوقائع في الخلف، والالتفات نحو بناء الدولة".
أما المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا، يان كوبيش، فاستهجن بشدة "الحادث الأمني الخطير، الذي استهدف وزير الداخلية فتحي باشاغا"، واعتبر في بيان أن "هذه الأعمال المتهورة تشكل تهديداً للاستقرار والأمن، وتهدف إلى عرقلة العملية السياسية والجهود الدولية لدعم ليبيا وشعبها"، داعياً إلى "تحقيق كامل وسريع وشفاف في الحادث"، و"مؤكداً مرة أخرى أهمية إبقاء كل الأسلحة في أيدي السلطات الشرعية".
من جانبه، خاطب رئيس المجلس الرئاسي الحالي فايز السراج النائب العام، بخصوص واقعة موكب وزير الداخلية، مطالباً بـ"تكليف أحد العناصر من أعضاء النيابة العامة للتحقيق في الواقعة، واتخاذ كل الإجراءات حيال من يثبت تورطه في فعل يشكل جريمة مخالفة للقانون".