على الرغم من أن المنطقة الخليجية تعيش أزمات واحدة وُلدت من رحم جائحة كوفيد-19، والتراجع التاريخي في أسعار النفط على امتداد العام الماضي (بدأت أسعار النفط تشهد تحسناً دفع المؤسسات العالمية لمراجعة توقعاتها لأسعار النفط هذا العام)، ولكن المثير هو التباين في أداء أسواق المال الخليجية. فلماذا هذا الاختلاف، وما الذي يغذيه، وهل سيستمر على امتداد العام الحالي؟
قال محمد علي ياسين، الرئيس التنفيذي للاستراتيجيات والعملاء في "الظبي كابيتال"، إن شهر فبراير (شباط) تحديداً شهد تبايناً في أداء أسواق المال الخليجية، حيث شهدنا ارتفاعات جيدة في السوق المالية السعودية منذ بداية الشهر الحالي بأكثر 5 في المئة، بينما هبطت سوق قطر المالية في حدود 4.3 في المئة، كما شهدنا هبوطاً في سوق دبي المالية بأكثر من 4 في المئة بقليل، بينما حافظت سوق أبو ظبي المالية على أدائها الإيجابي بحدود 1 وربع في المئة، وكان أداء سوق الكويت المالية سلبياً.
وعن العوامل التي أثرت على هذا التباين، يوضح ياسين أن فبراير شهد موجة إغلاق في أوروبا مع تفشي موجة ثانية من فيروس كورونا، كما أعلنت المملكة المتحدة عن لائحة حمراء للسفر وأوقفت رحلاتها مع الإمارات، وقد انعكست هذه الخطوة سلباً على قطاع السياحة في الدولة وتحديداً دبي.
ويقول إن ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات جيدة وخصوصاً بالسرعة التي وصلت إليها في فبراير وتجاوزها 65 دولاراً للبرميل (نفط برنت)، دفع الوكالات وبيوت الخبرة والمؤسسات العالمية مثل "مورغان ستانلي" و"غولدمان ساكس"، إلى رفع توقعاتها لأسعار النفط إلى 70 أو 73 دولاراً للبرميل، مما كان له دور إيجابي على أسواق المال السعودية التي تضم كثيراً من أسهم الشركات العاملة في الصناعات البترولية والبتروكيماوية مثل "أرامكو" و"سابك"، مما ينعكس بشكل رئيس على أدائها ومؤشرها.
ويضيف ياسين أن القطاع المصرفي في السعودية كان أداؤه إيجابياً أيضاً، بخاصة البنوك الكبيرة، حيث كانت قوية وعكس ذلك أداء بنك الراجحي بتجاوزه التوقعات حيث ارتفع السهم في حدود 23 في المئة منذ بداية إعلان نتائجه، وكذلك أداء البنك الأهلى التجاري كان جيداً ضمن التوقعات، وبالتالي انعكاس أداء القطاع المصرفي على السوق المالية كان جيداً، على الرغم من ضعف أداء البنوك الصغيرة. وكذلك الأداء الجيد لقطاع الاتصالات كان له انعكاس إيجابي على السوق.
ويعتقد أن نسخة "دافوس الصحراء" في السعودية في يناير (كانون الثاني) الماضي كان فيها كثير من الإيجابية، خصوصاً أنها تحدثت عن مشاريع عملاقة من بينها جعل مدينة الرياض ضمن أكبر عشر مدن في العالم بحلول عام 2030، وهذا أعطى مؤشرات على أنه ستكون هناك مشاريع عملاقة في البلاد، والتي ستأتي عن طريق القطاع المصرفي وبدعم حكومي كبير. كل هذه الحقائق تبرر أداء السوق السعودية في فبراير، والذي كان الأفضل خليجياً.
وعلى الرغم من تراجع سوقي دبي وقطر الماليتين ما زلنا نتحدث عن مستويات إيجابية، حيث لا تزال سوق أبو ظبي المالي متجاوزة 20 في المئة ومحافظة على أدائها القوي، كما أن عملية الإعلان عن توزيعات الأرباح بالنسبة إلى الشركات، مثل "بنك أبو ظبي الأول" و"الدار" واتصالات، كلها ساعدت في الحفاظ على الأسهم الثقيلة في المؤشر عند مستويات عالية. أيضاً إعلان دبي عن زيادة حصة المستثمرين الأجانب إلى 49 في المئة في "اتصالات" و"دو" انعكس إيجاباً وأكد وجود تدفقات أجنبية للشركات الكبيرة ذات الثقل في مؤشرات أسواق المال، وبالتالي محافظتها على مستوياتها السعرية، مستفيدة من عملية التوزيعات وعملية الدخول الأجنبي.
انتعاش وتداول قوي مقبلان
ويضيف ياسين أن عملية تعافي أسواق الخليج خصوصاً الإمارات وتحديداً دبي لم تصل بعد إلى حدها الأعلى من ناحية الأداء، وأعتقد أنه "ستكون هناك فترات انتعاش وفترات تداول قوية كتلك التي شهدناها في الشهرين الأخيرين من عام 2020 ونشهدها منذ بداية العام الحالي، لأن الحديث القائم اليوم هو عن الانفتاح في بريطانيا وأوروبا، والحديث عن كيف أن اللقاح يُخفف من سرعة انتشار كورونا، وبالتالي قد نرى مجدداً عودة انتعاش قطاعات السياحة والعقارات والاقتصاد مما سيكون له دور في الانعكاس على أداء الشركات، وبالتالي أسعار أسهمها في أسواق المال في الإمارات، التي لا تزال أقل من مثيلتها في الأسواق الناشئة مثل السعودية والكويت، وفق تقييم الشركات الرئيسة".
التنبؤ صعب
من جانبه، يقول المحلل الاقتصادي الكويتي محمد رمضان إن التباين في أداء أسواق المال الخليجية مرتبط بالأهمية التي توليها الحكومات لأسواقها المالية، وأيضاً حجم الحزم التحفيزية المقدمة من قبلها. ويضيف أن هذين العاملين أساسين في خلق التباين الحاصل.
ويشير إلى الجهود التي تبذلها الحكومة السعودية لجذب الاستثمارات الأجنبية إلى جانب خطوات تحفيزية أخرى أسهمت في الأداء الجيد لأسواق المال، مشيراً إلى أن الوضع قد لا يكون مماثلاً في دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى.
ويرى المحلل الاقتصادي الكويتي أنه من الصعب جداً التنبؤ بأداء أسواق المال الخليجية عام 2021، نظراً إلى أن طبيعتها قد لا تظهر آثار التحفيز بشكل سريع جداً، مع التذكير بوجود ضغوط على الميزانيات.
الاستثمارات الأجنبية
من جانبه، قال المصرفي في دبي حسن الريس، إن أسعار الفائدة المنخفضة ستلازمنا لفترة من الزمن، مشيراً إلى "خفض الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة وارتباط العملات الخليجية بالدولار الأميركي (باستثناء الكويت المرتبطة بسلة عملات)، يجعلنا نتأثر خليجياً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويوجد تأثير غير مباشر من منطقة اليورو، التي تقبع اليوم في المنطقة السلبية. ولأن الدولار تراجع أمام العملات الرئيسة، كما الدرهم والعملات الخليجية الأخرى، فإن المنطقة أصبحت أكثر جاذبية للسياح ومُشتري العقارات والتجار والمستثمرين الأجانب بشكل عام.
ويوضح أن التوقعات تشير إلى ارتفاع التضخم. ففي الإمارات كان سلبياً (1-) لنحو عام، لكن يتوقع أن يصبح إيجابياً (بين 0.75 إلى 1+) خلال الربع الثالث أو الأخير من عام 2021.
ويعلل الريس التباين في أداء أسواق المال الخليجية بالارتفاع الذي تشهده أسواق النفط العالمية، مع توقعات بوصول برميل النفط إلى 80 دولاراً بحلول الربع الثالث من هذا العام. ويقول إن "ارتفاع أسعار النفط يعني زيادة العوائد النفطية واستئناف عمليات البناء في المشاريع... وبالتالي هي أخبار جيدة للدول المنتجة للنفط بما فيها السعودية أحد أكبر المنتجين في العالم، وبالتالي انعكس ذلك إيجاباً على سوقها المالية. كما أن الرياض تعمل على جذب الاستثمارات الأجنبية، ما يعطي دفعة لسوقها المالية".
ودعا الريس دول الخليج إلى تحفيز جاذبية الاستثمار الأجنبي من خلال خفض الرسوم وإتاحة الملكية الكاملة ورفع حصة المستثمرين الأجانب في الشركات المحلية العملاقة المدرجة في أسواق المال.
الدعم الحكومي
من جانبه، يقول المحلل في أسواق المال عميد كنعان، إن هناك دولاً خليجية تعافت بشكل أسرع من كورونا، بينما تأخرت أخرى، مشيراً إلى أن التباين في أسواقها المالية ليس جديداً، وهو يعتمد على عدة عوامل منها التدخل الحكومي أو شبه الحكومي فيها.
ويضيف "شهدنا تأخراً في تعافي سوق دبي نتيجة عدم إنشاء محافظ سواء حكومية أو شبه حكومية للتدخل في أسواق المال، على عكس ذلك رأينا تدخلاً حكومياً وشبه حكومي في السوق المالية لأبو ظبي من خلال إنشاء محافظ مالية لدعمها على أُسس تجارية، حيث كان هناك تدخل حكومي في الأسهم الثابتة، بخاصة تلك التي شهدت تراجعاً في أسعارها".
ويشير كنعان إلى الحضور القوي لصندوق الاستثمارات السعودي، ولجهات حكومية وشبه حكومية في قطر، قائلاً إن "الدعم يعطي قناعة للمستثمر المحلي والأجنبي بأن هناك مدافعاً وسيولة كبيرة في حالة حدوث هبوط كبير، مما يُطمئن المستثمرين. في الوقت ذاته هناك قناعات أخرى تقول إن الأسواق حرة، ولا ينبغي التدخل فيها علماً أننا شهدنا تدخلاً شبه حكومي في الأزمات الماضية بالولايات المتحدة وأبرزها كان خلال الأزمة المالية العالمية. كما أن البيئة الاستثمارية ومدى الشفافية والمُحاسبة والحوكمة كلها تقود إلى وجود مزيد من التباين في أداء أسواق المال".