شارفت العملية العسكرية التي أطلقتها القيادة العامة "للجيش الوطني" بقيادة المشير خليفة حفتر على دخول يومها التاسع عشر من دون تحقيق نتائج عسكرية مهمة، بالتزامن مع توقف العملية السياسية في ليبيا وانقسام دولي مستمر بشأن الموقف من "عملية تحرير طرابلس".
وبينما أكد المتحدث الرسمي باسم القيادة العامة للجيش الوطني، أحمد المسماري، أن قوات الجيش لا تزال تحافظ على مواقعها داخل الأجزاء الجنوبية من العاصمة طرابلس، أوضح المتحدث باسم قوات حكومة الوفاق، محمد قنونو، "أن العمليات العسكرية تدور في أغلبها خارج العاصمة".
المسماري، وخلال مؤتمر صحافي مساء أمس الأحد، رد أسباب عدم التقدم، إلى أن "عمليات الرصد التي نفذها الجيش كشفت تخزين الميليشيات أسلحة وذخائر في مستودعات قريبة من التجمعات السكنية"، متهماً قوات حكومة الوفاق باللجوء "إلى استخدام المدنيين كدروع بشرية" لكنه في الوقت ذاته أكد استمرار المعارك في محور الساعدية الواقع على بعد 40 كلم جنوب العاصمة، واستهداف سلاح الجو مجمّعات عسكرية داخل طرابلس.
ولم يفصح المسماري عن الوضع الميداني لمحاور القتال داخل العاصمة، وتحديداً في أحياء عين زاره وخلة الفرجان ووادي الربيع، أما قنونو فأعلن أن "قوات الحكومة (الوفاق) سيطرت على أغلب أجزاء هذه الأحياء".
وقال قنونو "قواتنا باتت الآن على مشارف سوق الخميس، وسيطرت على أغلب أنحاء عين زاره ووادي الربيع وبشكل كامل على خلة الفرجان" مبيناً أن كتائب قوات الحكومة من محورَي السواني غرباً ووادي الربيع شرقاً التقت في منطقة الساعدية، معترفاً باستمرار وجود وحدات من الجيش داخل عين زاره والتي وصفها بــ"الخلايا" ومقللاً في الوقت ذاته من شأن خطرها.
قنونو أكد أيضاً أن "المعركة من جانب الحكومة تحولت من مرحلة الدفاع إلى مرحلة الهجوم باتجاه مواقع الجيش جنوب وجنوب غربي العاصمة، هدفنا قاعدة الوطية وغريان في المرحلة الجديدة" من دون أن يوضح مزيداً من التفاصيل.
رأي الخبراء
لكن ناجي حريشه الخبير الأمني الليبي يؤكد أن المعركة لا تزال في المسرح ذاته جنوب العاصمة، ولم تزد عن شكل الكر والفر، وقال "تصريحات الجانبين عن نجاح أحدهما في التقدم لا تؤكدها الحقيقة على الأرض فأسماء المناطق التي تجري فيها المعارك حالياً هي نفسها منذ بدء العمليات القتالية"، مشيراً إلى أن مراكز قوات الجيش لا تزال بعيدة من الخطر "مثل غريان المهمة إستراتيجياً وعسكرياً بالنسبة إلى طرابلس، وقاعدة الوطية، وخط إمداد الجيش الواقع أسفل غريان من سوق الخميس حتى الأصابعة والقريات جنوباً" مرجحاً إمكان تراجع الجيش إلى بعض مواقعه داخل طرابلس.
وبينما تُسمع أصوات الاشتباكات العنيفة بشكل واضح منذ صباح اليوم الاثنين، في محاور طريق المطار اعتبر حريشه "موقع المطار ومحيطه الأهم عسكرياً وقوات الحكومة لا يمكنها تأكيد انتصارها على قوات الجيش ما لم تسيطر على هذه المنطقة وهو ما يعيه الجيش تماماً" مرجعاً أهمية المنطقة إلى تمركز معسكرات في محطيها وتحكُّمها بالطرق الرئيسة الموصلة إلى قلب العاصمة.
سياسياً وفيما لا تزال تؤكد البعثة الأممية إمكان استئناف جهود عقد الملتقى الوطني الجامع في غدامس، لا تبدو الآفاق الحالية الملبدة بغيوم الحرب جاهزة لذلك، فعلى الرغم من تشبث المجلس الأعلى للدولة في طرابلس برفضه عملية الجيش الحالية، إلا أن مجلس النواب يعيش حال انقسام ظاهرة بسبب سعي عدد من النواب إلى عقد جلسة منفصلة في طرابلس، تسعى إلى الانقلاب على القرار السياسي لمصلحة حكومة الوفاق.
وعلى الرغم من أن النائبة بمجلس النواب، السيدة اليعقوبي، وهي أحد النواب الساعين إلى عقد جلسة بطرابلس، رجحت امتناع عدد من نواب طرابلس عقد جلسة رسمية لمجلس النواب في طرابلس بمعزل عن رئاسته في طبرق، لكنها أشارت أيضاً إلى فشل جهود عقد تلك الجلسة. هذا المسار يكشف وقوع مجلس النواب، الطرف الأساس الأول في العملية السياسية، في حال انقسام قد تزداد عمقاً مع مرور الوقت، سيما أن أطرافاً فاعلة في المشهد العسكري كمصراته، التي تشارك بقوات "البنيان المرصوص" في مواجهة تقدم الجيش نحو طرابلس، تملك عدداً من النواب والشخصيات ذات ثقل سياسي مما يمكِّنها الدفع بعدم الحضور، على خلفية إصرار قادة الحكومة وعلى رأسهم "فايز السراج" على عدم القبول بأي "حل سياسي" إلا بعد رجوع قوات الجيش إلى قواعدها.
تداعيات الموقف الاميركي
وإزاء الموقف الدولي المنقسم على نفسه، وإصرار عواصم الثقل على التزام الصمت، فُسِّر اتصال الرئيس الأميركي دونالد ترمب بحفتر الجمعة المنصرمة، دعماً ضمنياً "للجيش الوطني"، واعتبر عضو مجلس النواب، صالح فحيمة، أن الاتصال يشير إلى وضوح أميركي من معركة طرابلس. وأضاف "ترمب ومن خلال اطلاعه على المشهدين السياسي والعسكري في ليبيا عرف جيّداً عدم إمكان استصدار قرار أممي ضد عملية الجيش الحالية"، ولفت إلى أن دخول واشنطن على الخط استدعته "الموازين الدولية وعدم ترك المجال لروسيا وفرنسا اللتين يرى مراقبون أنهما تدعمان حفتر، على الأقل سياسياً".
أهمية الموقف الأميركي كونه جاء بشكل مباشر من الرئيس ترمب. لكن يرى مراقبون ميلاً أميركياً لدعم الحل السياسي، إذ لم يتطرق الموقف إلى عملية الجيش في طرابلس، بقدر ما أكد الاتصال "الجهود الجارية لمكافحة الإرهاب والحاجة لإحلال السلام والاستقرار في ليبيا"، وتناول "انتقال ليبيا إلى نظام سياسي ديمقراطي مستقر".
وتبرز تصريحات مسؤولين أميركيين عدم وضوح الموقف، فالمستشار السابق لترمب، وليد فارس، أكد لفضائية ليبية، "لا يمكن التوصل إلى أي حل سياسي في ظل وجود الميليشيات... والآلية السياسية لا تزال قائمة للوصول إلى الانتخابات".
في الأثناء يستمر تداعي أوضاع الحرب على الجانب الإنساني، فوفق آخر إحصاء لمنظمة الصحة العالمية، فإن حصيلة المعارك وصلت إلى 227 قتيلا و1128 جريحاً، بالإضافة إلى أكثر من 30 ألف نازح من مناطق الاشتباكات.