أصيبت مستشفيات السودان بالشلل التام، إثر تنفيذ أطباء الامتياز ونواب الاختصاصيين، والكوادر الطبية المساعدة إضراباً عن العمل خلال الفترة الماضية، احتجاجاً على عدم إيفاء الدولة بمستحقاتهم المادية، أشهراً عديدة، وتردي بيئة العمل، فضلاً عن نقص الخدمات والمعدات الطبية، الأمر الذي قوبل باستهجان شعبي، لا سيما في ظل جائحة كورونا.
وأوضح رئيس نقابة أطباء السودان، أحمد عبد الله الشيخ، أن "إضراب الأطباء لم يكن لأسباب سياسية كما كان يحدث في النظم الديكتاتورية، بل لأسباب مادية، فوزارة المالية لم توفر لوزارة الصحة ميزانيتها كاملة، لذلك عجزت الأخيرة عن الإيفاء بمستحقات الأطباء والكوادر الطبية المساعدة، لكن تمت معالجة هذا الخلل الذي تسبب في نقص الكوادر الطبية خلال الفترة الماضية، ومن المتوقع أن يعود الأطباء لمباشرة أعمالهم، وتعاهدنا كأطباء ألا يتم تنفيذ إضراب مرة أخرى للمحافظة على هذه الفترة الانتقالية التي تتطلب الدعم الكامل من النقابات المهنية كافة، وغيرها، للوصول إلى انتخابات عامة، وتجاربنا في فترات الحكم الانتقالي السابقة أن الاضرابات أثرت تأثيراً شديداً ومباشراً على الأداء العام في قطاعات الدولة كافة، لذا لا نريد أن نكرر هذه التجربة".
أضاف الشيخ "صحيح واقع الخدمات الصحية في المستشفيات مُتردٍ جداً، ليس في العاصمة وحدها، بل في كل ولايات البلاد، فهناك نقص كبير في توفير الإمكانات الطبية الحديثة للطبيب والكوادر الطبية المساعدة لمعالجة المرضى، فهذا القطاع الحيوي أهمل تماماً في عهد النظام السابق، فالدولة لم تخصص الميزانيات الكافية لتوفير الخدمات والمرافق داخل المستشفيات، وتزويدها بالمعدات الطبية الحديثة، فضلاً عن ذلك، اتبعت سياسة أيلولة المستشفيات التعليمية المرجعية التي تتبع وزارة الصحة الاتحادية كمستشفى الخرطوم، ومستشفى أم درمان، ومستشفى بحري، إلى ولاية الخرطوم، وهو توجه غريب يهدف إلى تدمير هذه المستشفيات كما حدث لمرافق استراتيجية في مجالات أخرى، لكن الآن، هناك خطط وضعت لتطوير المستشفيات وتأهيلها وتحسين بيئة العمل فيها، ونتوقع في القريب العاجل أن تشهد البلاد تحسناً كبيراً في تقديم الرعاية والخدمات الصحية".
وضع هش
في المقابل، أشار مدير إدارة طوارئ المستشفيات في وزارة الصحة السودانية، حسام الدين الحسين، إلى أن "الاضراب في مستشفيات السودان شمل أطباء الامتياز احتجاجاً على عدم تسلمهم استحقاقاتهم المالية، أشهراً عديدة، وكذلك نواب الاختصاصيين الذين يطالبون بتحسين بيئة العمل داخل المستشفيات، فضلاً عن المطالبة بتحسين أوضاعهم المادية، وإجراءات التدريب، وسعت وزارة الصحة الاتحادية للإيفاء بتلك الالتزامات والمطالب التي تعتبرها عادلة ومهمة، وتم التوصل إلى خطوات جادة استأنف في ضوئها أطباء الامتياز العمل، وتمت معالجة معظم مطالب نواب الاختصاصيين، لا سيما ما يتعلق بالجوانب المادية، لكن تحسين بيئة العمل يحتاج فترة طويلة من الزمن، لأن الحاجة كبيرة وتشمل كل شيء من أجهزة ومعدات ومرافق وخدمات وغيرها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أضاف الحسين "مؤكد أن الإضراب أثر على أداء المستشفيات، وكذلك جزئياً على سير العمل، لكن لم يتوقف العمل بشكل كامل، فحالياً، استأنف عدد كبير من الأطباء مهامهم، وبقي أطباء آخرون، لديهم مطالب خاصة، بالمستشفيات، حيث يعملون، وهي تتعلق بأمور داخلية تخص المستشفى. وبشكل عام، الوضع في المستشفيات هش لأبعد الحدود، وبيئة العمل في المرافق الصحية في كل مدن البلاد ضعيفة جداً، فالأجهزة مستهلكة، والمباني متصدعة، وسيارات الإسعاف متعطلة، لذلك جاءت مطالب الكوادر الطبية والمساعدة لوضع حد لهذا التدني، ولتوفير بيئة عمل مشجعة".
ولفت مدير إدارة طوارئ المستشفيات في وزارة الصحة السودانية إلى أن المستشفيات في القطاعين العام والخاص، في كل مناطق ومدن البلاد، قادرة على تغطية حاجة المرضى، لكنها بحاجة لتطوير، وهو ما سيتم خلال المرحلة المقبلة، إذ وضعت الوزارة حالياً خططاً للتأهيل والتحسين من خلال توظيف الميزانية لهذا الخصوص، فقد استهلكت جائحة كورونا ميزانية الوزارة السابقة، لأن احتياجات الوقاية وتجهيزات مراكز العزل، كانت مكلفة جداً، ولم تكن هناك قدرة مالية لإحداث تحسينات في القطاع الصحي.
إجراءات تصعيدية
وأشار عدد من الأطباء إلى أن الإضراب تسبب في إحداث شلل كبير في المستشفيات، ما دفع إداراتها إلى الاستعانة بالأطباء العموميين لسد النقص، فالوضع داخل المستشفيات غير صحي، ولا يليق بممارسة العمل، في ظل نقص الكوادر الطبية من أطباء وفنيي أشعة وتخدير وتمريض، فضلاً عن انعدام الأجهزة والمعدات الطبية، وتعطل ما هو موجود باستمرار، إضافة إلى ما تشهده البلاد من عدم توافر الدواء بشتى أنواعه.
وبحسب الطبيب أحمد عباس، فإن "استمرار إضراب نواب الاختصاصيين، جاء لعدم التزام الدولة ممثلة في مجلس الوزراء بما تم الاتفاق عليه مع الأطباء، فقد وضع الطرفان مهلة زمنية كحد أقصى لتنفيذ هذا الاتفاق، لكن انتهت الفترة المحددة من دون تحقيق أي من المطالب المتفق عليها، بالتالي لا خيار لنا غير الاستمرار في الإجراءات التصعيدية، لأنه لا يعقل أن يعمل طبيب من دون راتب، وفي ظل بيئة متردية بكل ما تحمل الكلمة من معنى".
وأشار عباس إلى أنهم يشعرون بالألم والمرارة لعدم مزاولتهم مهامهم في المستشفيات للمساعدة في علاج المرضى الذين لا ذنب لهم، وهم في أمس الحاجة للعلاج والمتابعة والرعاية الصحية الكاملة، لكن هذا الاضراب يهدف إلى لفت انتباه الدولة، ممثلة في وزارتي الصحة والمالية، لهذا القطاع الذي يعاني التردي الواضح، وأن من أهم بنود هذا الإضراب تطوير بيئة المستشفيات، وجعلها مهيأة لممارسة المهنة بكامل أصولها من دون عقبات وتحديات.
اعتذار رسمي
في غضون ذلك، أعلنت لجنة أطباء الامتياز، الخميس 25 فبراير (شباط) الحالي، إنهاء إضراب أطباء الامتياز بالخرطوم والولايات بعد ثمانية أيام متواصلة عقب تدخل وزير الصحة الاتحادي وتقديمه اعتذاراً رسمياً للأطباء المضربين، والتوصل إلى اتفاق بين الطرفين.
وأكدت اللجنة أن الإضراب توّج باسترداد مستحقاتهم المالية، والتزام وزارة الصحة بمتابعة ملفات بقية الأطباء المستحقين الذين لم تستكمل إجراءاتهم بعد، حتى يتم صرف رواتبهم، فضلاً عن حفظ الحقوق المالية لأطباء الامتياز في المستقبل.
ونص الاتفاق على التزام وزارة الصحة بالتعجيل في توزيع الأطباء قيد الانتظار، بتسريع استكمال ملفاتهم وتصحيح سجل الوظائف لطلب مزيد من الأطباء، وتمت مطالبة وزارة المالية بتغذية راتب شهر أبريل (نيسان) 2020 المتأخر عن أكثر من 1000 طبيب، إلى جانب دعوتها إلى تغذية منحة نهاية الامتياز المتأخرة عن أكثر من 3300 طبيب.
انسحاب كامل
وبدأ أطباء الامتياز البالغ عددهم 1700 طبيب إضرابهم عن العمل في 15 فبراير، وشمل انسحابهم من 37 مستشفى بالعاصمة الخرطوم والولايات الأخرى، لعدم صرف مرتباتهم لمدة 11 شهراً، وفتح ملفات التوظيف في وزارة الصحة، في ظل ما تعانيه البلاد من أوضاع اقتصادية ومعيشية بالغة التعقيد، وانهيار النظام الصحي، وسوء بيئة العمل.
وكانت مبادرة نواب الاختصاصيين السودانيين، قد أعلنت الانسحاب الكامل من كل المستشفيات اعتباراً من الثالث من ديسمبر (كانون الأول) 2020 بسبب عدم استجابة الحكومة لمطالبهم في التسكين في وظائف دائمة.