إثر موجة الذعر والاستهجان، التي أصابت التونسيين بسبب انتشار خبر صدور قرار عن الحكومة التونسية باستيراد اللحوم من الولايات المتحدة الأميركية، نفى المدير العام لشركة اللّحوم في وزارة التجارة التونسية عبد القادر التيمومي علمه باستيراد الوزارة لحوم الأبقار والدواجن والبيض من أميركا.
وأكّد التيمومي أنّ "اللّحوم المستوردة، التي وزعتها الشركة، هي من إسبانيا وفرنسا"، مشيراً إلى أن "استيراد اللحم يخضع لشروط، من بينها الاستيراد من دول قريبة من تونس، حتى لا تطول فترة وصولها ولتصل في وضع سليم". وأضاف "استيراد اللّحوم يخضع إلى طلب عروض ينصّ على الجودة والسعر، وإلى دفتر شروط"، الذي يحدد "درجة التبريد وتاريخ الذبح وطريقته التي تشرف عليها جهات دينية تملك بطاقات مهنيّة لتتأكد أن عملية الذبح تخضع للطريقة الإسلامية. كما يقوم أطباء بياطرة بمراقبة اللحوم والتأكّد من سلامتها وجودتها".
وكانت تونس لجأت، خلال السنوات الماضية، إلى استيراد اللحوم والماشية من الخارج، ما أثار حفيظة التونسيين، الذين لا يثقون عادة إلا باللحوم المحلية.
وزارة الزراعة الأميركية تؤكد
على الرغم من نفي السلطات المعنية في تونس استيرادها اللحوم من أميركا إلا أن وزارة الزراعة الأميركية أكدت الأمر. إذ أعلن الممثل التجاري في السفارة الأميركية بتونس روبرت لايتيزر أن الحكومة التونسية والولايات المتحدة أنهتا الاتفاق حول شهادات التصدير الأميركية، للسماح بتصدير لحوم البقر والدواجن ومنتجات البيض الأميركية إلى تونس.
يأتي هذا الإعلان بعد اجتماعات بين المسؤولين الأميركيين والتونسيين حول سلامة لحوم الأبقار والدواجن ومنتجات البيض في الولايات المتحدة.
ووفق وزارة الزراعة الأميركية، بلغ إجمالي الصادرات الأميركية من المنتجات الزراعية إلى تونس، خلال العام الماضي، أكثر من 264 مليون دولار أميركي.
وقال لايتيزر إن "الوصول إلى السوق التونسية يعد خطوة مهمة للمزارعين ومربّي الماشية الأميركيين لزيادة صادراتهم من المنتجات الزراعية الأميركية"
وأكد لايتيزر ترحيب الرئيس الأميركي دونالد ترمب بموافقة تونس على بدء استيراد لحوم الأبقار والدواجن والبيض من الولايات المتحدة.
أما وزير الزراعة الأميركي فقال معلقاً على هذا الاتفاق "أنا مقتنع بأنه عندما يتذوق التونسيون لحوم البقر والدواجن والبيض في الولايات المتحدة، فإنهم سيطلبون المزيد". وأضاف أن "هذه المنتجات الآتية إلى تونس آمنة وصحية ولذيذة للغاية".
وحول إعلان وزارة الزراعة الأميركية، قال مصدر من وزارة التجارة التونسية إن هذا لا يعني أن تونس استوردت اللحوم، بل "ربما تم الاتفاق على تطابق شهادة التصدير فحسب".
الهرمونات لتسمين الأبقار الأميركية
استغرب الطبيب البيطري محمد المثناني استيراد تونس اللحوم من الولايات المتحدة. وقال إنه إذا صح الخبر فإنه "خطأ فادح". وأضاف "على السلطات التونسية تقديم منح للمزارع التونسي لتطوير إنتاجه بدل الاستيراد بالعملة الصعبة". وأكد المثناني أن الاستيراد من مناطق بعيدة، مثل أميركا، يجعل العملية غير صحية، مشيراً إلى أن تونس تستورد عادة من أوروبا بسبب القرب الجغرافي، و"لأن اللحوم الأوروبية أكثر سلامة"، خصوصاً أن الشركات الأميركية، وفقه، "تعتمد على الذرة المعدلة جينياً والهرمونات في تسمين الأبقار".
وقال مصطفى الجويلي، المستشار لدى منظمة الأغذية والزراعة، إنه "تحت غطاء تعديل السوق، قرّرت حكومة يوسف الشاهد استيراد لحوم الأبقار والدواجن من الولايات المتحدة".
وأفاد الجويلي بأن "العديد من القضايا رُفعت إلى لجنة تسوية النزاعات في المنظمة العالمية للتجارة على خلفية اعتماد الشركات الأميركية على الذرة المعدلة جينياً والهرمونات في تسمين الأبقار. كما أن العديد من الدراسات أثبتت خطورة هذه المواد على صحة الإنسان واحتواءها مواد سرطانية".
وأضاف "منع الاتحاد الأوروبي دخول اللحوم الأميركية إلى أسواقه منذ العام 1989، وكذلك فعل المغرب منذ العام 2014. لكن أميركا مارست العديد من الضغوط وربحت القضايا المرفوعة ضدها. وأقرّت، مع وصول ترمب، رسوماً جمركية مرتفعة جداً على المنتجات الأوروبية، ما أجبر الاتحاد على العودة إلى التفاوض معها في نهاية العام 2018".
وأشار الجويلي إلى أن "الكلفة لها وجه آخر أيضاً". وأوضح أن "الشركات الأميركية تستعمل طريقة التسمين هذه لأنها تؤدي إلى زيادة في المردودية (15 في المئة في المعدل)، وتختصر مدة التسمين من 600 يوم إلى 200، ما يمنحها قدرة تنافسية في الأسواق العالمية. إذ تصبح قادرة على تصريف منتجاتها بأسعار منخفضة".
استيراد اللحوم حتى 2028
كشفت بثينة الزيتوني، ممثلة ديوان تربية الماشية وتوفير المرعى، عن أنّ تونس ستواصل استيراد اللحوم الحمراء حتى 2028، باعتبار أنّ الإنتاج الوطني لا يمكنه تلبية الاحتياجات المحلية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضافت الزيتوني، خلال ورشة عمل وطنية "لإعداد دراسة استشرافية حول منظومة اللحوم الحمراء في أفق 2030"، أن الوزارة كانت تلجأ دائماً إلى الاستيراد حتى العام 2016، بعدما قرّرت عدم الاستيراد. لكنها استأنفت مجدداً، في العام الماضي، عملية الاستيراد نظراً إلى أن الإنتاج المحلي غير كاف لمواجهة متطلبات السوق الوطنية، وفقها.
وأفادت بأنّ استيراد الماشية الحيّة يهدف إلى تنظيم السوق ودفع الدورة الاقتصادية المحلية من خلال توفير فرص العمل للمزارعين ومربّي الماشية.
وأضافت أنّه سُجّل انخفاض بنسبة 2.2 في المئة في عدد رؤوس الماشية، بالإضافة إلى تراجع بنسبة 1 في المئة في عدد رؤوس الأغنام والماعز، وفق إحصاءات العام 2017.
وسجل الإنتاج المحلي من اللحوم الحمراء، خلال السنوات الماضية، تطوراً بنسبة 0.3 في المئة، فيما انخفض الاستثمار في هذا القطاع بنسبة 7.3 في المئة، وفق الزيتوني.