طالبت بشرى بلحاج حميدة، النائب في البرلمان التونسي ورئيسة لجنة الحريات الفردية والمساواة، وزارة الداخلية التونسية بضرورة إلغاء القرار المتعلق بإغلاق المقاهي والمطاعم خلال شهر رمضان.
واعتبرت أن قرار الوزارة يحد من الحريات الفردية للأشخاص المفطرين في رمضان، وسيؤدي إلى استعادة الجدل الذي أثير في السنة الماضية. وأشارت إلى أن القرار يتعارض مع الدستور التونسي، لأنه "يمنع ممارسة الحريات".
سنوياً، تعيد وزارة الداخلية تفعيل قرار "منشور مزالي"، نسبة إلى وزير الداخلية التونسي في عهد الحبيب بورقيبة محمد مزالي، الذي صدر في العام 1981، ويقضي بحظر فتح المقاهي في شهر رمضان.
وعلى الرغم من أن الوزارة لم تصدر إلى اليوم أي تعليق على دعوات إلغاء القرار، فإن وزيرها السابق اعتبر في تصريح العام الماضي أن "السماح بفتح المقاهي خلال النهار في رمضان يمكن أن يمثل وسيلة لبعض الجماعات المتطرفة للتحريض على الدولة وارتكاب أعمال إرهابية، خصوصاً أن شهر رمضان يشهد ارتفاعاً في وتيرة التهديدات الإرهابية من مختلف التنظيمات التكفيرية".
قانون يسمح وقرار يمنع
انتقدت مجموعة من مكونات المجتمع المدني ما أسمته "هرسلة (قمع) المفطرين" في رمضان، داعية إلى احترام الحريات وفق ما نص عليه الدستور. وسجل الائتلاف المدني من أجل الحريات الفردية، المكون من أكثر من 30 جمعية ومنظمة حقوقية، في بيان، تعدّد الانتهاكات والخروق للحريات الفردية، التي ترتكبها السلطات العامة أو مجموعات أو أشخاص نصّبوا أنفسهم حماة للدين والآداب العامة، وهذا ما جعل هذه الممارسات تتزايد في ظل غياب العقاب.
من الجانب القانوني، لا يتضمن الدستور التونسي في أي فصل من فصوله نصاً يمنع الإفطار علناً في شهر رمضان، بل إن دستور العام 2014 يحمي الحريات في فصله 49، الذي ينص على "يحدد القانون الضوابط المتعلقة بالحقوق والحريات المضمونة بهذا الدستور وممارستها بما لا ينال من جوهرها. ولا توضع هذه الضوابط إلا لضرورة تقتضيها دولة مدنية ديمقراطية وبهدف حماية حقوق الغير...".
ويرى حقوقيون أن القضاء التونسي يستغل الفصل 226 من المجلة الجزائية لمحاكمة المفطرين في رمضان، بتهمة "الإخلال بالآداب العامة". ويتضمن نص القانون "يُعاقب بالسجن مدة ستة أشهر وبخطية (غرامة) قدرها ثمانية وأربعون ديناراً كل من يتجاهر عمداً بفحش".
وقالت الناشطة الحقوقية مها الجويني إنها تساند مبدأ حرية الإفطار، مطالبة السلطات بإلغاء هذا "القرار السيىء الذكر"، كما وصفته. وترى الجويني أنه "ليس لدينا أي حق لفرض طقوسنا الدينية كمسلمين على الأفراد".
وتؤكد الجويني أنها ضد تطبيق عقوبات على من يُفطر في شهر رمضان، معتبرة أن "الإسلام جاء بمبدأ حرية المعتقد".
في هذا الصدد، يقول السياسي المعارض هشام عجبوني، الذي ينتمي إلى حزب التيار الديمقراطي، إن حزبه أصدر في رمضان 2015 بياناً دان فيه "قمع القوى الأمنية للمفطرين في المقاهي والمطاعم باعتبار أن الدولة لا يمكن أن تكون وصية على معتقدات مواطنيها وضمائرهم".
أضاف العجبوني أن الحزب كان الوحيد، الذي أصدر بياناً في هذا الاتجاه، "انسجاماً مع الدستور التونسي الذي يكرّس حرية المعتقد والضمير". ودعا إلى "احترام مشاعر الصائمين وتغطية واجهات المقاهي والمطاعم".
وينص الفصل السادس من دستور العام 2014 "الدولة راعية للدين، كافلة لحرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية، ضامنة لحياد المساجد ودور العبادة عن التوظيف الحزبي".
ووفقاً للفصل نفسه، فإن الدولة "تلتزم نشر قيم الاعتدال والتسامح وبحماية المقدّسات ومنع النيل منها، كما تلتزم بمنع دعوات التكفير والتحريض على الكراهية والعنف وبالتصدي لها".
الضابط الشرعي
في السنة الماضية، حصلت عدة مداهمات لإغلاق المقاهي المفتوحة خلال النهار في رمضان، وقبض على العديد من الأشخاص ووجّهت تهم إلى البعض منهم، وهذا ما دفع عدداً من الحقوقيين إلى المطالبة بإلغاء القرار المتعلق بإغلاق المقاهي في وجه المفطرين.
ونظمت جمعية "المفكرون الأحرار" حملة "موش بالسيف" (ليس بالإكراه)، لتكريس مبدأ الحريات الفردية، التي أصبحت مطلباً ملحاً في تونس بعد الثورة.
في المقابل، قال رئيس حزب "الزيتونة" عادل العلمي إنّ "الضابط الشرعي يقضي بعدم جواز فتح المقاهي والمطاعم في نهار رمضان"، مفسراً أنّ "النُزل والفنادق تُستثنى من هذا المنع، على اعتبار أنها تأخذ حكم البيت الذي يمكن أيّ إنسان أن يكون فيه وهو مفطر، ولا يمكن بأي حال أيّ شخص أو جهة التجسس على الناس في بيوتهم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويرى العلمي أن "فتح المقاهي في رمضان ينفي عن تونس هويتها الإسلامية، ويسهم في محو خصوصية شهر رمضان".
ويستهجن العلمي وجود بند في الدستور يسمح بحريّة الضمير والمعتقد، معتبراً أنّ "تونس دار إسلام ومسلمين، وهذا ما أشارت إليه توطئة الدستور والفصل السادس منه".
يذكر أن العلمي من الشخصيات التي أثارت حفيظة العديد من التونسيين. إذ جال، في السنة الماضية، على عدد من المقاهي وعاين بعض المفطرين وهددهم برفع دعاوى قضائية عليهم.
وكشف العلمي أنّه سينفذ في رمضان المقبل "تحركاً" وصفه بـ "أكثر حكمة من التحركات السابقة"، مشيراً إلى أن هذه التحركات "تتمثل بالقيام بمعاينات قانونية وملاحقات قضائية للمجاهرين بالإفطار في نهار رمضان" بهدف "الإرشاد والتوعية".