تهتم الجزائر بـ"ضرورة الخروج من تبعية اقتصادها للمحروقات"، وبعد القرارات والإجراءات المشجعة للاقتصاد المنتج جاء دور تنشيط الدبلوماسية الاقتصادية التي غابت عن قاموس التسيير، إذ تعول الحكومة على بعثاتها وقنصلياتها في دول العالم بهدف المساهمة في دخول السوق الدولية بخاصة الأفريقية منها. ووضعت وزارة الخارجية مجموعة من الإجراءات تتعلق بإنشاء شبكة تفاعلية للمكلفين بالشؤون الاقتصادية والتجارية لدى البعثات الدبلوماسية والقنصلية حول العالم، وإنشاء مكتب إعلامي في الوزارة يتكفل باستقبال المتعاملين والمصدّرين الجزائريين لتسهيل عملياتهم، وتزويدهم بالمعلومات المفيدة، إلى جانب تعزيز مديرية ترقية ودعم المبادلات التجارية كهيكل مركزي ومحوري للدبلوماسية الاقتصادية، بالإضافة الى إطلاق برنامج تكوين خاص بشأن الأخيرة وإفادة المعنيين بالحركة السنوية على أن يتم تمديده في المستقبل ليشمل جميع العاملين في وزارة الخارجية.
إعادة النظر في اختيار الدبلوماسيين
أستاذ الاقتصاد عبد القادر بريش أكد لـ"اندبندنت عربية"، أن ما أقدمت عليه وزارة الخارجية شيء إيجابي؛ فالدبلوماسية الاقتصادية اليوم أصبحت أداة مهمة للاستثمار، وعليه يجب إعادة النظر في اختيار السفراء والممثلين الدبلوماسيين، ليكونوا من ذوي التخصصات الاقتصادية والمالية، مشيراً إلى أهمية أن يكون تقييم أدائهم على أساس النتائج التي يحققونها في مجال جلب الاستثمارات، وإيجاد فرص وأسواق جديدة ومرافقة المتعاملين والمصدرين، وزيادة الصادرات خارج المحروقات، وختم أن التنافس الدولي حالياً اقتصادي، وهذا ما تفرضه التحولات الجيوإستراتيجية في العلاقات الدولية، لأن المحاور والتحالفات وحتى التوترات أساسها اقتصادي بالدرجة الأولى.
خطوة إيجابية
في السياق ذاته، أوضح رئيس الغرفة الجزائرية للتجارة والصناعة عبد القادر قوري، أن تفعيل نشاط الدبلوماسية الاقتصادية للبلاد بالخارج بات أكثر من ضرورة لترويج المنتج المحلي وتحسين موقعه داخل الأسواق التجارية الأجنبية، موضحاً أن اللجوء إلى فتح المعابر الحدودية الجنوبية مع ليبيا وتونس، بالإضافة إلى التحفيزات الممنوحة إلى المؤسسات الجزائرية في مسار الإنتاج والتصدير خطوة إيجابية نحو تحرير النشاط الاقتصادي والتجاري والعودة تدريجاً نحو التصدير، بما يسهم في تعزيز نشاط المنتجين الجزائريين للمنافسة في الأسواق الأجنبية.
6 شروط
ودعا وزير الخارجية صبري بوقادوم رؤساء الممثليات الدبلوماسية والقنصلية إلى مضاعفة مجهوداتهم وإعداد تقارير دورية حول الإجراءات المتخذة في بلدان الاعتماد قصد الترويج للمنتجات الوطنية وجذب الاستثمارات الأجنبية، مشيراً إلى أن هذه التدابير تهدف إلى العمل معاً وبالتكامل والتنسيق مع هيئات ومؤسسات الدولة المكلفة للمساهمة في تحقيق الأهداف التي أقرها الرئيس تبون.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأكد بوقادوم أن المهمة جماعية وتتطلب التنسيق والفعالية وكذا الالتزام بتحقيق النتائج من طرف جميع المتدخلين لكسب معركة بناء اقتصاد قوي ومتنوع ومندمج في نظيره العالمي، وقال إن إنجاح المهمة يستدعي تطوير الشبكة المصرفية، خصوصاً إنشاء فروع في أوروبا وأفريقيا، وزيادة العروض الخاصة بالشحن الجوي والبحري والنقل البري في منطقة الساحل والصحراء وغرب أفريقيا، وفتح نقاط حدودية جديدة لتطوير التجارة البينية، وتنظيم معارض للإنتاج الجزائري بصفة دورية في دول المنطقة، وكذا تنظيم أيام إعلامية بخاصة في أوروبا وآسيا وأميركا حول إمكانات السوق الجزائرية وفرص الاستثمار بها، بالإضافة إلى تنظيم بعثات تجارية إلى الأسواق المستهدفة للرفع من حجم الصادرات خارج قطاع المحروقات وتعزيز المداخيل بالعملة الصعبة.
دلالات متعددة
وأوضح المحلل الاقتصادي مراد ملّاح، أن الخطوة التي أقدمت عليها وزارة الخارجية مهمة لدعم التوجه نحو تصدير المنتجات الجزائرية، وتحمل دلالات متعددة كونها إقراراً ضمنياً بالمسؤولية الواقعة على عاتق الممثليات الدبلوماسية التي كانت تتنصّل أغلبها من دورها في دعم وجود المنتجات الجزائرية بالأسواق الخارجية، بالإضافة إلى أنها خطوة تدل على أن خيار التصدير أضحى لا رجعة فيه. مضيفاً أن تفعيل الدبلوماسية الاقتصادية هو الرافد الذي يجب أن يسبق دوماً أي مبادرة تصدير، وأشار إلى أن فتح مكتب على مستوى الخارجية لمرافقة المصدرين ينم عن قراءة متأنية لتجارب التصدير السابقة، إذ غابت المرافقة مما تسبب في أخطاء منعت ترقية الصادرات خارج المحروقات.
وتابع ملاّح، أن الدبلوماسية الجزائرية ربما بهذه الخطوة ستتجاوز اختزال عملها في العمل القنصلي، بخاصة أن سفارات الدول تحوّلت اليوم إلى مراكز متخصّصة في دراسة الأسواق وفهم اتجاهاتها وتركيبتها وطريقة عملها، وإلى مراكز متقدمة على طريق الحصول على حصص في الأسواق الدولية، وهو ما كان غائباً عن مشهد التصدير في الجزائر، مبرزاً أن هذه الخطوة على أهميتها تحيلنا على التفكير في الجهة التي تنسق هذه الجهود وعمل هذه الدوائر المتعددة خصوصاً بعد إلغاء الوزارة المنتدبة للتجارة الخارجية في آخر تعديل حكومي، وعليه فإن استحداث هيئة للتصدير تجمع الجهود وتضبط الإيقاع ليتناغم العمل الجماعي والجهد المبذول من كل القطاعات، ضرورة ملحة.