أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مساء الخميس 18 فبراير (شباط) الحالي، جملة قرارات بالغة الأهمية، في خطاب نال اهتمام ومتابعة الجزائريين، وبخاصة أنه أتى قبيل الذكرى الثانية لانطلاق الحراك الشعبي في 22 فبراير 2019، الأمر الذي منحه عنوان "التهدئة"، إلا أن استقبال الرئيس قبل ذلك أحزاباً معارضة، أدرج خطابه ضمن سياق "تعهدات" انتخابية.
خطاب بين التهدئة والتعهد
وعلى الرغم من ترقب الشارع خطاب الرئيس، بعد عودته من العلاج في ألمانيا، واقتراب ذكرى الحراك الثانية، فإن ما جاء به اختلف الشعب في شأنه، فرأى البعض أن القرارات مناسبة من أجل إحداث قفزة نوعية نحو التغيير، بينما اعتبرت فئات أخرى أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد "مسكنات" لضبط عقارب الشارع على رغبة السلطة بـ"22 فبراير هادئ".
وأعلن تبون حل البرلمان وتنظيم انتخابات برلمانية ومحلية مبكرة "خالية من المال الفاسد، أو غير الفاسد، وتفتح أبوابها للشباب". وقال إن "التغيير الجذري لا يأتي إلا بتغيير يفضي إلى مؤسسات لا غبار عليها، ولا تشكيك فيها، مثلما كان يطالب به الحراك المبارك". كما كشف عن عفو رئاسي يمس مجموعة من معتقلي الحراك يتراوح عددها بين 55 و60 فرداً.
كما أشار إلى تعديل حكومي خلال الـ48 ساعة المقبلة يشمل القطاعات التي لم تكن في مستوى تطلعات وطموحات الشعب الجزائري، بالإضافة إلى الشروع في وضع الآليات القانونية لإنشاء "مرصد المجتمع المدني"، و"المجلس الأعلى للشباب"، و"المحكمة الدستورية"، في مهلة أقصاها شهر، منتقداً "بعض الجزائريين الذين يريدون بيع وشراء هذا الوطن المفدى بثمن بخس". وتطرق في الختام إلى العلاقات الدولية، فقال إن الدبلوماسية الجزائرية ثابتة في التعاطي مع مختلف الملفات والأزمات.
اجتماع وداعي
يعد حل البرلمان أحد أهم مطالب الشعب الجزائري، وليس الحراك فقط، على اعتبار أنه "برلمان بوتفليقة"، بما تحمله الإشارة من معاني الرشوة والفساد والضعف والمحسوبية. وكان استمراره ناراً مشتعلة في صدر الشارع لم تنطفئ على الرغم من كل ما قدمه الرئيس تبون، إذ اعتبر الحراك عدم تلبية هذا المطلب "استهتاراً بالشعب الذي خرج في 22 فبراير 2019 من أجل التغيير". واعتمد رؤوس الحراك على ذلك في تعبئة الشعب من أجل إعادة إطلاق المسيرات في الشوارع.
في السياق ذاته، عقد مكتب البرلمان، اجتماعاً طارئاً بعد إعلان تبون عن حل هيئة المجلس، حيث ثمن الخطوة، ووجه رسالة شكر ووداع إلى النواب، موضحاً أن "من شأن إجراءات الرئيس المساهمة في تحقيق طموحات الشعب".
قراءات مختلفة
وفي قراءة سياسية للخطاب، رأى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، سمير محرز، أنه "ينقسم إلى شقين أساسيين، يتعلق الأول بقراءة الواجهة والصورة الواضحة للوضع الصحي للرئيس، وبعثه رسالة لكل الجزائريين بأن الأخبار المتداولة والكثيرة حول وضعه الصحي الخطير ليست صحيحة، أما الشق الثاني فيرتبط بالمحتوى الذي سعى من خلاله الرئيس إلى خلق حركة سياسية وبث نفس جديد في المشهد العام عبر قراراته المتوقعة". وأضاف محرز أن "أهم قرار باعتقادي هو تخفيف شدة الاحتقان السياسي بين مجموعات الحراك والسلطة، عبر العفو الرئاسي عن المحكوم عليهم من الحراكيين". وقال إنه "موقف شجاع وهام في الوقت الحالي من أجل الذهاب إلى الإصلاحات السياسية، بعيداً عن الاحتقان والضغط"، مبرزاً أن "باقي القرارات صائبة، والخطاب جاء في وقته مع الذكرى الثانية للحراك الشعبي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المقابل، اعتبر الناشط السياسي، رئيس حزب "أنصار الجزائر" (قيد التأسيس)، سعيد مرسي أن "الرئيس تبون يمثل النظام، وهو في سباق مع الزمن لاتخاذ إجراءات عدة ترسم المرحلة الجديدة". واعتبر مرسي أن "كل القرارات باهتة، وأتت دون التوقعات، إذ لا تستجيب إلى تطلعات الشعب المصمم على مواصلة الحراك"، موضحاً أنه "بالنسبة للسلطة فهي منسجمة ومتفقة ومنضبطة بعكس ما يشاع عنها، لكن نسبة الوعي لدى الشعب مرتفعة، ويبقى عموم الخطاب هو تكريس لمسيرة النظام".
من جانبه، رأى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، عبد الوهاب حفيان، أن "الخطاب حمل دلالات سياسية تركزت حول محورين أساسيين، الأول هو محاولة الاستجابة لضغوط الحراك وبداية التأسيس لفتح صفحة جديدة معه، والثاني ركز على البناء المؤسساتي للدولة وفق آليات وأخلاقيات جديدة، كما حاول الرئيس بعث رسائل مطمئنة من حين لآخر حول الوضع الأمني والموقف الثابت من القضيتين الصحراوية والفلسطينية".
استقبال المعارضة من دون الموالاة
منذ عودته من رحلة علاج في ألمانيا، ينشط الرئيس تبون بقوة، في محاولة لتحريك الأمور واستدراك التأخر الذي سببه غيابه جراء إصابته بفيروس "كورونا"، وكان أهم نشاطاته استقبال عدد من زعماء وقيادات أحزاب محسوبة على المعارضة، والتي أدلت عقب اللقاءات بتصريحات مفادها أن الرئيس يسعى إلى استشارة الطبقة السياسية حول ملفات مصيرية وتوجهات يعتزم اعتمادها.
وطرحت تلك الاستقبالات تساؤلات حول أسباب عدم دعوة أحزاب الموالاة المعروفة بصناعة المشهد السياسي منذ استقلال البلاد مثل "جبهة التحرير الوطني"، و"التجمع الديمقراطي"، و"حركة أمل الجزائر"، و"حزب الحركة الشعبية الجزائرية". كما ثارت شكوك حول اعتزام الرئيس تشكيل تحالف رئاسي يرافقه في ظل رفضه تأسيس حزب.
تخفيف الاحتقان والضغط
في هذا الشأن، أبرز أستاذ العلوم السياسية عبد الوهاب حفيان، أن "المشاورات التي باشرها تبون مع أحزاب تصنف ضمن المعارضة، هي رسالة واضحة للتشكيلات التقليدية التي تسمى بالمولاة، بأنها ربما لن تكون جزءاً فاعلاً في مشهد الجزائر الجديدة"، مضيفاً أن تلك القوى "ستكون قرباناً مقدماً من النظام إلى الحراك والقوى الرافضة، كعربون لكسب الثقة. واستبعد أن يكون النظام يسعى إلى بناء تحالفات جديدة، على الأقل في الأفق المنظور، في ظل ضبابية المشهد السياسي، والمصالح الحزبية التي تتطلب عدم الانخراط في هذه الفرضية حالياً".
في السياق ذاته، قال الناشط السياسي، سعيد مرسي، إن "أحزاب الموالاة هي رصيد الحكم وعدم استقبالها يندرج في سياق تخفيف الاحتقان الشعبي فقط، ولا يعدو الأمر إلا ذراً للرماد في العيون طبعاً"، مضيفاً أنه "تم كسب بعض الأحزاب من خلال الاستقبال، وهي في الحقيقة مكملةً لأحزاب الموالاة". وختم أنه "لا بد من إيجاد تحالفات ولو قطبية حسب الحاجة، هذه سيرة السلطة دائماً".