بينما خالفت "أوبك+" توقعات المحللين والمتابعين، وأبقت على تخفيضات الإنتاج من دون تغيير خلال أبريل (نيسان) المقبل، مع استثناء زيادة محدودة في الإنتاج بمقدار 150 ألف برميل يومياً، جاء قرارها داعماً لارتفاع الأسعار بنحو قياسي وعزز الأساسيات الداعمة لتوازن السوق.
وقال محللون ومختصون إن السعودية فاجأت الأسواق بالإبقاء على خفضها الطوعي البالغ مليون برميل يومياً خلال أبريل المقبل، للحفاظ على أسعار النفط المرتفعة، ولحين تعافي الطلب الداعم لزيادة الإنتاج المطلوبة، والانتهاء من عمليات التطعيم ضد كورونا التي تساعد عودة الأنشطة الاقتصادية حول العالم.
الإبقاء على الإنتاج
وأكد البيان الصادر عن منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" على إبقاء إنتاج النفط الخام من دون تغيير عند مستوياته الحالية، مع منح روسيا وكازاخستان بعض الاستثناءات.
وقالت "أوبك" إن التحالف استقر على استمرار مستويات الإنتاج لشهر مارس (آذار) وأبريل، باستثناء روسيا وكازاخستان، حيث سيسمح بزيادة الإنتاج بمقدار 130 و20 ألف برميل يومياً على التوالي، بسبب استمرار أنماط الاستهلاك الموسمية.
ورحب الوزراء، وفق البيان، بقرار السعودية تمديد التعديلات الطوعية الإضافية البالغة مليون برميل يومياً لشهر أبريل 2021. وأشار البيان إلى أن "أوبك" والدول غير الأعضاء حجبت 2.3 مليار برميل من النفط منذ اجتماع أبريل 2020 حتى نهاية يناير (كانون الثاني) 2021. ما أدى إلى تسريع إعادة التوازن لسوق النفط.
ومن المرتقب أن تجتمع مجموعة "أوبك+" على مدار يومين في 31 مارس الحالي ومطلع أبريل المقبل للاستقرار على سياسات الإنتاج التي ستطبقها في شهر مايو (أيار) 2021.
وكانت "أوبك+" بدأت خفضاً قياسياً في الإنتاج بلغ 9.7 مليون برميل يومياً خلال مايو 2020 مع انهيار الطلب بسبب الجائحة، ووصل إلى 8.125 مليون برميل يومياً في مارس الجاري مع حساب الخفض الطوعي الإضافي للسعودية.
ويأتي استمرار التخفيضات الكبيرة في الإنتاج إلى توقعات منظمة "أوبك" بنمو الطلب العالمي بمقدار 5.8 ملايين برميل يومياً خلال العام الحالي إلى 96 مليون برميل يومياً، وهو ما يظل أدنى من المستويات المسجلة في عام 2019.
توخي الحذر
خلال كلمة في الاجتماع، دعا وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، إلى توخي الحذر واليقظة في ما يتعلق بسوق الطاقة، مضيفاً أن أسواق النفط العالمية تحسنت منذ آخر اجتماع في يناير الماضي، إذ أدت تخفيضات إنتاج "أوبك+" والخفض الإضافي الطوعي السعودي بمقدار مليون برميل يومياً لشهري فبراير (شباط) ومارس إلى تسريع عملية إعادة التوازن في السوق.
وأضاف الأمير عبد العزيز في كلمة له عبر الفيديو في الاجتماع الوزاري لـ"أوبك+"، أن "التعافي في الطلب العالمي على النفط يرتبط ارتباطاً وثيقاً بقبول اللقاحات والسرعة في طرحها في جميع أنحاء العالم. ولم تنحسر حالة عدم اليقين التي تحيط بخطى الانتعاش... تعلمنا خلال العام الماضي صعوبة وضع تنبؤات في مثل هذه البيئة التي لا يمكن التنبؤ بها".
وعن التزام أعضاء التحالف مستويات الإنتاج المتفق عليها في الاجتماع السابق لـ"أوبك+" قال الوزير السعودي إن مستويات الامتثال ظلت عند المستويات المرتفعة تاريخياً التي كانت السمة المميزة لمساعينا".
مخاوف حقيقية
ويرى طلال البذالي، الأكاديمي في كلية هندسة البترول في جامعة الكويت، ومحلل أسواق النفط العالمية، أن قيام "أوبك+" بالإبقاء على مستويات الإنتاج من دون تغيير "قرار متوقع" لأن الطلب العالمي ما زال ضعيفاً، مؤكداً أن هناك مخاوف حقيقية من أن تؤدي زيادة الإنتاج مع الطلب الضعيف إلى انهيار الأسعار مجدداً.
وأفاد البذالي بأن القرار ما هو إلا محاولة لإعادة التوازن إلى السوق، وهذه السياسة مؤقتة تعتمد على محاولة التحكم في العرض والطلب، ولكنها لا تؤتي أُكلها على المدى البعيد لأن هذه الدول التي تخفض إنتاجها ستضطر إلى زيادة إنتاجها لتعزيز إيراداتها النفطية.
وذكر أن استمرار ضعف الطلب يهدد ارتفاع الأسعار، متوقعاً انهيارها في المستقبل حال تخلي "أوبك+" عن سياسة إبقاء التخفيضات كما هي عليه. وأضاف "أغلب دول التحالف خصوصاً دول الخليج تعاني من انخفاضات حادة في إيراداتها المالية الناتجة من بيع النفط، لذا السؤال الذي يطرح نفسه ما هي الفترة الزمنية التي يمكن لهذه الدول أن تصمد خلالها أمام انخفاض الإيرادات النفطية".
وتابع البذالي أن أغلب الدول الخليجية تعتمد على صناديقها السيادية الضخمة لتمويل موازنتها العامة خلال السنتين الحالية والمقبلة لتعويض انخفاض الإيرادات النفطية مقابل ذلك تحافظ على ارتفاع أسعار النفط، لكن إذا صمدت دول الخليج لن تصمد الدول الأخرى.
حالة خاصة
ولفت الأكاديمي الكويتي إلى أن "السعودية حالة خاصة لأنها الدولة الوحيدة التي لديها سعة استيعابية كبيرة، فطوعياً هي تخفض مليون برميل يومياً، كما أنها خفضت مليون برميل يومياً أخرى في أبريل الماضي.. فالمجموع مليونا برميل، لذلك نجد المملكة المحرك الرئيس لسوق النفط وتأخذ على عاتقها المسؤولية الكبرى في إعادة موازنة السوق".
وأورد أن استمرار تخفيضات المملكة ستضر موازنتها العامة بلا شك، ولكن من الواضح أن لديها مصدات مالية كبيرة تستطيع من خلالها تعويض إيراداتها النفطية المفقودة بسبب الاتفاق، إلا أنه في الوقت نفسه هناك تساؤل مُلح عن المدة التي تستطيع السعودية الصمود فيها أمام هذه التخفيضات الكبيرة.
وتوقع البذالي أن يشهد اجتماع "أوبك+" المقبل تغيراً في سياسة التخفيضات، على الأقل على صعيد الجانب السعودي الذي من المرجح أن يلغي مليون برميل من التخفيضات الطوعية.
اتجاه صاعد
رجح البذالي استمرار الأسعار في اتجاه صاعد خلال الثلاثة أشهر المقبلة بفضل خفض المعروض العالمي وستراوح الأسعار بين 60 و75 دولاراً للبرميل بناء على قرارات منظمة أوبك وحلفائها".
ونوه أنه إذا ظهرت بيانات تؤشر إلى تعافي الطلب العالمي ستتجه أسعار الخام صعوداً، وإذا ساء الوضع والطلب قل أكثر مما هو متوقع، فسيكون أمام "أوبك+" خيارات أخري أهمها، زيادة التخفيضات للحفاظ على تماسك الأسعار، أو إبقاء التخفيضات كما هي عليه وستنخفض الأسعار معها قليلاً.
نتائج مفاجئة
ويرى محمد الشطي، المتخصص في الشؤون النفطية، أن نتائج اجتماع "أوبك+" كانت مفاجأة للسوق وغير متوقعة، إذ تضمنت الإبقاء على مستويات الإنتاج الحالية للتحالف في شهر أبريل من دون تغيير مع استثناء روسيا برفع الإنتاج بـ 130 ألف برميل يومياً، وكازاخستان بـ 20 ألف برميل يومياً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار إلى أن التأثير الكبير جاء من استمرار المبادرة السعودية بخفض الإنتاج بمقدار مليون برميل يومياً للشهر الثالث على التوالي، لذلك جاءت استجابة السوق النفطية إيجابية، إذ قفزت الأسعار ومن المرجح أن تصل إلى 70 دولاراً للبرميل لأن قرار "أوبك+" يعني إبقاء المعروض أقل من المطلوب واستمرار السحوبات من المخزون النفطي.
وأفاد الشطي أن البنوك رفعت توقعات أسعار النفط وسط تحسن أساسيات السوق، وذلك بعد إعلان نتائج اجتماع "أوبك+" الأخير، إذ قام "بنك غولدمان ساكس" برفع التوقعات لسعر برميل خام برنت إلى 75 دولاراً للبرميل في الربع الثاني من 2020، ثم إلى 80 دولاراً للبرميل في الربع الثالث من العام، فيما رفع "بنك يو بي أس" توقعاته للنصف الثاني من العام الحالي إلى 75 دولاراً للبرميل.
وتحدث الشطي أن اتفاق تحالف "أوبك+" والحزم المالية وتوزيع لقاح كورونا أسهمت في زيادة الطلب العالمي، في الوقت ذاته رفع إقبال المستثمرين تعزيز مراكزهم المالية في الأسواق الآجلة.
مخاوف موجودة
وقال الشطي إن هناك مخاوف موجودة ولا تزال هناك محاذير تتطلب الحذر في وتيرة تخفيف القيود المفروضة على الإمدادات من قبل "أوبك+" إلى حين التأكد من تحقق حالة التعافي في أسواق النفط.
وأضاف أن الاتفاق الحالي يؤكد الدور السعودي في استقرار الأسواق واهتمامها في استمرار التحالف والتناغم والانسجام وسط "أوبك+" وحرصها على مبادرات هدفها تسريع وتيرة التوازن من خلال آلية منظمة ومدروسة تتم بصفة دورية شهرية.
تحسن مستمر
وقال أحمد حسن كرم، متخصص في أسواق النفط العالمية، إن قرار "أوبك+" الأخير جاء بعد تحسن ملحوظ في الأوضاع السوقية للنفط، فالأسعار الحالية مستمرة في التحسن بفضل الزيادة التصاعدية على الطلب العالمي وتحسن الأوضاع الاقتصادية العالمية، مضيفاً "التعافي يأتي من تحسن الأوضاع الصحية وتزايد أعداد متلقي لقاحات كورونا وانخفاض في أعداد المصابين".
وأضاف كرم أنه مع تخفيضات السعودية الطوعية بما يقارب المليون برميل أيضاً ساعدت بكثير على تحسن أسعار النفط، وهو الأمر المرجو للدول المنتجة، مشيراً إلى أن باقي الدول تتمنى أن تستمر المملكة بهذا الأمر أو ربما أن ترفع من كمية الخفض أكثر حتى ترتفع أسعار النفط أكثر مما هي عليه الآن.
وتوقع كرم أن نرى استمرار أسعار النفط تتراوح بين 60 و65 دولاراً للبرميل، إلا إذا جاءت أمور سياسية أو اقتصاديه مغايرة عن الحالية.
توقعات متفائلة
وفي أعقاب الاجتماع رفعت البنوك العالمية الكبرى توقعاتها المتفائلة لسعر برميل النفط.
وفي مذكرة بحثية لها، الجمعة، رفعت مجموعة "غولدمان ساكس" توقعاتها للربعين الثاني والثالث لخام برنت بمقدار 5 دولارات لكل منهما إلى 75 دولاراً و80 دولاراً للبرميل، على التوالي.
فيما توقع "جيه بي مورغان تشيس" أن يتسبب قرار "أوبك+" بفتح عجز قدره 1.8 مليون برميل يومياً على مدى الأشهر الثلاثة المقبلة بسبب تقييد العرض وزيادة الطلب ورفع توقعاته لخام برنت بمقدار 2 إلى 3 دولارات للبرميل.
ورجحت مجموعة "سيتي" أن يؤدي صعود النفط إلى مزيد من الضغط داخل "أوبك+"، إذ سيرغب بعض الأعضاء في ضخ مزيد لتخفيف الضغط الاقتصادي. وتوقعت في تقرير أن تصل الأسعار إلى 70 دولاراً قبل نهاية مارس الحالي.
وقفزت أسعار النفط يوم الجمعة بأكثر من 3 في المئة، لتبلغ أعلى مستوى خلال قرابة 14 شهراً، بدعم تمديد اتفاق "أوبك+" وتمديد السعودية للخفض الطوعي وبوادر التعافي الاقتصادي مع نشر تطعيمات كورونا.